
تشهد أسواق قطاع غزة ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الخضراوات، وسط مشاهد مأساوية تلخص حجم الانهيار في السلة الغذائية بعد نحو عشرين شهراً من الحرب المستمرة، التي دمرت معظم الأراضي الزراعية في القطاع وأفقدت السكان أبسط مقومات الأمن الغذائي.
وباتت الخضراوات تباع بالحبة الواحدة في الأسواق في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية، حيث فاقت أسعار الحبة الواحدة من بعض الأصناف سعر الكيلوغرام قبل الحرب، في وقت يعاني فيه الغزيون من شبح المجاعة.
وأرجع مزارعون ومختصون هذا الارتفاع الحاد إلى التدمير الواسع الذي طاول الأراضي الزراعية ونقص المستلزمات الأساسية للإنتاج، بجانب الإغلاق المستمر للمعابر الذي يمنع إدخال الأسمدة والبذور والمبيدات والمياه والطاقة، ضمن حملة ممنهجة لتجويع السكان وضرب ما تبقى من الاقتصاد المحلي.
في تقرير سابق، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن أقل من 5% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة ما زالت صالحة للزراعة ويمكن الوصول إليها، وذلك بعد تحليل مشترك أجرته مع مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية (يونوسات) حتى نهاية إبريل/ نيسان الماضي.
ووفقاً للتقرير، فإن 80% من الأراضي الزراعية في القطاع باتت متضررة، ولم يعد بالإمكان الوصول إلى 77.8% منها، ما يعني أن ما تبقى من الأراضي الصالحة لا يتجاوز 688 هكتاراً فقط. كما أشارت "فاو" إلى أن أكثر من 82% من الآبار الزراعية تضررت، مقابل 67% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما فاقم من معاناة المزارعين وقلّص القدرة على الإنتاج الغذائي.
وكان المزارع الفلسطيني رامي الأسطل، من منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس جنوبي القطاع، يمتلك قبل الحرب 60 دونماً مزروعة بمختلف أصناف الخضراوات، لكنه اليوم بالكاد يستطيع زراعة أربعة دونمات بسبب الدمار وغياب الإمكانات.
وقال الأسطل لـ"العربي الجديد" إن مناطق زراعية واسعة في رفح وشمال غزة خرجت من دائرة الإنتاج بالكامل، مشيراً إلى أن تكاليف الزراعة أصبحت باهظة إلى حد غير معقول، مضيفاً: "سعر الدواء الزراعي الذي لم يكن يتجاوز 60 شيكلاً (الدولار يساوي 3.6 شيكلات) قفز إلى أكثر من 1500 شيكل، وعربة السماد العضوي ارتفعت من 300 شيكل إلى ما يزيد عن 15 ألف شيكل، أما البذور، فإما مفقودة أو أسعارها تجاوزت عشرة أضعاف ما كانت عليه".
وأكد الأسطل أن ارتفاع أسعار النايلون المستخدم في تغطية البيوت البلاستيكية، وتكاليف النقل الباهظة، وعدم توفر الوقود والمياه، كلها أسباب أسهمت في تقليص المساحات المزروعة وارتفاع جنوني في الأسعار.
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الزراعة بغزة محمد أبو عودة أن الحرب دمّرت 85% من الأراضي المزروعة بالخضراوات، مشيراً إلى أنها كانت تشكل قبل الحرب نحو 42% من إجمالي الإنتاج الزراعي، وتُصدّر منها 60 ألف طن سنوياً بقيمة سوقية تبلغ 66.1 مليون دولار.
وقال أبو عودة، لـ"العربي الجديد"، إن المساحة المزروعة بالخضراوات انخفضت من 85 ألف دونم قبل الحرب إلى سبعة آلاف فقط حالياً، وانخفض عدد الأصناف المنتجة من 40 صنفاً إلى 17 فقط، في وقت باتت فيه المستلزمات الزراعية ممنوعة من الدخول بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد.
وأشار إلى أن غياب مصادر الطاقة البديلة لتشغيل الآبار وندرة المياه وارتفاع تكلفة المبيدات والأسمدة وشبكات الري، كلها عوامل تقف عائقاً أمام استعادة أي شكل من الإنتاج الزراعي.
في الأثناء، ذكر المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ أن تكاليف الإنتاج الزراعي في غزة ارتفعت بالمتوسط بنحو 1200%، ما ضاعف من أسعار الخضراوات بشكل غير مسبوق، مؤكداً أن تدمير القطاع الزراعي يمثل ضربة للاقتصاد الفلسطيني ككل، بعدما كان يشكل 13% من الناتج المحلي وانخفض اليوم إلى أقل من 2%.
وقال بربخ لـ"العربي الجديد" إن القطاع كان يتمتع باكتفاء ذاتي في الخضراوات بنسبة 120%، إلا أن الحرب دمرت هذه المنظومة، وحوّلت غزة إلى منطقة تعاني من ندرة الغذاء، في ظل تعمد الاحتلال منع وصول أي دعم حقيقي للقطاع الزراعي أو الغذائي.
وأضاف: "ما يجري في غزة يتجاوز حدود الدمار المادي ليصل إلى القضاء الممنهج على السلة الغذائية للقطاع وسط حملة تجويع تستخدم الغذاء سلاحاً في وجه السكان، ومع استمرار إغلاق المعابر واستحالة الوصول إلى الأراضي الزراعية وغياب أي أفق للإعمار أو الإنتاج، يعيش السكان مجاعة حقيقية تهدد حياتهم".

أخبار ذات صلة.
