
استولى مئات السوريين على أراضٍ وأملاك عامة عقب سقوط نظام الأسد، فيما يحاول آخرون الاستيلاء على أحراج وبساتين تعود لمؤسسات الدولة. وشهدت محافظة السويداء (جنوب) خلافاً تحوّل إلى عراك، فيما رُفع السلاح في مواجهة بين عشرات الفلاحين من أهالي قرية سالة، ومجموعة مسلّحة من قرية بوسان المجاورة، يوم الأحد الماضي.
وتفيد مصادر من قرية سالة بأنّ رئيس بلدية بوسان المجاورة وشقيقه حاولا الاستيلاء على الأرض المملوكة لاتحاد الفلاحين، البالغة مساحتها 110 دونمات من الأراضي المثمرة المزروعة بأشجار التفاح واللوزيات. وتشير المصادر إلى أنّ المذكورَين حضرا برفقة شبّان مسلّحين، كانا قد وعداهم بمنح كلّ منهم خمسة دونمات من مساحة الأرض بعد الاستيلاء عليها، مدّعيَين أنّها "ملك عائلي يعود لأجدادهما منذ 1950". وأنّه عند المواجهة، أطلق الشقيقان النار في اتجاه الأهالي، ما دفع هؤلاء إلى تجريدهما من سلاحَيهما وتقييدهما مؤقتاً، ثمّ أخرجوهما من الأرض المعنيّة.
ويقول رئيس اتحاد فلاحي السويداء، سامر السعدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس بلدية بوسان استغلّ منصبه، وادّعى تكليفه بحراسة المشروع بقرار من الاتحاد، في حين أنّ الوثائق تُثبت تجديد العقد مع أحد المزارعين بتوافق مع أهالي سالة".
من جهته، يقدّم رئيس بلدية بوسان، أنور الشاعر، رواية مختلفة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "كنت أحرس الأرض عندما رأيت مجموعة تحرثها من دون إذن. طلبت منها المغادرة، فتعرّض لي 30 شخصاً وخطفوا شقيقي".
لكنّ مصدراً في نقابة المهندسين الزراعيين ينفي مزاعم الشاعر، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة وثائق رسمية تعود إلى عام 2005 تُثبت أنّ عقد مزارعة قانونياً يمنح المزارع سليم يوسف مزهر حقّ استثمار الأرض حتى عام 2027، فيما تبيّن سجلات الدولة أنّ الملكية تعود إلى اتحاد الفلاحين منذ ثمانينيات القرن الماضي". ويشير المصدر إلى أنّ "نقابته واتحاد فلاحي السويداء طالبا الشاعر بوثائق تثبت ملكيته المزعومة للأرض، لكنّه لم يستطع إبراز أيّ وثيقة تبرهن ذلك".
وفي منطقة الغابات الحكومية في أراضي حرج قنوات، تمتدّ الفوضى على مساحات شاسعة، وقد استولى مسلّحون على أجزاء من الأحراج، ويقول أحد المطّلعين على الموضوع لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، إنّ الذين استولوا على الأراضي يؤجّرون مساحات منها لرعاة الماشية وتجّار الأخشاب في مقابل عمولات مالية، الأمر الذي يؤدّي إلى تدمير الجزء المتبقّي من الغطاء النباتي، ويبيّن أنّ "الحرج صار سوقاً مفتوحاً للمخالفات، وليس هناك رادع".
من جانبه، يقول الناشط الحقوقي محمد الحلبي لـ"العربي الجديد"، إنّ "غياب السجلات العقارية الموثّقة سمح بتحويل الأراضي الحكومية إلى ورقة مساومة. وثمّة فصائل تبيع الوهم بملكيات وهمية"، لافتاً إلى أنّ "النزاع في سالة نموذج مصغّر لأزمة أكبر". ويتابع أنّ "المجتمع فقد ثقته بكلّ أشكال السلطة الرسمية والبديلة".
ويتّفق عدد من الناشطين على أنّ عمليات الاستيلاء تجري بتواطؤ من قبل أطراف متعدّدة، في مقدّمتها فصائل محلية، ويرى هؤلاء أنّ "الممتلكات الحكومية صارت عملة تداول غير رسمية".
وفي هذا السياق، تستولي فصائل على مساكن ضباط النظام السابق في السويداء، وهذه الفصائل، التي نشأت أصلاً بوصفها مجموعات مقاومة محلية خلال سنوات الصراع، استغلّت فراغ السلطة لفرض نفوذها، خصوصاً على الممتلكات الحكومية والعسكرية، ووزّعت الوحدات السكنية مكافآت على مقاتليها.
ويدافع أحد عناصر الفصائل عن استيلائه على أحد المساكن، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن ذلك جرى بحجّة حماية الممتلكات من النهب، مشيراً إلى أنّه يحافظ على هذا العقار "أمانة للدولة".
ويلفت ناشطون إلى تورّط الفصائل في تأجير عدد من الوحدات السكنية لتمويل نفسها، من دون التمكّن من تقديم إثباتات على ذلك.
ويرى الناشط سامر العلي أنّ عمليات الاستيلاء هذه تعكس غياب التنسيق بين الفصائل والمرجعيات في السويداء، وبين الفصائل والحكومة الانتقالية، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الفصائل لا تدين لمرجعية واحدة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تحويل الممتلكات العامة إلى غنائم حرب".
في سياق متّصل، استولى مواطنون على ملكيات تعود إلى حزب البعث المنحلّ، من بينهم مَن حوّلها مراكز لأعمال وأنشطة متنوّعة. وبينما أطلق بعض من هؤلاء أعمالاً خاصة، اتّفق سكان القرى بغالبيّتها على تحويل تلك الملكيات إلى مراكز أنشطة خيرية وقاعات للطلاب.
