
أدخلت القوات المسلّحة الإيرانية، خلال الأيام الأخيرة، سلاح المسيرات (الطائرات بدون طيار) في صلب هجماتها، على نحوٍ أكثر كثافة من الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، إذ اعترفت إسرائيل للمرة الأولى، اليوم السبت، بتمكن المسيّرات الإيرانية من تجاوز منظومة الاعتراض والنفاذ إلى العمق الإسرائيلي ووصولها إلى أهدافها، وذلك بعد سقوط مسيّرتَين إيرانيّتَين اليوم، الأولى في مدينة بيسان شمال شرقي فلسطين المحتلة والثانية في "منطقة مفتوحة" في يوتفاتا بالقرب من مدينة إيلات جنوباً، وتحديداً على شارع 90 الرابط بين أقصى شمال فلسطين وأقصى جنوبها، ولم تسفر عن وقوع إصابات.
ولوحظ في البيانات العسكرية الإيرانية بالأيام الأخيرة أنها تطلق على هجماتها ضدّ إسرائيل صفة الـ"مُركَّبة" بمعنى أنها تستخدم الصواريخ والمُسيّرات في الهجمات، لكن اللافت أن هذه الهجمات المركّبة غالباً ما تُنفذ مساءاً مع غروب الشمس، غير أن هذه القوات أصبحت تنفذ هجمات نهارية اعتماداً على المسيّرات دون الصواريخ وهو ما حصل اليوم السبت، من خلال إطلاق عدد من المسيّرات تجاه أهداف إسرائيلية. وفي خضمّ الحرب الجارية، كشفت القوات الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني عن أحدث مسيّراتها وتعرف باسم "شاهد 107".
Impact of Shaheed 136 drone🚀🎯 pic.twitter.com/jlsQpfsXOk
— Iran Armed Forces (@IRanArmed) June 21, 2025
كيف بدأت الصناعة؟
أدخلت إيران تطويرات كبيرة على مسيّراتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة رغم العقوبات، إذ باتت الولايات المتحدة تنظر إلى المسيّرات الإيرانية على أنها سلاح استراتيجي في المعادلات الإقليمية، واستثمرت إيران كثيراً في المسيّرات باعتبارها "إحدى أهم أدوات الحروب المستقبلية، ولذلك تكتسب مكانة مهمة في العقيدة الدفاعية الإيرانية"، وفق الخبير العسكري الإيراني، مهدي بختياري، الذي اعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أن المسيّرات الحربية، إلى جانب سلاح الصواريخ، يشكلان "جناحَي العقيدة الدفاعية الإيرانية".
وتعود بدايات صناعة المسيّرات العسكرية في إيران إلى أواسط حربها مع العراق، في ثمانينيّات القرن الماضي، إذ يقول الخبير العسكري الإيراني حسين دليريان لـ"العربي الجديد" إنّ "السلطات الإيرانية آنذاك قرّرت صناعة طائرات من دون طيار، لاستخدامها في عمليات الاستطلاع والرصد"، وكانت أول طائرة مسيّرة صنعتها إيران، خلال الحرب مع العراق، تسمى "تلاش" (الجهد)، حسب دليريان، الذي يشير إلى أن مداها وقدرتها التحليقية "كانت ضعيفة للغاية"، لكنّها "نجحت" في القيام بمهمات التصوير في الأجواء العراقية لرصد القوات.
Our Arsenal.
— Iran । Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC) (@IRGC_Updates) June 21, 2025
The Gaza 149 drone — not just a weapon, but a witness to Muslim engineering power.
2,000 km range. 35 hours in air.
we are watching you 👀. pic.twitter.com/PNLvOd424J
وصُنعت "تلاش" في جامعة أصفهان، ثم بعد نجاح أول اختبار لها تحت إشراف مقر "خاتم الأنبياء" التابع للحرس الثوري الإيراني، تشكلت كتيبة "الرعد" الاستطلاعية بأمر من قائد الحرس آنذاك، لتوفير الصور الجوية لاستخدامها في الحرب، وفق تقرير لوكالة "تسنيم" الإيرانية. ثم صنعت كتيبة "الرعد" مسيّرات أكثر تطوراً من النسخة الأولى، كـ"تلاش 1" و"تلاش 2" و"تلاش 3" ومسيّرات أخرى تحت مسمّى "مهاجر". ولعبت هذه المسيّرات دوراً مهماً في تزويد القوات الإيرانية بالصور والمعلومات الجوية عن مواقع القوات العراقية في الحرب، ولاحقاً قام الحرس الثوري بتطوير كتيبة "الرعد" إلى وحدة خاصّة للمسيّرات، فيما واصلت وزارة الدفاع الإيرانية أيضاً صناعة المسيّرات العسكرية.
وبعد الحرب الإيرانية العراقية، دفع تهالك الأسطول الجوي الحربي الإيراني، وعدم إمكانية تحديثه في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية المستمرة، القوات المسلّحة الإيرانية إلى تدارك الفراغ الناتج عن غياب المعدات الجوية العصرية، من خلال تطوير صناعة المسيّرات، خاصة خلال العقد الأخير، بالتوازي مع الاهتمام العالمي المتزايد بالمسيّرات في الحروب والعمليات العسكرية خارج الحدود الجغرافية.
أنواع المُسيّرات
تمتلك اليوم كل مكونات القوات المسلّحة الإيرانية، الجيش و"الحرس الثوري"، سلاح المسيّرات فضلاً عن أن للقوات البرية والجوية والبحرية، التابعة للجيش والحرس، وحدات خاصة للمسيّرات. وتُنتج إيران في الوقت الحالي مسيّرات عسكرية متنوعة، كما يقول الخبير العسكري حسين دليريان، مشيراً إلى أنها تتوزع على ثلاثة أصناف، الأول: المسيّرات الانتحارية المفخخة، الثاني: مسيرات الاستطلاع والرصد، والثالث: المسيّرات القتالية الاستطلاعية.
ويضيف دليريان لـ"العربي الجديد" أن أشهر المسيّرات الإيرانية محلية الصنع تشمل "شاهد 129" و"شاهد المجنحة" و"المهاجر"، لافتاً إلى أن هذه المسيّرات تنفذ طيفاً متنوعاً من المهمات العسكرية،
ويمتلك الحرس الثوري أنواعاً مختلفة من المسيّرات، اعتاد على استعراضها في كل مناوراته العسكرية خلال العقد الأخير، خاصة مناورات "الرسول الأعظم"، أهمها مسيّرات استطلاعية "شاهد 123" و"مهاجر 4" و"مهاجر 6"، ومسيّرات هجومية مثل "شاهد 129 و"شاهد 191" و"شاهد 136". وخلال السنوات الماضية، كانت الدول الغربية تتهم طهران بتزويد إيران للجيش الروسي بمسيّرتَي "مهاجر 6" و"شاهد 136"، وفرضت أميركا وأوروبا عقوبات على طهران بهذه الحجة.
والاثنين الماضي، بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، أزاح الحرس الثوري الإيراني الستار عن مسيرة "شاهد 107" الحديثة، معلناً أنها تتمتع بقدرات متقدمة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، مما يجعلها سلاحاً فاعلاً في الهجمات المنسّقة وذات الكثافة العددية، ما قد يُحدث تأثيراً كبيراً في قدرات الردع والدفاع الجوي الإسرائيلية، وفق وكالة "تسنيم" الإيرانية المقرّبة من الحرس، وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن مدى مسيرة "شاهد 107" الانتحارية يصل إلى 1500 كيلومتر.
🇮🇷🇮🇱 Turns out that Iran deploys a heavier-payload (trading range for payload) version of the Shahed-136 strike drone designated the Shahed-136C (at least by the IDF). Note also the use of the Shahed-107, which is a much smaller/lighter, albeit long-range, strike drone design. pic.twitter.com/uwkcNBoHSn
— Shahryar Pasandideh (@shahpas) June 13, 2025
أمّا المسيّرة الإيرانية التي أصبحت الأكثر شهرة خلال السنوات الأخيرة فهي مسيرة "شاهد 136" أو "جيران 2" حسب التسمية الروسية، التي استخدمها "الحرس الثوري" في مناورات "الرسول الأعظم 17" في وقت سابق من العام الجاري. وتزن هذه المسيرة نحو 200 كيلوغرام، لكن تقارير مختلفة أظهرت أنها تستطيع حمل بين 25 إلى 30 كيلوغراماً من المتفجرات في رأسها، وتحلق على ارتفاع منخفض، كما أنها تتخفى عن الرادار، وليس سهلاً على أجهزة الرادار كشفها بسبب صغر حجمها. وتشكل هذه المسيّرات تهديداً كبيراً عندما تُطلق على شكل أسراب فتسبب حينها دماراً كبيراً، وفق وسائل إعلام إيرانية. وحسب تقارير إعلامية إيرانية، فإن القوات المسلّحة الإيرانية حتى الآن استخدمت ثلاثة أصناف من المسيّرات في هجماتها على الأهداف الإسرائيلية، هي مسيرات آرش (1 و2) وشاهد 107 وشاهد 136.
وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، في 2023، تدشين مسيّرة مهاجر 10، وقالت إنها قادرة على التحليق لمدة 24 ساعة على ارتفاع يصل إلى 7 آلاف متر بسرعة 210 كيلومترات، وتنفيذ العمليات في مدى يصل إلى ألفي كيلومتر وتعد هذه المسيرة هي النسخة المتطوّرة من مسيرة "مهاجر 6" وهي قادرة على حمل القنابل ومجهزة بمعدات الحرب الإلكترونية ورصد المعلومات.
مُسيّرات الجيش
أنتج الجيش الإيراني أيضاً مسيّرات متعدّدة، يصنف بعضها على أنها من المسيّرات الأكثر تطوراً في إيران، بحسب إعلاناتها العسكرية، منها مسيرة "أبابيل" التي يعد جيلها الثالث قتالياً وعملياتياً، وأنتجتها شركة صناعات الطيران الإيرانية. وهذه المسيّرة قادرة على التحليق لـ8 ساعات بسرعة 200 كيلومتر في الساعة، ويصل مداها إلى مئة كيلومتر، مع قدرتها على التصوير ليلاً ونهاراً. ومن أهم مسيرات الجيش الإيراني "كمان 12" (سهم 12)، التي أعلنت هذه المؤسّسة أنها قادرة على تنفيذ العمليات على ارتفاع ألف كيلومتر، مع قدرتها على حمل مئة كيلوغرام من الأسلحة، وتبلغ سرعتها 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها التحليق في السماء لعشر ساعات.
وبالإضافة إلى المسيّرات السابقة، تعتبر مسيّرة "فطرس" من المسيّرات العملاقة للجيش الإيراني، التي تشبه مسيّرة "هارون 1" الإسرائيلية، ويصل مداها إلى ألفي كيلومتر، ويمكنها التحليق المستمر في السماء لـ30 ساعة، وتستطيع حمل قنابل مضادة للدروع وصواريخ "قائم" و"حيدر 1" (كروز) الإيرانية. من أهم مسيرات الجيش الإيراني، التي استخدمها خلال العدوان الإسرائيلي الجاري، في الهجمات على إسرائيل، هي مسيّرتا "أرش1" و"أرش 2"، وسبق أن قال قائد السلاح البري للجيش الإيراني، الجنرال كيومرث حيدري إن الجيش صنع هذه المسيّرة خصيصاً لضرب مدينتَي تل أبيب وحيفا في حال اندلاع حرب مع إسرائيل.
