
يشهد الشارع الأردني جدلاً واسعاً حول تعويض الأفراد وأصحاب الممتلكات، التي تتعرض للأضرار بسبب سقوط صواريخ ومسيّرات ومضادات بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وايران ودخلت أسبوعها الثاني، وذلك بعد وقوع حوادث عدّة في مناطق مختلفة في الأردن نتيجة لذلك، وأصيب عدد من المواطنين وتحطمت مركبات وبعض المنازل. وفيما أبدى الاتحاد الأردني لشركات التأمين (قطاع خاص) عدم مسؤولية شركات التأمين عن تعويض المتضرّرين من الأفراد وأصحاب الممتلكات، فقد أكّد مختصون في الشأن القانوني أن القضاء هو من يحدّد الجهة الملزمة بالتعويض منتقداً تنصّل اتحاد التأمين مبكراً من تعويض المتضرّرين.
"اتحاد التأمين" وحسب ما صدر عن رئيسه، أكد أن تلك الحوادث لا تقع ضمن التغطيات التأمينية المشمولة بعقود التأمين؛ لأنها مصنفة أنّها كوراث مثل الزلازل والفيضانات وغيرها، وقال رئيس الاتحاد مؤيد كلوب، إن التأمين الإلزامي لا يغطي الحوادث الناجمة عن الحروب والأخطار السياسية. وأشار كلوب إلى أنّ التأمين على المركبات على سبيل المثال يتكون من شقَّين: تأمين إلزامي وآخر شامل، فالتأمين الإلزامي يغطي المسؤولية المدنية للمركبة المتسبّبة في الحادث، أي الأضرار التي تلحق بالغير والممتلكات.
وأوضح أن "الحوادث الناتجة عن الحرب والأخطار السياسية لا تغطى تأمينياً لأنها ناتجة عن عوامل سياسية، وبالتالي فهي مستثناة من وثائق التأمين، وأن هذه المسؤولية تعتبر مسؤولية دولية تقع على من قام بهذه الأفعال، وأن شركات التأمين الأردنية غير معنية بها". وأضاف أن "التأمين الشامل معتد به عالمياً ويستثني تغطية الأخطار السياسية مثل الإرهاب والحرب، إلّا إذا طلب المؤمن تغطيتها بموجب ملحق خاص يضاف إلى وثيقة التأمين".
لكن المحامي عبد الكريم الشريدة خالف "اتحاد التأمين" الرأي بقوله إنّ "تقدير مسؤولية شركات التأمين عائدة للقضاء وحده، وليس من حقّ شركات التأمين إبراء مسؤوليتها دون قرار قضائي". وقال الشريدة إن المسؤولية التعاقدية في ظلّ وجود حروب أو كوارث تخضع إلى أحكام القانون المدني بموجب المادة (148) من القانون المدني الأردني إلى ما يسمى "نظرية الظروف الطارئة"، التي تجيز للقاضي تعديل أو فسخ العقد عندما تطرأ ظروف استثنائية لم تكن متوقعة وقت التعاقد ومرهقة لأحد أطراف العقد، وبالتالي فإن نظرية الظروف الطارئة تهدف إلى تحقيق التوازن التعاقدي ورفع الظلم الذي يلحق بأحد الأطراف.
وأشار إلى وجود صندوق لدى وزارة الصناعة والتجارة والتموين يسمّى "صندوق تعويض المتضرّرين من حوادث السير في الحالات التي لا يغطّيها التأمين الإلزامي"، والواجب هنا على الدولة أن تعمد إلى تعديل نظام هذا الصندوق ودعمه مالياً لمراعاة أحوال وظروف أبناء الوطن اقتصادياً إن احتاج الأمر مستقبلاً .
وأضاف أن الأردن ليس في حالة حرب، والمادة (33/ أ) من الدستور تنصّ على أن "الملك هو الذي يُعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعادات والاتفاقيات"، وبالتالي فإن الملك لم يعلن ذلك. واستناداً إلى ذلك فإنه وفي الظروف القائمة في الأردن، حسب المحامي الشريدة، فإن مسؤولية شركات التأمين ولغاية هذه اللحظة قائمة، والعقد صحيح لأن الظروف الحالية وما يلحق من أضرار في المركبات لا يشكّل إرهاقاً أو خسائر لشركات التأمين. واعتبر أن إعلان رئيس اتحاد شركات التأمين بشأن إبراء مسؤولية الشركات من تأمين المركبات المتضرّرة جرّاء الظروف الحالية يخلق نوعاً من البلبلة والقلق لدى المواطنين.
بدوره، قال الخبير في مجال التأمينات الاجتماعية، موسى الصبيحي، إنه قد ينتج عن الحروب والكوارث إصابات ووفيات بشرية كثيرة، وربما تصيب مشمولين بمظلة الضمان الاجتماعي، وتساءل: "هل يغطّي قانون الضمان هذه الإصابات والوفيات لمشتركيه المؤمّن عليهم، وما حدود دوره ومسؤوليته في هذه الحالات؟". وقال الصبيحي: "معروف أن الحروب والكوارث ليست من المخاطر التي نصّت تشريعات الضمان والتأمينات الاجتماعية على مواجهتها مباشرةً والتعامل مع نتائجها وتبعاتها المباشرة على الإنسان"، وأضاف أنه في هذه الحالات يأتي هنا دور الحكومات في التعامل مع تداعيات الحروب وما ينجم عنها من خسائر بشرية ومادية، أمّا الضمان فلا يستطيع مهما بلغت ملاءته المالية مواجهة تعويضات الخسائر الناتجة عن الحروب والكوارث التي تحلّ بالدولة، لأنها ستكون فوق طاقته وقد تؤدي إلى نفاد صناديقه التأمينية.
أما الحالات الناتجة عن تداعيات حروب إقليمية أو قريبة وذات آثار أو ارتدادات محدودة على الدولة ومواطنيها، كما هو الحال في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، فإن مسؤولية الضمان تبقى قائمة في التعامل مع الحوادث التي تؤدي إلى إصابة مشتركيه (المؤمّن عليهم) على محورين؛ الأول: التعامل مع المؤمّن عليهم الذين يتعرضون لإصابات عمل ناتجة عن آثار العمليات الحربية بين الطرفين، أي الذين يُصابون وهم في مواقع عملهم أو في الطريق منها وإليها، إذ يجري التعامل مع هذه الإصابات بوصفها إصابات عمل، وتتمثل حقوقهم بالعلاج والبدلات اليومية والتعويضات ورواتب الاعتلال الإصابي والوفاة الإصابية، وفق الصبيحي.
وأشار إلى أن المحور الثاني، يتمثل في التعامل مع حالات وفاة مؤمّن عليهم خارج نطاق عملهم كوفاة طبيعية، حتى وإن كان سبب الوفاة التعرض لإصابة من شظايا مقذوفات أو غيرها، وذلك وفقاً للشروط المحدّدة في قانون الضمان لاستحقاق التعويض أو راتب تقاعد الوفاة الطبيعية حسب مقتضى الحال. وفي السياق، قال مسوؤل حكومي، رفض كشف هويته، لـ"العربي الجديد" إن صندوق تعويض المركبات التابع لإدارة التأمين التي أصبحت من مسؤوليات البنك المركزي الأردني يغطي حالات محدّدة، وأضاف أن الوضع السليم للتعامل مع هذه الحواث التي قد تتكرر في ضوء استمرار الهجمات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وايران هو الرأي القضائي في حال الرجوع إلى الجهات القضائية المختصة، إذ إنّ هنالك بعض الأحكام في قانون التأمين والعقود التأمينية وأحكام أخرى في القانون المدني بهذا الشأن.
