
في تصعيد دراماتيكي للصراع في الشرق الأوسط، شنت الولايات المتحدة ضربات على ثلاث منشآت نووية إيرانية فجر أمس الأحد، مما يثير تقلبات حادة في سوق النفط، تدفع خام برنت وفق التوقعات صوب 100 دولار للبرميل وربما أكثر، وسط مخاوف من رد إيران على هذه الضربات وتعمق الدور الأميركي في الحرب التي أشعلتها إسرائيل في الثالث عشر من يونيو/حزيران الجاري بضرب مواقع نووية وحربية إيران واغتيال قيادات عسكرية وعلماء في الطاقة النووية.
ولطالما ترقبت سوق النفط على مدى أيام خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التالية بشأن الصراع المتفاقم في المنطقة. والآن بعدما ضربت الطائرات الأميركية مواقع فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران، يستعد المتعاملون بالسوق لقفزة في الأسعار، مع استمرار التكهن بالمدى الذي ستصل إليه الأزمة.
وقفزت العقود المستقبلية لخام برنت بالأساس بنسبة 11%، منذ أن هاجمت إسرائيل إيران. والآن من المتوقع أن تستأنف الأسعار ارتفاعها، اليوم الاثنين، بعدما أدى الهجوم الأميركي، لزيادة المخاوف بشكل كبير في منطقة مسؤولة عن حوالي ثلث إنتاج النفط العالمي. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بما يصل إلى 18% منذ بداية يونيو الجاري لتبلغ أعلى مستوى لها في خمسة أشهر تقريباً عند 79.04 دولاراً، يوم الخميس الماضي. ويُتوقع أن تزداد حدّة التقلبات هذا الأسبوع، من أسواق الخيارات المحمومة، إلى أسعار الشحن والديزل المتصاعدة، وصولاً إلى تغير جذري في منحنى العقود الآجلة للخام ذي الأهمية الكبيرة.
مخاوف من استهداف البنية التحتية للنفط في الخليج
قال محلل الطاقة في شركة الخدمات المالية "إم إس تي ماركي"، سول كافونيتش، إن "الكثير يتوقف على ردة فعل إيران خلال الساعات والأيام المقبلة"، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة تضع النفط على طريق تسجيل 100 دولار للبرميل إذا جاء رد إيران متماشياً مع تهديداتها السابقة.
وأضاف كافونيتش لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأحد، أن "الهجوم الأميركي قد يُوسّع نطاق الصراع بما يشمل استهداف إيران للمصالح الأميركية في المنطقة، بما في ذلك البنية التحتية النفطية بالخليج في مناطق مثل العراق، أو إعاقة حركة السفن في مضيق هرمز". والمضيق الواقع عند مدخل الخليج العربي هو ممر حيوي، لا للشحنات الإيرانية فحسب، بل أيضاً لصادرات السعودية والعراق والكويت وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".
لكن المحرك الرئيسي في كل هذا هو هدف إدارة ترامب النهائي في إيران، بعد انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم الإسرائيلي على بلدٍ يحتل المرتبة الرابعة عالمياً في حجم الاحتياطيات النفطية. وخلال الأسبوع الماضي، بدا التدخل الأميركي وكأنه مسألة وقت لا أكثر. لكن ذلك تَغيّر في وقت متأخر من مساء الخميس، عندما قال ترامب إنه سيفكر في قراره حول إعطاء مهلة الأسبوعين للتوصل لحل دبلوماسي قبل التدخل عسكرياً. ثم عاد ليعلن، في الساعات الأولى من صباح، أمس، قصف مواقع فوردو ونطنز وأصفهان، مشيراً إلى إسقاط "حمولة من القنابل" على "فوردو"، أحد المواقع الرئيسية لتخصيب اليورانيوم.
وقال محلل استراتيجيات الطاقة العالمية في "رابوبنك" الهولندي، جو ديلورا، إن "السوق تريد اليقين، وهذا التطور يزج بالولايات المتحدة بقوة في ساحة صراع الشرق الأوسط"، متوقعاً "ارتفاع الأسعار الآن عند استئناف التداول بسوق النفط". وأضاف ديلورا: "لكنني أعتقد أنه سيجري تكليف البحرية الأميركية بضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحاً"، مشيرا إلى أن الأسعار ربما تتجه صوب نطاق 80 إلى 90 دولاراً للبرميل.
لكن الأسعار قد تتخطي هذه المستويات وفق سيناريوهات أسوأ، إذ يتوقع المستثمرون ردة فعل "مفاجئة"، في احتمالات بانقطاع إمدادات الشرق الأوسط. ووفقاً لبنك "جيه بي مورغان" الأميركي، فقد يرتفع سعر خام برنت، إلى نحو 130 دولاراً للبرميل.
وقال المحلل في شركة الاستشارات المالية "بوتوماك ريفر كابيتال"، مارك سبيندل، وفق نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة: "سيبدأ النفط على ارتفاع"، مشيراً إلى حالة عدم اليقين بشأن رد إيران وتقييم الأضرار.
ويؤدى التدخل الأميركي إلى تفاقم الصراع الإيراني الإسرائيلي، مما أثار ردات فعل متباينة داخل الولايات المتحدة. وبينما أشاد السيناتور الجمهوري، ميتش ماكونيل، بما وصفه بـ"الإجراء الحاسم" الذي اتخذه ترامب، بأنه يُواجه عدوان طهران، أدان الديمقراطيون، بمن فيهم عضو الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الضربات ووصفوها بأنها "انتهاك خطير" لصلاحيات الحرب الدستورية، واصفين إياها بأنها "أساس لعزل الرئيس".
ووصف عضو الكونغرس جيم ماكغفرن، هذه الخطوة بأنها "جنونية"، محذراً من حرب "مفتوحة" أخرى. ويؤكد الانقسام السياسي على مخاطرة ترامب، التي قد تُواجه ردة فعل عنيفة من قاعدته المؤيدة لـ"أميركا أولاً"، والتي تخشى التدخلات الخارجية.
تقلبات في أسواق الأسهم العالمية والدولار
ومن المتوقع أن تطاول التقلبات الحادة أسواق الأسهم العالمية، عند إعادة فتحها، اليوم الاثنين، حيث يندفع المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن، وسط تقييم تداعيات التصعيد الحالي للصراع على الاقتصاد العالمي.
وفي أعقاب الإعلان عن الهجوم الأميركي مباشرة، توقع المستثمرون أن يحفز هذا الأمر عمليات بيع في الأسهم. وسيتمحور القلق الرئيسي للأسواق حول التأثير المحتمل لتطورات الشرق الأوسط على أسعار النفط وبالتالي على التضخم. وقد يضعف ارتفاع التضخم ثقة المستهلكين ويقلل فرصة خفض أسعار الفائدة على المدى القريب.
وقال كبير مسؤولي الاستثمار لدى مؤسسة "كريسيت كابيتال" للاستثمار، جاك أبلين، وفق تقرير لوكالة رويترز "يضيف هذا الأمر مستوى جديداً معقداً من المخاطر التي سيتعين علينا أخذها في الاعتبار والانتباه إليها.. سيكون لهذا الأمر بالتأكيد تأثير على أسعار الطاقة وربما على التضخم أيضاً".
وقبل الهجوم الأميركي على إيران، وضع محللون في شركة أوكسفورد إيكونوميكس ثلاثة سيناريوهات تتراوح بين خفض التصعيد في الصراع، والتعليق الكامل للإنتاج الإيراني، وإغلاق مضيق هرمز، وقالت المؤسسة في مذكرة إن "لكل منها تأثيرات كبيرة متزايدة على أسعار النفط العالمية". وأضافت أنه في أسوأ الحالات، ستقفز أسعار النفط العالمية إلى نحو 130 دولاراً للبرميل، لتدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 6% بحلول نهاية العام الجاري 2025.
وقالت "أوكسفورد إيكونوميكس" في مذكرة صدرت قبل الضربات الأميركية "على الرغم من أن صدمة الأسعار ستؤدي حتماً إلى إضعاف الإنفاق الاستهلاكي بسبب تضرر الدخل الحقيقي، فإن أي فرصة لخفض أسعار الفائدة الأميركية هذا العام ستتدمر بسبب مدى زيادة التضخم والمخاوف من تداعيات لاحقة من التضخم".
وقبيل الضربة الأميركية، كثفت صناديق التحوط رهاناتها على نفط برنت بأعلى وتيرة منذ أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وزاد مديرو الأموال صافي مراكزهم الشرائية للمرجع العالمي بمقدار 76 ألفاً و253 عقداً إلى 273 ألفاً و175 عقداً، في الأسبوع المنتهي في 17 يونيو الجاري، وفقاً لبيانات بورصة "آي سي إي فيوتشرز يوروب". في المقابل، هبط عدد المراكز البيعية إلى أدنى مستوى له في أكثر من أربعة أشهر.
ويبدو أن المتداولين يتحوّطون من احتمال نشوب مواجهة أوسع في الشرق الأوسط أو من اضطراب التدفقات عبر مضيق هرمز، ما عزّز ميل المراكز الاستثمارية للرهان على الصعود، وهو ما تجلّى بالفعل الأسبوع الماضي.
على صعيد آخر، يمكن أن يكون للتصعيد في الصراع آثار متباينة على الدولار، الذي تراجع بالأساس هذا العام وسط مخاوف من تضاؤل التفوق الأميركي. وقال محللون إن انخراط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب الإيرانية الإسرائيلية قد يفيد الدولار في البداية بفضل الطلب على الملاذ الآمن.
وقال كبير محللي السوق في شركة الوساطة المالية "آي بي كيه آر" في ولاية كونيتيكت الأميركية، ستيف سوسنيك: "هل نشهد توجهاً نحو الملاذ الآمن؟ هذا سيعني انخفاض عوائد السندات وارتفاع الدولار". وأضاف "من الصعب تصور عدم تأثر الأسهم سلباً، والسؤال هو إلى أي مدى؟ سيعتمد الأمر على ردة الفعل الإيرانية وما إذا كانت أسعار النفط سترتفع".
