
أصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، مؤخراً، قراراً بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز في العاصمة طرابلس، وذلك بعد شهر من إطاحة "جهاز دعم الاستقرار"، أحد أبرز المليشيات المسيطرة على طرابلس، واكتشاف مقابر جماعية وأدلة تعذيب في سجونه.
ووفقاً لقرار إنشائها، يرأس اللجنة الحقوقية قاض بدرجة مستشار، وتضم ممثلين عن وزارتي العدل والداخلية، ومكتب النائب العام، ونقابة المحامين، إضافة إلى مستشار فني من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتتولى حصر ومراجعة حالات التوقيف خارج نطاق القضاء، ورفع توصيات للإفراج عن المحتجزين من دون سند قانوني، مع ضمان احترام الضمانات الحقوقية والقانونية.
ورحبت وزارة الداخلية بالقرار، ووصفته في بيان رسمي، بأنه "يرسخ الأمن والاستقرار، ويمكن الأجهزة الشرطية من أداء دورها"، مؤكدة أن هذه الإجراءات "تساعد على بسط سلطة الدولة، وإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة. تمكين الشرطة النظامية يمثل حجر الزاوية في استعادة هيبة الدولة".
في سياق متصل، أعلنت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (أهلية) إحالة قائمة تضم 53 محتجزاً في سجن معيتيقة إلى إدارة جهاز الردع المشرف على سجن الجديدة، أكبر سجون العاصمة، تمهيداً للإفراج عنهم. ووفق بيان المؤسسة، شملت القائمة ثلاثة أصناف، أولها من صدرت بحقهم أوامر إفراج نهائية، وثانيها من انقضت مدة عقوبتهم، والثالث من برأتهم أحكام قضائية.
وأكدت المؤسسة أن إدارة جهاز الردع بدأت إطلاق سراح أول دفعة، في خطوة وصفتها بـ"نتيجة للتعاون الميداني مع القائمين على السجن"، ما اعتبره المحامي إبراهيم الناجح، أثراً إيجابياً مباشراً يمهد الطريق لنجاح اللجنة الحقوقية التي شكلها المجلس الرئاسي.
ويؤكد الناجح لـ"العربي الجديد"، أن "تعاون جهاز الردع مع هذه الإجراءات الحكومية يعد بمثابة اختبار لجدية الخطة الحكومية، فجهاز الردع يخضع له سجن معيتيقة، وهو ثاني أكبر سجون العاصمة، كما أن الجهاز نفسه يواجه اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات".
وفي حين يثني الناجح على خطوة تشكيل اللجنة، يؤكد أنها تحتاج إلى دعم فعلي وليس شكلياً، موضحاً أن "أي خطوة للحد من حجم الانتهاكات التي يواجهها المدنيون في السجون مهمة، لكن بمرور الوقت تبرز مخاوف من أن تكون الإجراءات والقرارات مجرد خطوات للحصول على مكاسب سياسية أو تلميع صورة السلطات لدى الرأي العام، من دون أن يكون لها أثر ميداني".
ويلفت إلى فيديوهات نشرت عقب اقتحام مقار سجون جهاز الردع، أظهرت فتح الأبواب أمام المعتقلين للخروج من دون تمييز أو إجراءات رسمية، معبراً عن مخاوفه من توظيف السلطات الزخم الحقوقي لتعزيز شرعيتها، ومؤكداً أن "الجدية في إجراءات الحكومة سيظهر في إصلاح أوضاع السجون، كما أن الجدية التي أظهرتها النيابة العامة خلال السنوات الأخيرة جعلتها محل ثقة الليبيين".
ويثير الناجح أسئلة حول أوضاع السجون خارج طرابلس، خاصة في المناطق الخاضعة لسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي يؤكد أنها لا تزال تشهد انتهاكات مروعة، مشيراً إلى الفيديو المسرب الخاص بتعذيب النائب إبراهيم الدرسي، والذي لم تُفتح أي تحقيقات جادة فيه، كما أن مصيره لا يزال مجهولاً حتى الآن.
ولا يزال قائد قوة الشرطة القضائية التابعة لجهاز الردع، أسامة نجيم، مطلوباً لمحكمة الجنايات الدولية بتهم تعذيب في سجن الجديدة الذي يشرف عليه، وسط جدل متواصل منذ صدور مذكرة قبض بحقه أثناء وجوده في روما، خلال يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أن تسمح له السلطات الإيطالية بمغادرة أراضيها إلى طرابلس.
ويؤكد المحامي إبراهيم الناجح أن "موقف جهاز الردع من أسامة نجيم يثير شكوكاً واسعة، إذ يرفض تسليمه إلى القضاء، أو عزله من منصبه، ما يضع الإجراءات الرسمية أمام اختبار حقيقي".
وتأتي هذه الإجراءات بعد أسابيع من الكشف عن جرائم مروعة ارتكبها "جهاز دعم الاستقرار"، والذي أطاحته الحكومة في منتصف مايو/أيار الماضي، في عملية أمنية خاطفة، وكشف ناجون من سجونه السرية عن صور من التعذيب المروع، بينما أعلنت وزارة الداخلية العثور على عشرات الجثث في مقابر سرية إلى جانب مقار السجون، إضافة إلى 67 جثة متحللة في مستشفى حكومي خاضع لنفوذ الجهاز.
وكان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد عبر عن "صدمته" من حجم الانتهاكات التي ارتكبتها "مليشيا دعم الاستقرار"، ودعا في تصريح صحافي سلطات طرابلس إلى "إغلاق مواقعها فوراً، ومحاسبة المسؤولين"، مشيراً إلى أن سلطات التحقيق الليبية "لم تُمنح بعد حق الوصول الكامل لاستخراج الرفات"، وأن هذه الاكتشافات تؤكد تقارير أممية سابقة عن "اختفاء قسري وقتل خارج نطاق القضاء" في سجون طرابلس.
