
ظهرت الفجوة كبيرة في القدرات العسكرية والسياسية والتقنية بين إسرائيل وإيران منذ اليوم الأول للحرب. وبينما اعتمدت تل أبيب الهجوم الجوّي الواسع لتدمير البنى العسكرية والاقتصادية، وتصفية القيادات العسكرية الإيرانية، بدت إيران من دون استراتيجية عسكرية مدروسة، مكتفيةً بإرسال الصواريخ البالستية، وعلى هذا الأساس استقرّت المواجهة، ومن المرجح عدم حصول مفاجآت تعيد التوازن بين قوى الميدان.
تخوض إيران الحرب وحدها، بلا حلفاء، وتواجه تفوّقاً إسرائيلياً جوّياً، بلا دفاعات متينة، وسط اختراق أمنى واسع، وفي كلّ يوم يمرّ، تحقق إسرائيل تقدّماً منظوراً، حتى أنها باتت تتحكّم بمجرى الحرب. وتبيّن بعد يومَين من بدء الهجوم الإسرائيلي أن إحدى نقاط ضعف إيران عسكرياً تكمن في عدم قدرتها على توسيع ميدان المواجهة، بسبب سقوط خطّها الدفاعي الأول، المتمثّل بمحور المقاومة، الذي تكوّن من حركة حماس وحزب الله والنظام السوري السابق والحشد الشعبي في العراق، ولم تبقَ منه سوى جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، وهي ذات تأثير محدود في مجرى الحدث.
وتأكَّد أن رهان طهران على إسناد سياسي قوي لم يكن في مكانه، إذ راوحت ردّات الفعل الدولية بين إدانة الحرب الإسرائيلية على إيران وبين المساند لها، أو الواقف في الوسط. ومن بين المفاجآت الكبيرة مواقف دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وإيران ومصر وإثيوبيا ودولة الإمارات وإندونيسيا)، التي جاءت على خلاف ما صدر عن "الدول السبع" (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) في ختام قمّتها، التي دعمت "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وعارضت امتلاك إيران السلاح النووي، وأعلنت وقوفها مع استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ووصفت المجموعة إيران بأنها "المصدر الرئيس لعدم الاستقرار والإرهاب في المنطقة".
لم يكن من المتوقّع أن يكون الردّ الإيراني ضعيفاً إلى هذا الحدّ، ما شجّع تل أبيب وواشنطن على التمادي أكثر، لجهة إلحاق دمار واسع بإيران، وإملاء الشروط، وفي المقدّمة رفض وقف الحرب قبل إعلان طهران الاستسلام. وما كان لهذا أن يحدث لولا فعّالية الضربة الأولى، التي تشبه إلى حدّ كبير عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان في 18 سبتمبر/ أيلول الماضي. وقد قُضي على قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني وعدد من العلماء في الساعات الأولى من الحرب، ما هزّ صورة النظام الإيراني، وأفقده عامل المبادرة، والقدرة على الردّ المتكافئ، وجعل إيران مكشوفةً عسكرياً بصورة كلّية، بلا دفاعات، مستباحةً مثلها مثل سورية ولبنان.
لم تقرأ إيران المشهد جيّداً، وخاصّة التغيّرات الكبيرة التي حصلت بعد حلول إدارة أميركية جديدة في البيت الأبيض، سبق لها أن انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018. وقد ركّزت واشنطن في المحادثات، التي جرت مع طهران على مدار شهرَين بسلطنة عمان، في أن الوضع قبل "7 أكتوبر" (2023) ليس كما بعده، وأعطتها مهلة 60 يوماً كي تستوعب ذلك، وحين انتهت، كانت ساعة الصفر الإسرائيلية.
هناك مفاجآت عديدة في هذه الحرب، لكنّ أكبرها عدم وجود خطّة إيرانية لإدارة المعركة، مع أنها كانت تبدو وشيكةً منذ عدّة أشهر، بل كانت الضربة ماثلةً للعيان منذ أن بدأت الولايات المتحدة بإجلاء رعاياها. والأمر الغريب الذي لا تفسير له هو حالة الطمأنينة الإيرانية عشيّة الحرب، إذ إن القادة العسكريين لم يتصرّفوا وفق ما تمليه حالات الطوارئ، ما جعلهم صيداً سهلاً، وكان في وسعهم دراسة الحرب الإسرائيلية على حزب الله، كي لا يكرّروا أخطاء الحزب على الأقلّ.
الأخطاء الإيرانية لا تقتصر على عدم تقدير الموقف عسكرياً بصورة جيّدة، انطلاقاً من الفجوة الكبيرة في موازين القوى، بل تذهب إلى سوء تقدير الموقف سياسياً، وهنا تكمن أسباب الخسارة الفعلية.
