يسري أبو شادي: إيران يمكنها صنع قنبلة نووية والتسرب الإشعاعي كارثي
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

يرى كبير مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق يسري أبو شادي أنّ الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية قد تكون عاملاً في حسم مصير الصراع الإسرائيلي الإيراني، ويقول في مقابلة مع "العربي الجديد" في الدوحة، إنه لا يعتقد أن تلك الضربة ستقضي على المشروع النووي الإيراني، وإنه يخشى أن تؤدي إلى صنع إيران قنبلة نووية، ما يخلف مخاطر أكبر، من بينها الخطر الإشعاعي.

كيف تقيّم الضربة الأميركية التي طاولت المنشآت النووية الإيرانية فجر الأحد؟

ليست لدينا معلومات وافية بعد، لكنّني أعتقد أن الهالة الإعلامية لهذه الضربة أكبر من قيمتها الفعلية، وأنها جزء من "البروباغندا"، وأرجّح أنّ منشأة فوردو لم تُدمَّر كما يُقال. المواقع النووية الثلاثة التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدميرها، هي منشآت تعرضت لضربات إسرائيلية سابقة، وبالتالي فما قيمة الضربات الجديدة، كان كثيرون يتوقعون ضرب فوردو، التي لم تكن إسرائيل تمتلك قدرات لتدميرها، بينما استهداف نطنز هدفه زيادة حجم التدمير القائم بالفعل، وربما الغرض كان الوصول إلى ما تحت الأرض، وفي تقديري أن تلك الضربات الجديدة أيضاً لم تصل إليه، لأن الأعماق كبيرة. المهم الآن، هل استطاعت إيران تأمين المواد المخصّبة التي تمتلكها، وحجمها يقدر بنحو 500 كيلوغرام أم لا؟ في رأيي أن ما يتردّد حول نقل مواد من فوردو يومَي 19 و20 يونيو/حزيران غير صحيح، ولا يمكن تخيّله، فهذه المنشأة تحت المراقبة الأميركية والإسرائيلية، ولو حدث ذلك لقاموا بقصف الشاحنات التي خرجت منها، وتصوّري أن نقل المواد المخصّبة، إن جرى، فقد كان قبل الضربة الإسرائيلية الأولى.

أعلن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، عقد اجتماع لمجلس محافظي الوكالة، الاثنين، وهناك أيضاً اجتماع لمجلس الأمن الدولي، ما المنتظر أن يصدر عنهما؟

لا أتوقع شيئاً من الوكالة، فإسرائيل كرّرت ضرب المنشآت الإيرانية، وآخرها مفاعل آراك، ولم يصدر عن الوكالة أي إدانة، فكيف نتوقع منها إدانة الولايات المتحدة؟ مجلس محافظي الوكالة يضم 19 صوتاً من الدول الغربية، ما يعني سيطرة شبه كاملة، وبالتالي لن يصدر أي موقف. لا أتخيل أيضاً أن يتخذ مجلس الأمن موقفاً ضد الولايات المتحدة، فهي عضو دائم، وتملك حق النقض. نعيش في عالم تسيطر عليه قوة عالمية واحدة، هي الولايات المتحدة، وانتهى زمن توازن القوى مع اختفاء حلف وارسو وزوال الاتحاد السوفييتي، والصين رغم أنها قوة ضخمة، لكنها تركز على الاقتصاد، أما روسيا فهي منشغلة في أوكرانيا، ولا أزال أعتقد أن حرب أوكرانيا أخطر كثيراً، وأنها يمكن أن تطلق شرارة حرب عالمية ثالثة.

ما المتوقع من إيران إزاء الوكالة، وهل يمكن أن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي؟

تقرير الوكالة الأخير كان مُسيّساً، وتضمن أخطاء مهنية، واستُخدم لتوفير مبرّر للاعتداء الإسرائيلي، إذ قال إنّ إيران سحبت رخصة التفتيش من ثمانية مفتّشين، بينما إيران تسمح لـ130 مفتشاً بالعمل. بعدها قالت الوكالة إنّ المفتشين الثمانية خبراء كبار، بينما الحقائق تؤكّد أن الوكالة لديها 24 من الخبراء الكبار، ما يعني أن هناك 16 آخرين، وإيران قالت إنها أوقفت المفتشين الثمانية لأن علاقاتها متوترة مع بلديهم؛ ألمانيا وفرنسا، والبلدان كانا ضمن الاتفاق النووي في عام 2015. وقف تراخيص المفتشين موجود في بنود معاهدة حظر الأسلحة النووية، وليس مخالفة.

منذ اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل، يعيش الشرق الأوسط على صفيح ساخن، فما حجم المخاطر؟

الأوضاع خطرة للغاية، والتصعيد الأميركي يزيد من خطورتها. قبل بضعة أيام، قال مسؤول إسرائيلي إنه لو استمر القصف الإيراني فإن الأمن القومي الإسرائيلي سيكون مهدّداً، وإن إسرائيل قد تستعمل السلاح النووي إذا تعرض أمنها لخطر حقيقي. خلال اليومين الأول والثاني من الصراع، كانت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تتخيلان أن إيران هزمت، لكن تبين لاحقاً أن إيران قوية، وظهر زيف ادّعاء أن أقل من 10% من صواريخها تصل إلى العمق الإسرائيلي، والواقع أنّ نسبةً تفوق 20% من صواريخ إيران تصيب أهدافها، وتصل إلى مدن إسرائيلية عدّة في وقت واحد، وأعتقد أنه لا يزال في جعبتها الكثير، ويمكنها المقاومة طويلاً، بينما لا تستطيع إسرائيل، مجتمعياً واقتصادياً، تحمّل الأمر طويلاً.

رداً على هذه التصعيد، هل تتوقع أن يكون لدى إيران قنبلة نووية، أو كونها قادرة على تجهيز قنبلة نووية سريعاً؟

أستبعد أن يكون لدى إيران قنبلة نووية، لأنها خاضعة لتفتيش دقيق من الوكالة الذرية، لكن الإمكانات التي لديها تمكّنها من صنع قنبلة نووية، ربما خلال أسابيع، فلديها 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، والوكالة تعتبر أن أي نسبة تفوق 20% يمكن أن تؤدي إلى صنع قنبلة، مع ضرورة توفر الأجزاء الأخرى للقنبلة بالطبع، والإيرانيون متقدمون عسكرياً. تظل القنبلة النووية المعيارية بحاجة إلى يورانيوم مخصّب بنسبة 90%، ومن هنا، هناك خياران مفترضان، الأول أن لدى إيران منشأة فيها وحدات طرد مركزي، ويمكنها استخدامها في زيادة نسبة التخصيب إلى 90%، وهذا قد يستغرق 3 إلى 4 أسابيع للوصول إلى قنبلة نووية، ولديها بالفعل صواريخ قادرة على حملها. والثاني أن تقرّر إيران استخدام اليورانيوم المتاح (60%) في إنتاج قنبلة نووية، ستكون أضعف، لكنّها تظل نووية، وسيكون وزنها أكبر، ربما يصل إلى 1500 كيلوغرام، علماً أنّ لديها صواريخ قادرة على حمل ما يصل إلى 1800 كيلوغرام.

خسرت إيران أخيراً العديد من العلماء النوويين، فهل لهذا تأثير على مشروعها النووي؟

بدأت إيران المشروع النووي مبكراً، ولديها مئات العلماء المتخصّصين، وآلاف من الفنيين، وبالتالي لن تتأثر كثيراً، والعلماء الذين جرى استهدافهم، بعضهم متقاعد، بينما العلماء العاملون يمكن استبدالهم بالصف الثاني والثالث. في رأيي أن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يتأثر بهذه الاغتيالات، لأنّه برنامج كبير.

لا يزال مسؤولون إيرانيون يتحدّثون عن الفتوى التي تحرّم امتلاك أسلحة نووية، فهل يمكن أن يؤدي التدخل الأميركي إلى تغيير العقيدة النووية الإيرانية؟

ناقشت هذا الأمر مرات عدّة مع مسؤولين إيرانيين، وقبل أسبوعين فقط تحدثت فيه مع وزير الخارجية عباس عراقجي خلال زيارته إلى القاهرة. الفتوى قائمة، وعراقجي قال بوضوح إنّه ليس لدى الحكومة نيّة لمخالفتها، لكنه أكد أنه في حال تهديد الأمن القومي، وفي حال طلب الشعب أو البرلمان هذا، فإنهم قد يستجيبون. قبل يومين كانت هناك مناقشات في البرلمان الإيراني تتناول هذا الأمر، بدأت بطرح الانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي وقعت عليها إيران ولم توقع عليها إسرائيل. عموماً قرار الانسحاب من المعاهدة يتطلّب البقاء تحت رقابة الوكالة الذرية لمدة ثلاثة أشهر. إذا حدث هذا، فسنكون أمام تكرار نموذج كوريا الشمالية من جديد، وربما حينها تصدر فتوى جديدة تتيح امتلاك سلاح نووي للدفاع عن الدولة، أو لامتلاك وسيلة ردع.

في حال تحقّق سيناريو القنبلة النووية الإيرانية، كيف سيكون وضع الدول العربية، سواءً دول جوار إيران، أو دول جوار إسرائيل؟

إن استخدمت إسرائيل قنبلة نووية ضد إيران، ستكون هناك آثار كارثية على كل دول الخليج العربي، وإن امتلكت إيران قنبلة نووية، عندها ستصبح قادرة على توجيه ضربات مدمّرة، وسيكون لهذا تأثير على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى الأردن ومصر وسورية ولبنان. في الحقيقة، تتحمل الوكالة الذرية المسؤولية، فتقريرها الأخير أدان إيران، وبعد التقرير بنحو 12 ساعة فقط، وقع الهجوم الإسرائيلي الأول. هل كانت لدى إيران خطط لضمان تأمين اليورانيوم المخصّب الذي تملكه (500 كيلوغرام)؟ سنعرف الجواب لاحقاً. هذه الكمية كان أغلبها في منشأة نطنز، وكمية أقل في فوردو.

كيف ترى مواقف الدول العربية، خصوصاً المعرّضة للخطر؟

عشنا لسنوات في ظل أزمات بين إيران ودول عربية عدّة، وكان مبعثها الاعتراض على دعم إيران بعض المنظمات والكيانات، لكن هذا الوضع انتهى تقريباً، خصوصاً بعد إسقاط نظام بشار الأسد في سورية، وما جرى لحزب الله في لبنان، ربما لا يزال هناك دعم لجماعة الحوثي في اليمن، لكن علاقات إيران جيّدة حالياً مع معظم الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، وقد شاهدنا تنديداً عربياً واسعاً بالهجوم على إيران، وأعتقد أن هذا لم يكن متوقعاً من إسرائيل وحلفائها، وربما حدث ذلك لأنّ العرب يستشعرون الخطر الإسرائيلي الكبير على المنطقة كلّها.

يخشى كثيرون من المخاطر الإشعاعية، فكيف تقيّم الأمور باعتبارك خبيراً؟

هناك مخاطر نووية، ومخاطر كيميائية، والخطر الكيميائي محدود التبعات، فهي مواد سامة وخطرة بالطبع، لكن يمكن التعامل معها بسهولة، وتأثيراتها لا تستمر طويلاً، على عكس الخطر النووي، سواء الانفجارات النووية أو القنابل الانشطارية. لنأخذ مثلاً مفاعل بوشهر، وهو في رأيي الأخطر، رغم أن الجميع يتحدثون عن فوردو باعتباره الأهم. في حال حدوث انفجار في بوشهر، أو تعرضه لقصف، سنكون أمام كارثة كبيرة، فالتلوث الإشعاعي لن يكون في الهواء، وإنما سيطاول الماء أيضاً.

الحديث محدود عن مفاعل بوشهر، والتركيز دائماً على فوردو، وبنسبة أقل على نطنز... لماذا؟

قبل أيام قال متحدث عسكري إسرائيلي إنهم يركزون على نطنز وفوردو وأصفهان، وعلى بوشهر أيضاً، وقد تعجّبت من هذا. بعد وقت قصير، صدر بيان توضيحي، يؤكد أن مفاعل بوشهر ليس من بين المنشآت المستهدفة، وكنت أتوقع هذا، فضرب بوشهر غير متوقع لأسباب عدّة، الأول أن هناك خبراء روسيين فيه، وهم يعملون على بناء مفاعلَين آخرَين في الموقع نفسه، لأنهم من بنوا أصلاً المفاعل الحالي الذي يعمل منذ 13 سنة، وقد صدرت تحذيرات من روسيا بهذا الخصوص. ثانياً، هذا المفاعل استراتيجي، وتدميره يؤدي إلى أزمة في الكهرباء، وهو بالفعل ينتج طاقة كهربائية كبيرة، لكن بالنسبة لدولة عندها مصادر أخرى، ومنتج كبير للنفط، لن يؤدي إلى انقطاع الكهرباء في إيران كلّها. السبب الثالث، أنّ المفاعل يضم كميات كبيرة من البلوتونيوم، ربما ثلاثة أطنان، وبالتالي فإنّ الخطر على منطقة الجوار سيكون كارثياً.

هل لهذا التّراجع الإسرائيلي علاقة بالقواعد الأميركية الموجودة في منطقة الخليج؟

هذا سبب إضافي، وبالتأكيد لن تسمح الولايات المتحدة بتضرّر قواعدها وجنودها، وهم الآن معرضون للخطر أكثر من أي وقت مضى في حال قرّرت إيران استهداف القواعد الأميركية. خلال لقائي مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة، قال لي بوضوح إنهم مستعدون لضرب أي قاعدة عسكرية أميركية تشارك في الاعتداء عليهم. هناك تقريباً 29 قاعدة عسكرية أميركية في 11 دولة إقليمية مجاورة أو قريبة من إيران. في اللقاء نفسه، استنكر مسؤول خليجي تهديد عراقجي بضرب القواعد الأميركية في بلدان الخليج، وكان رده، أنهم سيضربون القاعدة الأميركية وليس الدولة التي توجد فيها.

 كيف سيكون ردّ فعل الوكالة ومجلس الأمن إنْ قَصفت إيران مفاعل ديمونا الإسرائيلي في رأيك؟

لا أعتقد أن إيران ستقرّر ضرب مفاعل ديمونا، رغم قدرة صواريخها على الوصول إليه، فهي تدرك أن الضربة لن تكون لها فاعلية، ربما تكون لها قيمة معنوية بالطبع؛ أولاً ديمونا يتمتّع بحماية قوية ضد الاستهداف، ثانياً من ناحيّة فنّية هو مفاعل قديم للغاية، فعمره يتجاوز ستين سنة. لا شكّ أن المفاعل أنتج كميات ضخمة من البلوتونيوم، لكن من السذاجة أن أتخيّل أن هذا المفاعل لا يزال فاعلاً حتّى الآن كما كان عند إنشائه. إسرائيل لديها، قطعاً، وسائل أخرى للتخصيب، أهمها التخصيب بالليزر، وهي رائدة في هذا المجال، وبالتالي فإنّ ديمونا ليس الأهم، كما أنّ لديها مفاعلات غيره. العالم العربي لا يعرف سوى اسم ديمونا، لأنّ له تاريخاً طويلاً معنا، وأيّ مشكلة فيه ستؤدي إلى مخاطر كبيرة، خصوصاً على الأردن كونها الأقرب، وعلى مصر أيضاً.

إن نجحت إيران في إنتاج سلاح نووي، فهل هذا جيّد أم سيّئ بالنسبة لجيرانها العرب؟ وهل يمكن أن يشجع دولاً عربية على قرار مماثل؟

البرلمان الإيراني بدأ يميل إلى قرار الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ربما لأن الوكالة لا تقوم بدورها، ولأن قراراتها مُسيّسة. إيران بدأت في أواخر التسعينيات، بينما لم تدخل أي دولة عربية في هذا المجال. الإمارات عندها أربعة مفاعلات نووية، لكن ليس لديها قدرات تخصيب، ومصر تبني أربعة مفاعلات بخبرات روسية، لكن أيضاً لا تضم إمكانيات تخصيب. امتلاك إيران لسلاح نووي ربما يؤدي إلى شيء من توازن القوى في المنطقة، وهي في النهاية دولة إسلامية، ومواقفها جيّدة بالنسبة للقضية الفلسطينية، ربما كان لها تدخلات مرفوضة في سورية وفي العراق، وإن سألت الشارع العربي تجد الغالبية داعمة لإيران ضدّ إسرائيل، خصوصاً أنّ الأجواء مشحونة بسبب ما يحصل في غزة. 

هل هناك أي موقف يمكن أن تتخذه الدول العربية لحماية نفسها من النووي الإسرائيلي؟
الدول العربية يمكنها أن تهدّد بتعليق توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية جماعياً، لا تنسحب، لكن أن تهدّد بالتعليق، وفي حال استمرت إسرائيل على موقفها تقرّر تعليق توقيعها على المعاهدة فعلياً، وإذا استمر الأمر، يمكن أن تنسحب الدول العربية من المعاهدة جماعياً. وعندها يكون من حق كل دولة أن تفعل ما تشاء في الملف النووي. على أرض الواقع، لا تملك أي دولة عربية منشآت نووية، ولا يبدو أن أي دولة تفكر في الأمر فعلياً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية