من يعترض على حروب نتنياهو؟
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

تتجمّع شواهد عديدة على أن الحرب على إيران لن تتوقّف إلا بإلحاق أكبر قدر من الدمار بالقدرات العسكرية والمنشآت النووية والبنى التحتية، وتهديد حياة كبار المسؤولين، من أجل زعزعة النظام وفتح الباب أمام تغييره. قد لا تكون حرباً طويلةً، لكنّها لن تكون خاطفةً أيضاً، بعدما نجح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بإلحاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب به. وكان الأخير قد أعلن في بداية هذه الحرب التي شنّتها إسرائيل معارضته لها، ودعوته إلى إنهائها، وتحدّث عن تفاهم أميركي روسي لوقف الحرب. غير أن الرجل لم يلبث أن انقلب إلى داعم متحمّس للحرب، حتى أنه اختار لنفسه في واقع سلوكه صفة ناطق باسم الجيش الإسرائيلي، حين دعا سكّان طهران إلى إخلائها، ولمّا طالب القادة الإيرانيين باستسلامٍ غير مشروط، ولمّا غرّد منتشياً بأن "سماء طهران لنا". وكان نتنياهو قد أقنع ساكن البيت الأبيض بأن المفاوضات مع طهران تحتاج "ضغطاً عسكرياً" كي تحقّق أهدافها، وهو ما تفعله القوات الإسرائيلية الغازية. فيما كشف ترامب على نحوٍ لا لبس فيه أن الإذعان الإيراني هو هدف التفاوض، وهو السيناريو نفسه الذي استخدمه نتنياهو مع ترامب بخصوص حرب الإبادة في قطاع غزّة، إذ لم يجد صعوبةً في إقناع "الرجل البرتقالي" بأن الضغط العسكري المتواصل لا بدّ منه لإنجاح مفاوضات تنزع فيه حركة حماس أسلحتها، ولا يكون لها أيَّ دور في مستقبل القطاع، والضغط العسكري الذي يتحدّث عنه مجرم الحرب لا يعدو أن يكون جرائم قتل يومية، يذهب ضحيتها من يُجوَّعون.

الصراعات التي تنتهك القواعد وتسدّ الطرق أمام الحلول السياسية، وتغييب الأمم المتحدة وازدرائها، يسمان التفاعلات السياسية والصراع على النفوذ

حرب بلا حدود وبلا قواعد. وما حدث في غزّة ولبنان وسورية يتكرّر ضدّ إيران، التي كان قادتها يعتقدون أن بلدهم مرشّح لتلقّي ضربات قوية سوف يردّون عليها، وليس التعرّض إلى حربٍ شبه شاملة كما يحدث حالياً. وفي إطار ردّات الفعل الدولية، فقد لوحظ أن مجموعة السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، قد أيّدت شنّ الحرب على إيران واعتبرتها "حرب دفاع عن النفس"، خلافاً لمواقف متفرّقة كانت تدعو إلى خفض التصعيد وضبط النفس. أمّا الدعوات إلى التهدئة، فصدرت عن معظم الدول، ومنها روسيا والصين، مع إبداء الاستعداد للتوسّط.
وهكذا، أكثر فأكثر، وأوضح فأوضح، باتت الصراعات التي تنتهك القواعد وتسدّ الطرق أمام الحلول السياسية والدبلوماسية، وتغييب الأمم المتحدة وإبداء الازدراء لها، هي ما يسمُ التفاعلات السياسية والصراع على النفوذ، وتقود تل أبيب سلسلة الحروب هذه بدعم مطلق معلن ومكتوم من واشنطن، اذ تجري تغذية الآلة الحربية الإسرائيلية بمزيد من الأسلحة والذخائر، مع التغطية السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وإذا ما بقيت معادلات توزيع القوى على حالها، فإن نتنياهو يرغب في حروب مفتوحة حتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام المقبل (2026)، موعد الانتخابات. وتتعرّض تل أبيب في الأثناء إلى أضرار وخسائر كبيرة يجري التكتّم عليها، كما هو الحال دائماً في المواجهات العسكرية، والتفاعل حتى اللحظة محدود مع هذه الحرب في الداخل، فمجتمع اليمين المتطرّف ما زال على قدر من التماسك، غير المضمون إذا طالت الحرب، بينما لا ينجح خصوم نتنياهو ومنافسوه في تشكيل كتلة اعتراض متّحدة، ولا بلورة خطاب سياسي معارض يدين استمرار الحروب ويدعو إلى وقفها، ويذهب باتجاه خيار التفاوض والسلام، عدا أصوات قوية لشخصيات سياسية.
ولا شيء يوحي حتى تاريخه بأن ثمّة اعتراضاً دوليّاً جدّياً على سلسلة الحروب المنفلتة من الضوابط والفاقدة للمسوّغات. من الصحيح أنه ليس ثمّة قبول بما يجري، وفي الوقت نفسه ليس ثمّة اعتراض فاعل، وإيران التي حظيت بمرتبة حليف استراتيجي للصين وروسيا، تبدو وحيدةً في هذه الحرب السافرة عليها، وبينما تتقدّم أميركا باعتبارها، من وجهة نظر قادتها، مسؤولةً عن العالم، وعمّا يجري فيه من صراعات وتحدّيات، فإن هذا الخطاب "العالمي"، الموجّه إلى العالم قاطبةً، ما زال غائباً من الخطابين الصيني والروسي، وأن المصالح القومية المباشرة للدولتَين الكبريَين هي التي تضبط تحرّك البلدَين، وتحدّد ردّات فعلهما، بصرف النظر عمّا يجري هنا وهناك في العالم، ولم يسمع أحد بوضوح أن مأساة غزّة كانت أحد محاور البحث الرئيسة بين بكين وموسكو من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. هناك اهتمام صيني وروسي أعلى بما تتعرّض له إيران، غير أنه لم يبدر بعد ما يفيد بضغوط روسية وصينية لوقف الحرب، رغم المصالح الهائلة التي تربط البلدَين بطهران. لطالما هدّد الرئيس فلاديمير بوتين بحرب عالمية ثالثة على قاعدة ما يجري في أوكرانيا، لكن ما يجري في أيّ مكان آخر لا يثير مخاوف روسيا من حرب واسعة متعدّدة الأطراف، ولا تتلقّى طهران دعماً عسكرياً واضحاً ذا قيمة استراتيجية من بكين، كما كان الحال مع إسلام أباد في الحرب مع نيودلهي.

مجتمع اليمين (المتطرّف) الإسرائيلي ما زال على قدر من التماسك غير المضمون إذا طالت الحرب

وما زالت واشنطن تحتفظ بزمام المبادرة في التعامل مع الأزمات والتوترات الإقليمية، وتدعم على الخصوص الحليف المسعور والمتبجّح في تل أبيب، فيما العلاقات الإسرائيلية مع موسكو وبكين على حالها، ولا تتأثر سلباً نتيجة الجموح العدواني والتوسعي لتل أبيب. ومع تبلور مراكز دولية ذات ثقل في عالمنا، إلا أن هذه المراكز لا تشكّل بعد قطباً دولياً يُناظر الولايات المتحدة، ويبدي المسؤولية الكافية تجاه أمن العالم، ما يجعل أميركا تنفرد بهذه المهمة وفق منظورها ومصالحها المتنامية مع تل أبيب.
للمرء أن يلاحظ أن الدولة العبرية، دولة الاحتلال، لم تعد تكتفي بمزايا التحالف مع واشنطن، ولا بالدعم العسكري والمالي المفتوح الذي تتلقاه منها، سواء حكمها ديمقراطيون أو جمهوريون، ولكن هذه الدولة المارقة باتت تتصرّف باعتبارها مركزاً إقليمياً ودولياً قائماً بذاته، يُسدي الخدمات لواشنطن بما يجعل من مصلحة هذه الأخيرة المواظبة على تقديم الدعم السخي، وحتى حين تقرّر تل أبيب منفردةً أن تخوض الحروب، وتشعل الصراعات، وأن تغيّر وجه الشرق الأوسط وفق ما يتبجّح به نتنياهو، فإنه ما على واشنطن سوى أن تلتحق بهذا المسار، إذ تدرك تل أبيب مصلحة أميركا أكثر ممّا يدركها القادة الأميركيون. وهذا التغيّر هو ما يستحقّ الالتفات إليه، فالدولة العبرية، وفق نتنياهو وأركان حكومته، دولة قائدة في المنطقة والإقليم، وتأثيرها يمتدّ إلى أرجاء شاسعة في العالم. وهذا هو في الوقت الحاضر مآل التعددية القطبية المرغوب فيها، وغير القائمة، والتي يحلّ بدلاً منها تعدّد في المراكز الدولية الفاعلة، تروم تل أبيب أن تكون واحداً من هذه المراكز كما هو حال بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو اليابان.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية