أرشيف المصورين الصحافيين اللبنانيين تجمعه "صورة"
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

في زحمة الأزمات المتتالية التي تعصف بالإعلام اللبناني، يبقى المصوّر الصحافي الحلقة الأضعف والأكثر تهميشاً. بلا راتب ثابت، ولا تأمين صحي، ولا اعتراف واضح بدوره داخل المؤسسات الإعلامية. يعمل في الظل، ويركض إلى خطوط النار، ويُصاب، ويُضرب، ويُهان، ثم تُنسى صوره في أدراج التحرير، أو تُستخدم من دون إذن أو مقابل.

في مواجهة هذا الواقع، أطلقت في 16 يونيو/حزيران الحالي مبادرة "صورة"، أول منصة رقمية لبيع أرشيف الصور للمصوّرين الصحافيين في لبنان، بدعم من مؤسسة سمير قصير، وبالشراكة مع نقابة المصورين الصحافيين، وبتمويل من دولة النرويج.

"صورة" متجر رقمي ومقاومة رمزية

ليست "صورة" مجرد متجر إلكتروني، بل محاولة لإعادة الاعتبار الاقتصادي والمهني إلى مهنة طالما وُصفت بـ"الهواية النبيلة" أو "التضحية المجانية". المنصة مفتوحة أمام جميع المصورين الصحافيين اللبنانيين، بلا شروط إقصائية، على أن يلتزم المستخدمون بالمعايير المهنية والأخلاقية. يستطيع أي مصور يمتلك أرشيفاً موثقاً إنشاء حساب شخصي، وتحميل صوره، وعرضها للبيع مباشرة. تعود الأرباح كاملة لصاحب الصورة، فيما تُقتطع نسبة بسيطة من العائدات المرتفعة – إن وُجدت – لصالح الصندوق الصحي التابع لنقابة المصورين الصحافيين، ما يمنح المشروع طابعاً تضامنياً داخلياً.

وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يشرح نقيب المصورين الصحافيين في لبنان، علي علوش، أن "المنصة تشبه متجراً إلكترونياً ضخماً، يضم مساحات مجانية لكل مصور. أردنا أن نمنح المصورين صنارة، لا سمكة". أما عن تسعير الصور، فيقول إنه "تم بطريقة مدروسة لتكون مرنة ومنافسة، من دون كلفة تشغيلية، ما يتيح مردوداً يعود بالنفع أولاً وأخيراً على المصور نفسه".

لفهم أبعاد هذه المبادرة، لا بدّ من العودة إلى واقع المصورين الصحافيين في لبنان. لعقود، بقيت مهنتهم هشّة وخاضعة لأمزجة إدارات التحرير. وبعد الأزمة الاقتصادية عام 2019، فُصل كثيرون من أعمالهم، أو خُفّضت أجورهم إلى ما دون الحد الأدنى، من دون تعويضات أو ضمانات. في موازاة ذلك، تفشّت ظاهرة السطو على الصور، إذ تُستخدم أعمال المصورين في الإعلام ومواقع التواصل من دون إذن أو نسبة، ولا آلية للمحاسبة. وهو ما جعل من أرشيف المصوّرين اللبنانيين – هذه الذاكرة البصرية الغنيّة – ثروة عرضة للضياع، لا جهة تحفظه، ولا مؤسسة تستثمره. من هنا، تُعدّ منصة "صورة" خطوة باتجاه تدوير هذا الأرشيف وتحويله إلى مادة ذات قيمة ثقافية واقتصادية، تعيد الاعتبار إلى جهد المصورين وعدساتهم.

من بحث إلى مبادرة

يرى المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير، جاد شحرور، أن مشروع "صورة" لم يكن وليد فكرة عابرة، بل ثمرة مسار بحثي بدأته المؤسسة لرصد واقع الصحافيين في لبنان، ولا سيما المصورين الذين يمثلون الحلقة الأضعف داخل الحقل الإعلامي. ويقول شحرور لـ"العربي الجديد": "لاحظنا من خلال الأبحاث أن المصورين يعانون من هشاشة مضاعفة؛ فهم الأكثر عرضة للمخاطر، والأقل تمتّعاً بالضمانات، كما يفتقرون إلى مصادر دخل ثابتة. لذلك سعينا إلى تطوير مبادرة تتيح لهم تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمهنية". ويضيف: "لاحظنا أيضاً أن حضور المصورين اللبنانيين على المنصات العالمية المشابهة ضعيف جداً، كما أن حجم الصور المتوفرة من لبنان على تلك المنصات لا يلبي الحاجة، رغم الطلب المتزايد على الصور المرتبطة بالواقع اللبناني".

وتبيّن من دراسة أُجريت في هذا السياق أن السوق الإعلامي والبحثي والإخباري يفتقر إلى مخزون بصري حديث ومتنوع من لبنان، وأن هناك فجوة يمكن أن تملأها منصة "صورة". ويؤكد شحرور أن "المنصة ليست مجرد أداة بيع، بل بمثابة أرشيف رقمي يتيح للمصورين تحقيق دخل إضافي واستثمار أرشيفهم بدلاً من أن يظل خاملاً أو منسياً".

هكذا تسعى المبادرة إلى تحويل الصورة من "وثيقة منسية" إلى "مورد حيّ"، ومن التعب الميداني إلى مردود ملموس يعيد الاعتبار لصاحب العدسة. إنها مساحة لاقتصاد بديل في زمن الأزمة، وخطوة باتجاه مأسسة العمل الفوتوغرافي الصحافي في لبنان، بعد سنوات من التهميش. في نهاية المطاف، تُعيد المنصة تعريف العلاقة بين المصور وصورته، وبين الصحافة وقيمتها، عبر مشروع رقمي يتطلّع لأن يكون أكثر من مجرد "معرض بيع"، بل بيتاً مشتركاً لذاكرة مرئية مهددة بالاندثار.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية