لا نهاية للحرب قريباً
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

فادحةٌ الانتكاسات التي مُنيت بها إيران بفعل الحملة الإسرائيلية عليها، وحتى قبل انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب في جانب إسرائيل فجر يوم أمس (الأحد)، وخصوصاً ما يتّصل بالبرنامج النووي والصاروخي، فضلاً عن الخسائر البشرية الفادحة في هيكل القيادة والمؤسّسة العسكرية. لكن هذه ليست الانتكاسة الأولى من نوعها بالنسبة إلى الدولة الإيرانية، فقد خاضت إيران حرباً ضدّ العراق ثمانية أعوام، تكبّدت خلالها قدراً غير مسبوق من الخسائر البشرية والعسكرية، لم تتكرّر لاحقاً. في المقابل، لم تتعرّض إسرائيل، منذ حرب 1973 ضد مصر وسورية، لضرباتٍ عسكرية مباشرة لقواتها المسلّحة. وهجمات 7 أكتوبر (2023) لم تكن عمليةً عسكريةً بالمعنى التقليدي. الشاهد، أننا أمام عمل غير مسبوق، تتعرّض فيه أراضٍ إسرائيلية لقصفٍ جوّي مباشر ومستمرّ، أنزل خسائرَ كبيرةً بأهداف عسكرية مهمّة وحيوية. وعلى ما في ميزان القوة بين الجانبَين من فجوة وتفاوت كبير، إلا أن تمكّن إيران من دفع الإسرائيليين إلى المخابئ يومياً، بل مرّات في اليوم الواحد، أمر لم تكن تل أبيب تتصوّر حدوثه. وممّا يزيد من حدّة المفاجأة، ويعطي دلالات عملياتية أعمق لموجات القصف الصاروخي الإيراني ضدّ إسرائيل، أن منظومات الدفاع الجوي، بما تتضمّنه من أنساق متقدّمة، وتقنية عالية، مثل حيتس وثاد وباتريوت وغيرها، لم تستطع إيقاف سوى 60 إلى 70% فقط من الصواريخ الإيرانية، وذلك على الرغم من أن تلك الصواريخ ليست الأحدث، ولا هي الإصدارات المتقدّمة ممّا تملكه إيران. إذ لديها إصدارات صاروخية أكثر دقّةً في الوصول إلى الأهداف، وأشدّ فعاليةً في ضربها.
في ذلك المشهد، المنطقي أن تطوّر إسرائيل استراتيجيتها العملياتية للحرب، فتُقصر أجلها وتلجأ إلى عمليات نوعية مختلفة عن القصف التقليدي للمنشآت والأهداف العسكرية، بما في ذلك استخدام الكوماندوز وتفعيل باقي الخلايا النائمة داخل الأراضي الإيرانية، لشلّ الدولة الإيرانية وتفكيك مفاصلها وإرباك النظام هناك، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدُث. مغزى ما تقوم به إسرائيل، أنه استنزاف، ليس لقدرات الدولة الإيرانية فقط، وإنما أيضاً لاستدراجها إلى كشف أوراقها واستنزافها. في مقابل ذلك، لا تمثل الخسائر التي تتكبّدها تل أبيب في الأرواح أو المنشآت أو الأهداف الحيوية، مشكلةً لدى بنيامين نتنياهو ومتطرّفي حكومته. وبالتوازي مع هدف الاستنزاف، تباشر إسرائيل ضغطاً معنوياً هائلاً على النظام الإيراني، من خلال عمليات الاغتيال المتتالية للمسؤولين والعقول النووية، والتلويح برفع مستوى الاغتيالات إلى درجة المرشد علي خامنئي. أيّ إن إسرائيل تردّ على "الإهانة" القومية التي تعرّضت لها بصفعات متتالية على وجه "الكرامة" الإيرانية، وبالتالي لا ضرورة ولا حاجة إلى العجلة في إنهاء الحرب.
صحيح أن تل أبيب منخرطة بالفعل في مواجهة مسلّحة استنزافية متبادلة مع طهران، لكن نتنياهو المقيّد بآراء (ومواقف) المتطرفين من شاكلة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ويسرائيل كاتس وغيرهم، لا يملك (ولا يريد) إنهاء الحرب سريعاً، إلا بنصر ضخم يسطّر تاريخاً جديداً للدولة العبرية، ويجعل من نتنياهو رمزاً تاريخياً ليهود العالم. بالطبع، ليست إسرائيل وحيدةً تريد إطالة الحرب مع إيران، فثمّة دول أخرى في المنطقة تريد تكسير عظام إيران، وأن تنتهي هذه الحرب بتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، وإخراج إيران من معادلة القوة فيه، كما سبق إخراج العراق وسورية. وقد جاء التدخّل الأميركي، ليصبح قرار تمديد الحرب أو تقصير أجلها، أميركياً بقدر ما هو إسرائيلي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية