
تشهد الهند في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية متشابكة، في ظل ارتفاع أسعار النفط عالميًا وتأزم العلاقات مع جارتها باكستان. وفي ظل بيئة دولية تتسم بالتحولات السريعة والتحديات المتعددة، تواصل الهند تعزيز حضورها الإقليمي والدولي من خلال مواقف حاسمة وسياسات تستند إلى معادلة دقيقة بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية. وبينما تسعى للحفاظ على استقرارها الداخلي ومكانتها بوصفها قوة ناشئة، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع ملفات حساسة تفرضها الظروف الجيوسياسية والضغوط الخارجية.
في السياق، قال كبير المستشارين الاقتصاديين في الحكومة الهندية إن ارتفاع أسعار النفط من المرجح أن يكون له تأثير محدود على التضخم في الوقت الحالي، وإن ثالث أكبر اقتصاد في آسيا لا يزال في موقع مناسب نسبيًا لمواجهة المخاطر العالمية. وأوضح المستشار الاقتصادي أنانثا ناغيسواران في مقابلة، يوم الجمعة، أن أسعار النفط المرتفعة نتيجة الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط تُعد مصدر قلق، "لكنها ليست أمرًا سيؤثر بشكل كبير في الوقت الراهن". وأضاف أن تراجع التضخم، وتوافر السيولة، وانخفاض أسعار الفائدة، توفر الظروف المناسبة لاقتصاد الهند رغم حالة عدم اليقين العالمية، بحسب ما نقلته وكالة "بلومبيرغ".
وكانت أسعار خام برنت قد ارتفعت بنسبة 20% خلال الشهر الماضي نتيجة تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران. ويمكن لارتفاع أسعار النفط أن يشكل ضغطًا على الدولة الواقعة في جنوب آسيا، والتي تُعد ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. كما قد يتسبب ذلك في زيادة التضخم وتقليص دخل الأسر في بلد يشكل فيه الاستهلاك الخاص نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال ناغيسواران: "من المبكر جدًا الشعور بالقلق في الوقت الراهن"، مشيرًا إلى أن الهند قادرة على امتصاص أثر ارتفاع أسعار النفط الخام إذا كان قصير الأجل. وأضاف: "أعتقد أنه يجب أن يستمر هذا الوضع أكثر من ربع سنة، وربما يمتد إلى ربعين، قبل أن يُصبح مدعاة للقلق الفعلي".
وتتوقع الحكومة أن ينمو الاقتصاد بمعدل يتراوح بين 6.3% و6.8% خلال السنة المالية التي تنتهي في مارس. ورغم أن هذا المعدل أقل من متوسط الـ8% المُسجل في السنوات القليلة الماضية، فإن الهند ما زالت تحتفظ بلقب أسرع الاقتصادات الكبرى نموًا في العالم. وأشار ناغيسواران إلى أن موسم الأمطار الجيد، الذي يروي أكثر من نصف الأراضي الزراعية في البلاد، سيكون أيضًا مؤشرًا إيجابيًا للاقتصاد. وقال: "الضغوط السعرية الأساسية غائبة إلى حد كبير، وهطول الأمطار بكثافة سيدعم أيضًا الاقتصاد الهندي".
في المقابل، رفض وزير الداخلية الهندي أميت شاه إعادة العمل باتفاق تقاسم المياه مع باكستان، بحسب ما أفادت صحيفة " تايمز أوف إنديا"، إشارة إلى أن أي تقارب بين الجارتين لا يزال مستبعدًا، رغم توصلهما إلى هدنة عسكرية. ونقلت الصحيفة عن شاه قوله في مقابلة نُشرت، اليوم السبت: "لا، لن يُعاد العمل به أبدًا. لا يمكن إلغاء المعاهدات الدولية من جانب واحد، لكن لدينا الحق في تعليقها، وهو ما قمنا به". وأوضح شاه أن الهند ستحوّل المياه التي كانت تتدفق إلى باكستان نحو ولاية راجستان عبر بناء قناة مائية، مضيفًا: "باكستان ستحرم من المياه التي كانت تحصل عليها دون وجه حق".
وكانت الحكومة الهندية قد أوقفت العمل بمعاهدة "نهر السند" الممتدة منذ أكثر من ستة عقود، ردًا على هجوم إرهابي استهدف سياحًا في منطقة كشمير المتنازع عليها في 22 إبريل. وبينما انتهى الصراع العسكري الذي تلا الهجوم بوقف لإطلاق النار، فإن رفض نيودلهي استعادة الاتفاق يُعد مفاجئًا، خاصة أن المعاهدة صمدت خلال نزاعات عديدة سابقة، وفق "بلومبيرغ".
وكانت إسلام آباد قد اتهمت نيودلهي سابقًا باستخدام السدود لتعطيل تدفق نظام نهر السند. وقال وزير البيئة والتنسيق المناخي الباكستاني، مصدق مالك، في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" في وقت سابق هذا الشهر، إن "الهند تحتجز المياه ثم تطلقها، وتحتجزها مجددًا ثم تغرقنا"، في إشارة إلى سياسة إدارة المياه التي تُلحق أضرارًا بباكستان.
