اختبار الاتحاد الأوروبي: تداعيات اقتصادية مباشرة للحرب على القارة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

تتسارع وتيرة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران في واحدة من أكثر المواجهات حساسية في الشرق الأوسط، ما يثير مخاوف متزايدة في أوروبا من انعكاسات أمنية واقتصادية عميقة. فمع دخول الصراع مرحلة أكثر علنية وشراسة، بدأت تداعياته تتخطى حدود الإقليم، ملامسة المصالح الحيوية للدول الأوروبية.

في هذا السياق، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام اختبار جديد لقدرته على التعامل مع الأزمات الخارجية، خاصة في ظل تعقيدات المشهد العالمي الناتج عن الحرب في أوكرانيا، وغياب رؤية موحدة للسياسة الخارجية.

وبينما ترتفع أسعار النفط والغاز وتتزايد مخاطر إغلاق الممرات الحيوية للتجارة، تبدو أوروبا معرضة أكثر من أي وقت مضى لارتدادات صراع بعيد جغرافيًا، لكنه شديد القرب من حيث التأثير الاستراتيجي. وذكر موقع "ماني" الاقتصادي الإيطالي أن التأثير لا يقتصر على الطاقة والتجارة فقط، بل تمتد الأزمة الإيرانية-الإسرائيلية لتفاقم الضغط على طرق التجارة العالمية، لا سيما البحر الأحمر، الذي تحوّل في عام 2024 إلى بؤرة توتر بفعل هجمات الحوثيين على سفن شحن.

وبالنسبة لإيطاليا، يشكل كل تصعيد جديد تهديدًا إضافيًا لحركة السفن، مع ما يترتب عليه من تأخير في التسليم وارتفاع في كلفة النقل.

ولفت إلى أن الصادرات تشهد خطرًا متزايدًا من جراء تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، حيث تنخرط الحرب القائمة في منطقتين استراتيجيتين مثلاً بالنسبة لإيطاليا: إسرائيل، التي تصدر إليها إيطاليا ما يفوق 3.3 مليارات يورو سنويًا، وخاصة في قطاعات الميكانيك والأثاث والأدوية والسيارات؛ والمنطقة الشرق أوسطية ككل، والتي تمثل سوقًا يناهز حجمه 25 مليار يورو، أي نحو 4.1% من إجمالي الصادرات الإيطالية.

وأضاف الموقع أن تصاعد الصراع يُنذر بانقلاب هذا التوجه، إذ قد تواجه الشركات الإيطالية تباطؤًا في الطلب، وعقبات لوجستية، وارتفاعًا في كلفة التأمين على التجارة. كما قد تتأثر واردات المواد الخام والمكونات من إسرائيل، ما يهدد بتعطيل سلاسل الإنتاج في قطاعات عديدة.

تأثيرات على الاتحاد الأوروبي

وقال المحلل الإيطالي في مرصد البحر المتوسط التابع لمعهد الدراسات السياسية بيوس الخامس، الدكتور جوزيبى دينتيتشه، إنه "على الرغم من صعوبة إصدار تكهنات وتقييمات موضوعية عندما نكون في قلب أحداث جارية، فإنه إذا أخذنا في الاعتبار بعض العناصر الموجودة على الأرض، فسوف نتمكن من البدء بصياغة بعض التأملات انطلاقاً من حادثة تاريخية مماثلة مهمة، ألا وهي الصدمة النفطية التي أعقبت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973".

وأوضح دينتيتشه، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "السياق الحالي مختلف بطبيعة الحال، إلا أن قطع إمدادات النفط والغاز الطبيعي الذي فرضته الدول العربية على الغرب أسفر عن أزمة اقتصادية عالمية استمرت لعامين، وأجبرت اقتصادات عدة على التعامل مع ارتفاع ملحوظ في أسعار الطاقة، مع زيادات بشكل عام في أسعار السلع المستخدمة على نطاق واسع وضغط تضخمي قوي".

وتابع أن "السيناريو الحالي يتسم بالتغير، كما أسلفنا، ولكن يبقى من المؤكد أنه إذا نجحت إيران بالفعل في وقف حركة السفن والتجارة في مضيق هرمز، الممر الحيوي الذي تمر عبره قرابة ثلث التجارة العالمية للنفط والغاز، فقد نشهد تداعيات مماثلة لما حدث في عام 1973".