مسيّرة "أرش 1" التي أُزيح عنها الستار خلال يناير/كانون الثاني 2019 تعد النسخة الأكثر تطوراً لمسيّرات "كيان-2"، متمتعة بمحرك فعّال وجناح دلتا ما يتيح لها سرعة كبيرة ومدى طويلاً للوصول إلى الأهداف. وكشف الجيش الإيراني عن المسيّرة "آرش 2" عام 2020، وهي مسيّرة بعيدة المدى لضرب الأهداف الاستراتيجية للعدو ودفاعاته الجوية. ويصل مدى مسيّرات أرش إلى ألفي كيلومتر، ويبلغ طولها نحو 4.5 أمتار.
قواعد سرية للمُسيّرات
بموازاة الإعلان الإيراني المستمر عن تطوير صناعة المسيّرات الحربية والكشف عن نسخ أحدث منها، كشفت القوات المسلّحة الإيرانية، خلال 2022، لأول مرة عن بناء قواعد سرية تحت الأرض للمسيّرات، فضلاً عن إنشاء وحدة بحرية لسلاح المسيّرات. وفي مارس/ آذار من عام 2022، أزاحت القوات الجو فضائية للحرس الثوري الإيراني، بحضور القائد العام للحرس الجنرال حسين سلامي، وقائد السلاح الجوي للحرس أمير علي حاجي زادة، الستار عن قاعدة سرية تحت الأرض للمسيّرات، وعرضت صوراً عنها في التلفزيون المحلي.
وحسب ما أعلن، فإن القاعدة تحتوي على مسيّرات يصل مداها إلى ألفي كيلومتر، ومنصات إطلاق صواريخ مزدوجة، ومنصات إطلاق مسيّرات متعدّدة معاً، وأنواع جديدة من المسيّرات. وفي مايو/ أيار 2022، دشّن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، القاعدة السرية "313" تحت الأرض، كأول قاعدة للطائرات المسيّرة للجيش الإيراني. وفي تقرير مصور لمراسل التلفزيون الإيراني، الذي قادته مروحية للجيش إلى القاعدة وهو معصوب العينين، ظهرت أنواع المسيّرات الإيرانية، الهجومية والانتحارية، من مختلف الطرازات في هذه القاعدة التي قيل إنها تقع في محافظة كرمانشاه غربي إيران، التي تحتضن العديد من القواعد الصاروخية أيضاً. كذلك، خلال زيارته للقاعدة "313"، أزاح الجنرال باقري الستار عن صاروخ "كروز" بمدى مئتي كيلومتر، وهو أول صاروخ محلي يحظى بقابلية إطلاقه من المسيّرات.
أول فرقة بحرية للمُسيّرات
وكشف الجيش الإيراني، في 15 يوليو/ تموز من عام 2022، للمرة الأولى عن أول فرقة بحرية حاملة لأنواع عدّة من المسيّرات العسكرية والحربية في المياه الجنوبية الإيرانية، وذلك في حفل عسكري ضخم بمشاركة قادة الجيش. وجاءت الخطوة في ظل تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وسط حديث أميركي عن تشكيل تحالف إقليمي في مواجهة طهران، وأثناء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة.
والفرقة البحرية، حسب التلفزيون الإيراني، تتكون من وحدات السطح وتحت السطح، مع القدرة على حمل أنواع المسيّرات القتالية والاستطلاعية والتدميرية والهجومية. وخلال الحفل العسكري، استَعرضت مسيّرات "بليكان" و"هما" و"آرش" و"جمروش" و"جوبين" و"أبابيل" قدراتها فوق المحيط الهندي، كما أقلع عدد من المسيّرات من غواصتَي "فاتح" و"طارق" الإيرانيتَين.
Good photos Iranian kamikaze drones Shahed-107, Shahed-136 and its turbojet variant in one of the IRGC-ASF underground bases. pic.twitter.com/b4zQJ4uTPp
— Yuri Lyamin (@imp_navigator) June 16, 2025
