
تشكل التوترات في الشرق الأوسط، خاصة بعد اتساع رقعة الحرب من جراء العدوان الإسرائيلي على إيران إلى جانب التحوّلات المتوقّعة في الاقتصاد العالمي، تحدياً بالغ الأهمية بالنسبة للجزائر، نظراً إلى ارتباطها الوثيق بشبكات التجارة والتمويل العالمية، وبالتالي التأثير على ما قررته الحكومة من مشاريع تنموية في السنوات الخمس المقبلة، فضلاً عن تلك المنصوص عليها في قانون المالية للسنة الحالية (الموازنة العامة للدولة).
فالاقتصاد الجزائري، كما قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، يرتبط بشكل وثيق بالاستيراد لتلبية احتياجاتها من المواد الأولية والمعدات، سواء بالنسبة للمؤسسات العمومية أو الخاصة، حيث تمثل الواردات نحو 85% من احتياجات الإنتاج في عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع في العام الجاري 2025، في ظل معدل إدماج صناعي لا يتجاوز 15%.
ولا يقتصر الاعتماد على الخارج على مستلزمات الإنتاج فقط، وفق مبتول في حديث مع "العربي الجديد"، بل يشمل أيضاً استيراد جزء معتبر من السلع النهائية الموجهة للاستهلاك العائلي، ما يفاقم أثر التضخم العالمي، ويقلّص من الفوائد التي تجنيها الجزائر من عائداتها بالعملات الصعبة.
تذبذب أهم مورد لاقتصاد البلاد
وأشار إلى أنّ إيرادات شركة سوناطراك النفطية قد تراجعت من 60 مليار دولار في 2022 إلى حوالي 45 مليار دولار في 2024، مع توقعات بانخفاضها إلى أقل من 40 مليار دولار إذا ما استقر متوسط سعر النفط عند 65 دولاراً للبرميل. هذا التراجع في المداخيل قد يؤدي إلى انخفاض احتياطي الصرف وتفاقم التوترات المالية، خاصة في غياب استقطاب فعّال للاستثمار الأجنبي المباشر، في وقت يُتوقع فيه أن يتجاوز العجز في الميزانية 60 مليار دولار، خاصة بارتباط سوق النفط بالأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط والخليج.
من جهة أخرى، يري الخبير الاقتصادي الجزائري أنّ الطلب المحلي المتزايد على الطاقة (النفط والغاز) يمثل ضغطاً إضافياً، حيث يُقدّر أنه يستهلك ما بين 45% إلى 50% من إجمالي الإنتاج الوطني. بينما تعتمد الجزائر بشكل شبه كلي على تصدير المحروقات التي تمثل حوالي 98% من عائداتها من العملة الصعبة، وبالتالي، فإنّ أي تأثر في أسعار النفط تنعكس مباشرة على مداخيل البلاد، وبالتالي البرامج الاقتصادية المقررة.
ويلفت مبتول، المستشار السابق في رئاسة الجمهورية، إلى أن هذه التحديات لا تخص الجزائر وحدها، بل تشمل غالبية الدول الأفريقية المصدرة للمواد الأولية. كما أن الإجراءات الحمائية، مثل الرسوم الجمركية الأميركية والتحقيقات المتعلّقة بممارسات الإغراق التجاري، تؤثر سلباً على القدرة التنافسية للمنتجات الجزائرية الموجهة نحو التصدير.
وقال إنه في هذا السياق الدولي المعقد، تُطرح أمام أفريقيا، والجزائر تحديداً، أسئلة جوهرية حول خياراتها الاستراتيجية، تفرض عليها التكيّف مع التحوّلات العالمية التي لم تعد خياراً بل ضرورة، من خلال تخطيط استراتيجي بعيد المدى يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الكبرى، بخاصة في مجالات الانتقال في مجال الطاقة، والتغيّر المناخي، والرقمنة، والتنويع في مصادر الاقتصاد بدل البقاء رهينة لمداخيل الريع.
وفي انتظار تجسيد الإجراءات الأخيرة المعتمدة من قبل الحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتغطية الاحتياجات المحلية للسوق، يبقى الاستيراد متواصلاً لتوفير المواد الغذائية والمعدات الصناعية وتفادي العجز الذي يؤدي غالباً إلى التهاب أسعار المنتجات، الأمر الذي يدفع الطلب على الدولار واليورو نحو الارتفاع. وفي المقابل، تشهد الصادرات الجزائرية ضعفاً في التنويع على الرغم من التوصيات التي تتبناها الحكومة، ما يعني أن أي خلل في مداخيل النفط، بخاصة بسبب الأزمات الإقليمية، ينعكس فوراً على قيمة الدينار في السوق الرسمية، والموازية أيضاً.
ويخشى الخبراء من أن تتأثر ثقة السوق بخاصة في ظل تضخم عالمي يتغذى على الاضطرابات الجيوسياسية، ما قد يدفع بالجزائريين والمستوردين إلى التهافت على شراء العملة الصعبة، وبالتالي ارتفاع سعرها في السوق السوداء، وهو ما يحدث عادة بشكل أسرع من التفاعل الرسمي للبنك المركزي، ما يؤدي إلى تذبذب مجموعة الأنشطة المرتبطة بها.
ويقول خبراء في الشأن الاقتصادي إنّ الأمر مرهون برفع جملة من التحديات، أبرزها سياسات ترشيد الاستيراد وتحسين مناخ الاستثمار وتسريع الانتقال الطاقوي والرقمي. إذ إن كل تأخير في تنويع الاقتصاد يجعل الدينار رهينة لتقلبات الخارج. كما أن تعزيز احتياطي الصرف واستقطاب الاستثمارات الأجنبية يمثلان عنصرين أساسيين لتقوية الدينار أمام الصدمات الخارجية، وبالتالي إرهاق القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية ذات الدخل الضعيف، بسبب ارتفاع أسعار المنتجات متأثرة بالفعل التضخم الذي بلغ حسب الأرقام الأخيرة لصندوق النقد الدولي بنسبة 3.5%.