ورأى أن "إغلاق هذا المضيق سوف يلحق ضرراً مباشراً ليس فقط بالأسواق الأوروبية، وإنما أيضاً بالأسواق الآسيوية وعلى وجه الخصوص: الصين والهند وجنوب شرق آسيا. ومن شأن وضع مماثل إثارة تأثير الدومينو حيال أسواق المال، وزيادة التوترات العالمية وتحفيز السباق العالمي نحو أصول الملاذ الآمن والتسبب في موجة جديدة من ارتفاع أسعار الطاقة"، مشيراً إلى أن "سعر البنزين في إيطاليا ارتفع بعد مرور 24 ساعة فقط من الهجوم الإسرائيلي الأول على إيران. والحقيقة أن ارتفاع تكلفة الطاقة له تأثير مباشر على أسعار الاستهلاك، حيث يغزي ضغوطاً تضخمية ربما تتسبب في تأخير تباطؤ السياسة النقدية من المركزي الأوروبي. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة نقل السلع، دخولاً وخروجاً، ما يلحق ضرراً بالمسارات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وآسيا".

وأوضح أن "إيطاليا، على وجه الخصوص، سوف تتأثر بشكل ملحوظ: 90% من الصادرات الوطنية تُنقَل عبر البحر، وأغلبها يمر تحديداً على طول محور قناة السويس- باب المندب- مضيق هرمز- المحيط الهندي"، مضيفاً أن "انعكاسات هذا الوضع قد تتمدد إلى الدوائر الصناعية الأوروبية، التي تعتمد اليوم بقوة على مكونات ومنتجات نصف مصنعة قادمة من آسيا، في قطاعات رئيسية مثل السيارات والأدوية والإلكترونيات".

ولفت إلى أنه "علاوة على ما سبق، فإن أزمة مطولة في الشرق الأوسط من شأنها، وللمفارقة، زيادة الاعتماد الأوروبي على نفط وغاز المنطقة، وذلك على الرغم من جهود التنويع التي أُطلقت في عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. جدير بالذكر، على سبيل المثال، أن إيطاليا تعتمد بدرجة كبيرة على الغاز الطبيعي المسال القادم من قطر. وخلص المحلل الإيطالي إلى أن "الصراع بين إسرائيل وإيران تتمخض عنه عواقب اقتصادية ملموسة على الاتحاد الأوروبي وإيطاليا، في ما يتعلق على وجه الخصوص بأوضاع الطاقة الهشة وعدم الاستقرار اللوجيستي والتوترات المتنامية للتمويل الكلي".

وختم بقوله إن "هذه الأزمة، على الرغم من ذلك، قد تمثل أيضاً عاملاً لتسريع بعض العمليات الاستراتيجية القائمة بالفعل: التحول الطاقوي وتنويع الشركاء الاقتصاديين وتعزيز الدفاع الأوروبي". بدورها، ذكرت صحيفة "إل كووتيديانو ناتسيونالي" في تقرير حمل عنوان "حرب إسرائيل-إيران هي العاصفة المالية المثالية"، أن كلف الشحن ارتفعت بنسبة تتراوح بين 5% و10%، ما يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية الهشة أصلاً، مما يؤدي إلى تأخر التسليم، وزيادة أسعار السلع، وانخفاض القدرة التنافسية دوليًا.

وحسب تحليل مؤسسة "موني فارم"، فإن قطاعات الصناعة الكيميائية والنقل والتصنيع معرضة لضغط طويل الأمد على هوامش الأرباح إذا استمرت أسعار الطاقة في الارتفاع. ولفتت إلى أن ارتفاعًا دائمًا بنسبة 10%-15% في أسعار الطاقة قد يضيف ما يصل إلى نقطتين مئويتين إلى معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة.

وهذا يعني ضغوطًا مزدوجة: من جهة انخفاض هوامش الربح، ومن جهة أخرى ارتفاع تكاليف الاستهلاك، ما يضع البنوك المركزية أمام مفترق طرق: هل تحافظ على معدلات فائدة مرتفعة لكبح التضخم، مع ما يرافقه من خطر خنق النمو، أم تخفف السياسة النقدية فتغامر بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية