
طاولت فاتورة الحرب ما بين إسرائيل وإيران الاقتصاد التركي، الذي يواجه تراجع السياحة وارتفاع كلفة استيراد المحروقات، أما الآثار غير المباشرة فتتركز في ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الأعباء على الصادرات وتراجع الاستثمارات، فيما تسعى السلطات إلى تعويض تراجع نسبة النمو من 4.5% عام 2023 إلى 3.2% العام الماضي، وتخفيض نسبة التضخم التي تناهز 38% والتي أضرت بجميع المؤشرات الاقتصادية.
يقول الباحث والأكاديمي التركي، إسلام أوزكان، إن ما يجري سيعيد تشكيل القوى والتحالفات، ويغيّر خريطة المنطقة بشكل عام، لذا الخسائر الآنية اليوم، من شلل قطاع الطيران وتوقف تدفق السياح أو حتى ارتفاع أسعار الطاقة، هي نتائج مباشرة ستطاول الجميع، والأهم جيران إيران كتركيا، لكن الآثار التراكمية والبعيدة، ستكون "كارثية" إذا ما استمرت الحرب ودخلت أطراف كبرى على خط الصراع.
ويشير الباحث التركي إلى أن بلاده تعتمد على قطاع الخدمات (طيران، سياحة، أسواق) بنسبة تزيد عن 50% من اقتصادها، وهذا القطاع تأثر بشكل مباشر، ولم يعد بإمكان تركيا هذا العام النظر إلى عائدات سياحة بنحو 65 مليار دولار، كما ستنعكس أسعار الطاقة والمواد الأولية على الصناعة وأسعار المنتجات بالسوق المحلية، كما لن تسلم الصادرات، بواقع تكاليف الإنتاج والتأمين وربما إغلاق الممرات المائية، وربما لا تتجاوز صادرات العام الجاري 250 مليار دولار.
ويضيف أوزكان أن بلاده تعتمد بأكثر من 95% من استهلاكها النفطي على الخارج، وحصة إيران من نسبة استيراد الطاقة تتجاوز 17%، لذا استمرار ارتفاع أسعار النفط والغاز، سيكون من "الضربات الموجعة للاقتصاد التركي"، لأن فاتورة استيراد الطاقة تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً، وارتفاعها سيعزز من عجز الميزان التجاري، ويؤثر على نسبة النمو وسعر الصرف.
وحول تدفق الاستثمارات لمنطقة ساخنة، يشير المحلل التركي إلى أن هناك قطاعات تتأثر مباشرة، كالبورصة والسياحة والاستثمارات، وتركيا تعتمد ببرنامجها الاقتصادي على تدفق المال المباشر من الخارج، واليوم ستتريث الرساميل ولا شك، بل قد تغيّر وجهتها لدول آمنة بعيدة عن الصراع.
للاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، رأي آخر بمجريات الحرب، والتي يعتبر أنها على الصعيد الاقتصادي ستكون في صالح تركيا، آنياً واستراتيجياً، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن معظم من يتكلم عن الخسائر يركز على أسعار النفط وفاتورة استيراده، لكنهم يتناسون إمكانية تحويل تركيا لمركز توزيع الطاقة من نفط وغاز، إن استمرت الحرب بمنطقة الشرق الأوسط وتعطلت إمدادات الطاقة إلى أوروبا والصين.
ويلفت أويصال إلى أن تأثر السياحة وحتى تدفق الاستثمار، لا يمكن تجاهلهما، ولكن السياحة من أوروبا وآسيا قد لا تتأثر كثيراً، ونحو ثلاثة ملايين سائح إيراني يمكن أن يأتي معظمهم بحكم الأمان والجوار، كما أن تدفق الاستثمار الأوروبي أو الأميركي سيستمر بحكم الوعود والعلاقات وحتى تنفيذ شروطهم، من رفع نسبة الفائدة والعودة للاقتراض من صندوق النقد الدولي. وهذا إن لم نفكر بدور تركيا المجاور لإيران وتعويض الفاقد بأسواقها أو الإعمار لاحقاً.
يشير الاقتصادي أوزجان أويصال إلى أن حجم التجارة بين تركيا وإيران محدود رغم قدم العلاقات، فهو لا يتجاوز 11.7 مليار دولار، والميزان لصالح تركيا "حصة صادرات إيران 4.2 مليارات دولار، في حين بلغت حصة تركيا 7.5 مليارات دولار"، وربما يزيد التبادل لحاجة إيران إلى السلع التركية فور توقف الحرب، أو الآن، لرفد أسواقها بما تحتاج من استهلاك يومي بسبب تعطل الأعمال.
وحول بنية الصادرات والواردات بين البلدين، يضيف أويصال أن الواردات من إيران، فضلاً عن النفط وفق العقود القديمة، تتركز على المنتجات الكيميائية العضوية والأسمدة والرصاص والقهوة والشاي، وهي سلع غير مؤثرة بالسوق ويمكن الاستغناء عنها عبر استيرادها من دول أخرى "لذا لم نر آثاراً بارتفاع الأسعار بالسوق"، في حين تصدر تركيا إلى إيران الآلات والسيارات وقطع الغيار وملابس وأدوية ومواد بلاستيكية ومنتجات زراعية. لذا، ربما تخسر تركيا سوقاً واسعاً يقدر مستهلكوه بأكثر من 90 مليوناً.
يختم أويصال لـ"العربي الجديد". يبقى تلويح طهران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، ويُعتبر القناة الرئيسية لتصدير النفط والغاز من الشرق الأوسط، بمثابة كابوس على الاقتصاد العالمي، نظراً لمرور 20% من الخام العالمي عبر المضيق، ما يشكل قيمة تجارة تصل، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى نحو 600 مليار دولار سنوياً.
