
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوماً يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى وطلاب الدراسات العليا الذين انقطعوا عن دراستهم منذ عام 2011 لأسباب متعلقة بالثورة السورية، التقدم بطلبات لإعادة قيدهم في الجامعات الحكومية والخاصة.
وصدر المرسوم في 16 يونيو/حزيران، متزامناً مع قرارات أخرى تخص التعليم العالي، أبرزها منح عام استثنائي للطلاب المستنفدين، وهو ينص على إعادة قيد الطلاب المنقطعين ضمن شروط تشمل تعبئة نموذج من وزارة التعليم العالي، ودفع رسوم التسجيل بحسب سنة الانقطاع، فضلاً عن تعهد من الطالب يؤكد عدم حصوله على شهادة جامعية أخرى خلال فترة الانقطاع، ويشترط أن يكون الانقطاع ناتجاً عن المشاركة في الثورة، أو مواقف سياسية، أو قرارات فصل، أو التعرض للتهديد بالسجن أو الملاحقة، أو الاقتياد إلى التجنيد الإجباري، ما يحول دون مواصلة التعليم.
ويأتي هذا المرسوم في ظل تغيرات يصفها مراقبون بأنها "انفتاح حذر" من قبل السلطات على المتضررين من سنوات الحرب، وهو يعكس رغبة سياسية في ترميم الفجوات التعليمية، وإعادة دمج الشبان السوريين في العملية الأكاديمية، ما يجبر الضرر ويعيد إنتاج كوادر علمية وطنية.
قال مصدر في وزارة التعليم العالي لـ"العربي الجديد": "نتعامل مع هذا الملف بحساسية عالية، وندرك تماماً أن هناك خلفيات سياسية واجتماعية لكل حالة، لذا ستدرس الطلبات بشكل فردي، مع مراعاة الظروف الخاصة التي أدت إلى الانقطاع، وفي الوقت ذاته احترام الأطر القانونية والإدارية المعتمدة". وأوضح أن "الوزارة شكلت لجاناً متخصصة في الجامعات، تتكون من ممثلين عن شؤون الطلاب والإدارة القانونية وأكاديميين، لضمان الحياد والشفافية. لسنا بصدد إعادة فتح الجراح أو المحاسبة على الماضي، بل نحن أمام مهمة وطنية لاستعادة العقول التي خسرناها، وإعادة دمجها في النظام الأكاديمي".
وكشف المصدر عن منصة إلكترونية قيد الإطلاق لاستقبال الطلبات، وقال: "هذا القرار اختبار حقيقي لمؤسساتنا التعليمية، فالتعليم يجب أن يبقى حقاً لا امتيازاً. المرسوم يحمل أبعاداً سياسية واجتماعية عميقة، ويعكس تحولاً في سياسات السلطة نحو الاعتراف الضمني بحقوق المتضررين من الحرب، كما يشكل خطوة عملية في ملف المصالحة الوطنية، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتعزيز إعادة دمج جيل كامل في مسار التنمية والعلم".
واضطر مئات آلاف الطلاب السوريين إلى ترك مقاعد الدراسة خلال سنوات الثورة، إما بسبب الاعتقال أو التهديد الأمني نتيجة مشاركتهم في التظاهرات، وأحياناً بسبب الفصل الإداري أو السياسي من الجامعات، في حين قرر كثيرون اللجوء إلى دول الجوار أو دول أوروبية، أو اضطروا إلى التهجير القسري، وبعضهم فقدوا الوثائق الرسمية.
كان سامر يوسف طالباً في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة دمشق، وتوقف عن الدراسة في عام 2012، بعدما أصبح مطارداً بسبب مشاركته في تظاهرة طلابية داخل الحرم الجامعي. ظن في البداية أن الأمر مؤقت، لكن بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه، اضطر للنزوح إلى الشمال السوري، ثم اللجوء إلى تركيا.
يقول يوسف لـ"العربي الجديد": "كنت أشعر طوال تلك السنوات بأنني فقدت كل شيء، إذ ضاع حلم التخرج، وأهلي تفرقوا في المنافي، وحياتي باتت غير طبيعية. حاولت العمل في ورشات صناعية في تركيا، لكن دائماً كان لديّ شعور بأن مكاني الحقيقي هو قاعة المحاضرات ومختبر الكلية. لحظة سماعي بالقرار بكيت. أعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، لكنني مستعد لإعادة التقديم، ودفع الرسوم، والبدء من جديد إن لزم الأمر. لا نريد امتيازات. نريد فقط أن ينظر إلينا كبشر لديهم حقوق، لا كأرقام في ملفات أمنية".
وتشير تقديرات غير حكومية إلى وجود ما بين 5 آلاف و15 ألف طالب من المنقطعين عن الدراسة الجامعية، معظمهم يعيشون خارج البلاد، أو في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة النظام السابق، ويتوقع أن يشكل هذا المرسوم فرصة لعودتهم إلى التعليم داخل سورية، أو لمعادلة شهاداتهم لاحقاً. لكن يظل الأمر مرهوناً بالتنفيذ.
وتقول نهلة صابوني، وهي أم لأحد الطلاب المنقطعين منذ عام 2011: "كان ابني في السنة الثانية بكلية الاقتصاد، ولم يكن ناشطاً سياسياً، لكنه عبر عن رأيه في منشور عبر مواقع التواصل، ليفصل بعدها بأيام قليلة من الجامعة. لا أزال أذكر هذا اليوم، حين جاءنا بلاغ بمراجعة فرع أمني، فقرر الهرب إلى لبنان، ومنذ تلك اللحظة انهار كل شيء. سنوات من الانتظار، ومن الصمت، ومن العجز أمام أسئلة لا نملك لها إجابات، هل يعود؟ هل يعتقل؟ هل انتهى مستقبله؟".
تضيف صابوني: "لم أتخيل أن يأتي يوم يعود فيه ابني إلى الجامعة. كان يرفض العودة إلى سورية لأنه يظن أن الأبواب أغلقت نهائياً في وجهه، والآن، ولأول مرة منذ سنوات، رأيته مبتهجاً حين قرأ نص المرسوم، والذي لم يعطه فرصة دراسية فقط، بل أعاد إليه كرامته الإنسانية. سنوات الانقطاع ستخلق صعوبات في التحصيل، لكن مجرد وجود فرصة نظامية بحد ذاته كفيل بطيّ صفحة من الألم الطويل. أملي أن تطبق هذه القرارات بروح القانون لا نصه، وأن يعامل هؤلاء الشباب بما يليق بسنوات صبرهم".
