فواز طرابلسي.. الناقد مستكشفاً تخوم الحرف والفن
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

بمزيج بين عوالم الأدب والثقافة والفنّ، يقدّم المفكّر والكاتب اللبناني فواز طرابلسي (1941)، كتابه الجديد "حروف وخطوط"، الصادر عن "منشورات المتوسط" في ميلانو. تضعنا صيغة التعاطف بين الحروف والخطوط أمام سلسلة من المقالات النقدية التي تتأمّل مشهداً ثقافياً معاصراً وتخلص منه إلى قراءة كاشفة. من محمود درويش وعبد الرحمن منيف إلى إتيل عدنان، ومن أنطون تابت وإدوارد سعيد وغسان كنفاني ومحيي الدين اللباد إلى رندا مدّاح وعمر أميرالاي وآخرين. أسماء من أجيال وتيارات مختلفة ساهم كلّ منها في رسم الخريطة الواسعة التي يقرأها طرابلسي.

الثقافة بوصفها اختباراً اجتماعياً ومشاغَبة

يُعيد المؤرخ اللبناني في كتابه (252 صفحة)، تعريف الثقافة، منذ المقال الأول "ليس بالثقافة وحدها يحيا الإنسان"، لافتاً إلى مساهمة المفكّر البريطاني ريموند وليامز في هذا السياق، والذي عرّف الثقافة بأنّها "نظام دلالات يتم من خلاله تعميم نظام اجتماعي معيّن وإعادة إنتاجه واختباره واستكشافه"، وهذا بالفعل المنهج الذي تقوم عليه قراءة طرابلسي، إعادة الإنتاج والاختبار. ثم يستكمل رؤيته مع المنظّر البريطاني تيري إيغلتون الذي يرى الثقافة بوصفها "مجموعة طاقات تتولّد عن التاريخ، ولكنها تعمل داخله على نحو مشاغب وتخريبي أحياناً".

هناك لمسة تراثية في "حروف وخطوط" مع مقالات مثل "غواية النجوم"، و"هيت لك! قمصان يوسف الحسن"، و"الأدب الجنسي والصراع الطبقي"، حيث يعود الكاتب اللبناني إلى رموز عربية وإسلامية معروفة من كتب التصوف إلى "ألف ليلة وليلة"، وبعد هذه الرحلة يُدرج صاحب "صورة الفتى بالأحمر" (1997)، في كتابه الجديد "رباعية السوائل" التي تتوزّع على أربعة مقامات: "الماء" و"الدم" و"النفط" و"العسل". كذلك يقف عند أحوال المُدن، بدايةً من بيروت التي يتناولها في مقالين: "تاريخ مختصر لصورة بيروت"، و"أنطون تابت وبداية الحداثة في بيروت"، قبل أن يكتب عن "نيويورك" و"نوادر الزمان في بلاد الألمان".

كتابات محمولة على جناح الصداقة مع محمود درويش وإتيل عدنان وآخرين 

عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش يكتب طرابلسي في مقال عنوانه "ذكاء القلب": "على مدى رُبع قرن، نعمتُ بصداقة محمود درويش. من بيروت السبعينيات إلى بيروت القرن الواحد والعشرين، نما هذا التواطؤ وتطوّر عابراً البحار والبلدان". كما يستذكر صداقته بإدوارد سعيد بالقول: "بعد (خارج المكان): ترجمتُ لإدوارد سعيد كتابين صدرا بعد الوفاة: مجموعة محاضرات بعنوان (الأنسنية والنقد الديمقراطي) (2005)... و(عن الأسلوب المتأخّر: أدب وموسيقى عكس التيار) (2015)". أما التشكيلية والشاعرة الراحلة إتيل عدنان فيخصُّها بمجموعة من الرسائل وحوار أخير بعنوان "اللون هو التعبير عن إرادة القوّة في المادّة".

وجوه وأصوات في مرآة الفن والسياسة

في القسم الثاني من الكتاب "خطوط"، يتأمّل فواز طرابلسي في أحوال الفنّ، يقف أولاً عند منحوتة للألماني ألكسندر بولتسن، المنتصبة في إحدى محطات المترو في برلين، ويقرأ التعالق بين الإنسان والشجرة، بل الإنسان-الشجرة، مستعيناً بمقولة ابن عربي "واعلم أن الإنسان شجرة من الشجرات". كما يستعيد عوالم الرسام المصري الراحل محيي الدين اللباد (1940 - 2010)، من خلال كلمة ألقاها في حفل تكريمي أُقيم في بيروت عام 2010.

من الأسماء الفنية التي يلتفت إليها طرابلسي أيضاً في كتابه الفنانة السورية رندا مدّاح (1983)، وعنها يكتب: "رندا مدّاح امرأة معلّقة. مثلها مثل بلادها الجولان: منطقة سورية تحت الاحتلال الإسرائيلي. أرض محتلّة مثل أرض فلسطين دون أن تكون فلسطينية. هضبة مضمومة إلى إسرائيل، يرفض أهلها حمل الجنسية الإسرائيلية". ويختم كتابه بوقفة مع الفنّ السابع، من خلال استعادة فيلم المخرج السوري الراحل عمر أميرالاي "طوفان في بلاد البعث"، وتجربة المخرج المجري ميكلوس يانكشو (1921 - 2014).

يستكمل فواز طرابلسي في "حروف وخطوط" كتاباته السابقة، وبالأخص تلك التي اشتغلها في الفترة التي تولّى فيها رئاسة تحرير "مجلة بدايات" حتى توقّفها عن الصدور قبل عامين. كتاباتٌ تجمع وعياً كلّياً بالتاريخ والأدب والسياسة والحركات التحررية، أو كما جاء في كلمة الناشر: "نصوص تتحرّر من أسر التنظير الأكاديمي لتطرح أسئلة جارحة وممتعة وفاضحة. حيث يُفكك طرابلسي بأسلوبه الحادّ الأساطير الثقافية المعاصرة". 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية