
عندما غنّت أسمهان "دخلت مرّة في جنينة" عام 1938، كانت تستكمل إرثاً جمالياً في زمن الحداثة النهوض العمراني في مصر، لكن أين صارت تلك النزعة الرومانسية؟ وما الذي حلّ برمزيّة "الجنينة" نفسها على وقع كلّ التلوث الذي نحياه؟ هذا ما يحاول الإجابة عنه معرضٌ جماعي متعدِّد الوسائط يُقام في الإسكندرية، تحت عنوان لا يخلو من الطرافة: "دخلت مرّة في جنينة.. وما لقِيتش الورود"، في محاولة لدعوة زائريه إلى الإنصات وإعادة التفكير بـ موقع الإنسان داخل محيطه الحيوي.
يتضمّن المعرض (افتُتح في الثاني عشر من الشهر الجاري، بفضاء "وكالة بهنا"، ويتواصل حتى مساء غدٍ الاثنين)، سبع مشاركات تتناول كلٌّ منها موضوعاً حيوياً، إذ يقرأ الفنانون تحولات المشهد الحضري من زاوية بيئية تجعل من الفنّ بوّابة للعبور صوب حيوات غير بشرية: النباتات والأشجار والحيوانات، كما يكشف المشاركون عبر وسائط بصرية متنوعة عن شبكات الوجود التي تنمو في الظلّ.
سبع مشاركات
في عملها "ماذا لو أزهرت الحياة البرية في المدينة؟" تتأمّل الفنانة رنا المحلاوي في ثنائية الطبيعة البِكر مقابل المدينة، أما محمد عادل الدسوقي فيُقارن من خلال فيديو بعنوان "الصولجان" (3 دقائق) بين تركيبة المجتمعات البشرية ومجموعات النمل الأبيض، ويتساءل ماذا لو كانت نهاية البشر على يد هذه المخلوقات؟ بدورها تُقدّم نهال سلامة مشاركتها "مغلق للتطوير" عبر لوحات طباعة مشغولة بأقلام الحبر والباستيل، قارئةً أزمات "التطوير" العمراني التي تجتاح مدينة القاهرة.
"الرفاق الصامتون" عنوان عملٍ لسلمى حسن الله، ويتَضمّن مجموعة صور فوتوغرافية توثّق من خلالها تجربتها الذاتية وعلاجها مستخدمة المسامير المعدنية التي تُثبِّت الصفائح الطبّية بين العظام المكسورة، تُضي هيلينا عبد الناصر في عملها "I Accidentally Joined a Cult.. اقرأ المزيد" مصائر الحيوات المشرّدة وموقعها في المدينة، أمّا مروة عبد المنعم فتقترح مجموعات لوحات بعنوان "أصوات غير مصرح لها"، في حين يُقدّم هلال الإسكندراني عرضاً أدائياً بعنوان "تكهُّن".
تاريخ عبر شجر الصفصاف
وفي الإطار ذاته، أُقيم مساء أمس السبت لقاءٌ "عن شجرة الصفصاف وتواريخ أُخرى" مع الباحث في التاريخ البيئي وتاريخ التكنولوجيا عمرو خيري، تناول فيه تاريخ شجرة الصفصاف، منذ التوسع في زراعتها في عهد محمد علي باشا وحتّى انشغال شعراء وأدباء الحداثة بها في الستينيات بصفتها رمزاً للأصالة والرومانسية في الريف المصري، متطرّقاً للمساحات المختلفة للأشجار بين التاريخ الاقتصادي والبيئي والأدبي، متأمّلاً في تاريخ مصر مع تغيّر المناخ.
يُشار إلى المعرض هو ختام برنامج "زمالات بهنا 2025"، الذي انطلق في فبراير/شباط الماضي تحت عنوان "لا حديث إلّا ذلك الذي عن الطقس والأشجار"، وهو برنامج فني وبحثي جمع فنانين وممارسين بصريين في رحلة جماعية من البحث والتجريب.

أخبار ذات صلة.
