
تتصاعد حدة التوترات العسكرية والأمنية على امتداد حدود ليبيا الجنوبية الشرقية مع السودان، ما أثار قلقاً حيال مصير عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين الفارّين من ويلات الحرب الدائرة في بلادهم، منذ نيسان/إبريل 2023. وتتركز هذه المخاوف تحديداً على مدينة الكفرة، أقرب مدينة إلى الحدود، والتي تحولت إلى ملاذ لهؤلاء اللاجئين.
وتشير التقديرات الرسمية الصادرة عن بلدية الكفرة، إلى أن عدد الوافدين السودانيين إلى المدينة تجاوز حاجز المائة ألف لاجئ، فيما تُقدر غرفة الطوارئ الصحية التابعة لحكومة مجلس النواب العدد الإجمالي للسودانيين في ليبيا بأكثر من 400 ألف، منهم نحو 70 ألفا في الكفرة وحدها، ما يتعارض بشكل لافت مع إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي أعلنت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تسجيل ما يزيد قليلاً عن 55 ألف لاجئ سوداني في فروعها بكل أنحاء ليبيا. فيما يكشف عبد الله سليمان، المتحدث الرسمي باسم بلدية الكفرة، رقماً مغايراً يبلغ 125 ألف لاجئ، استناداً إلى الشهادات الصحية التي أصدرتها البلدية لهؤلاء اللاجئين.
لكن القلق تضاعف بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، مع تصاعد التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة الحدودية. ومنتصف الأسبوع الماضي أُرسلت تعزيزات عسكرية إلى القاطع الحدودي تحت ذريعة تشديدها المراقبة على الحدود بعد أن قبضت على عدد من المهربين، ما يوحي باستعدادات لأي خطوة من الجانب السوداني، لاسترداد مواقعه عند الحدود.
ويبدي الناشط الإغاثي أنور الزوي، قلقه على اللاجئين السودانيين الذين يعيشون ظروفاً صعبة في الكفرة، مشيراً إلى أن "التوتر قد يجعل هؤلاء اللاجئين محاصرين بين نارين؛ تحمّل ويلات الحرب، أو الاضطرار للفرار مجدداً إلى عمق الأراضي الليبية". ويحذّر في حديثه لـ"العربي الجديد" من أن "أي تصعيد عسكري على الحدود أو توسع الاقتتال، سيضع اللاجئين أمام خيارين صعبين؛ الخيار الأول هو البقاء في منطقة مهددة بالمواجهات، ما يحرمهم أبسط الخدمات الحياتية. أما الخيار الثاني، فهو الفرار مجدداً إلى مناطق ليبية أخرى بحثاً عن الأمان، وهو خيار يحمل تحديات جسيمة للاجئين تكمن بفقدان الاستقرار النسبي المتوفر لهم في الكفرة، لا سيما لناحية الخدمات الصحية والإغاثية التي تقدمها البلدية ومستشفى الكفرة".
ويؤكد الزوي أن "إعادة بناء شبكة دعم مماثلة في مدينة أو منطقة جديدة، ستكون مهمة شاقة تستغرق وقتاً طويلاً، ما يفاقم معاناة اللاجئين لجهة نقص الخدمات الحيوية". ويرى أن "السلطات الليبية قطعت شوطاً في تسجيل عشرات الآلاف من اللاجئين في الكفرة، وإعداد وثائقهم الصحية، وأي نزوح جماعي جديد سيدخلها في دوامة إدارية معقدة، من إعادة تسجيل الأسماء في سجلات جديدة، جمع اللاجئين في مخيمات مؤقتة، توفير البنية التحتية والخدمات الأساسية من الصفر في مواقع جديدة، ناهيك عن صعوبات التنسيق والتكاليف الإضافية المرهقة".
تتفاقم هذه التحديات مع شح حاد في الإمكانات المحلية في الكفرة. فالمدينة رغم صمودها وتكاتف أبنائها، إلا أن مسؤوليها كثيراً ما اشتكوا نقصاً حادّاً في الإمكانات لمواجهة تدفق يومي للاجئين. وكان سليمان، المتحدث باسم البلدية، كشف في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن بعض الأيام تشهد تدفق ألف لاجئ باليوم الواحد، في حين ينخفض العدد في أيام أخرى إلى 500 لاجئ يوميّاً، بينما تقدّر المفوضية العدد اليومي الوافد، بين 300 و400 لاجئ. كما أكد سليمان حينها أن "البلدية تقدم كل ما في وسعها، غير أن جهودها تبقى نسبية أمام حجم الكارثة الإنسانية".
وفي السياق ذاته، أطلق أهالي الكفرة مبادرات تضامنية عديدة، مثل توزيع 4000 قطعة ملابس، وتبرع أحد المواطنين بتقديم وجبة إفطار يومية، فيما نظم مركز الصحة النفسية أياماً ترفيهية، في محاولة لتخفيف الأعباء النفسية والمادية عن اللاجئين.
ويوجّه الزوي انتقادات لما وصفه بـ"الصمت المطبق" من قبل منظمات الإغاثة الدولية التي ترفع شعارات رعاية اللاجئين، "من دون أن تقدم دعماً ملموساً يتناسب مع حجم الحاجات الإنسانية الملحّة للاجئين، تاركةً العبء الأكبر على كاهل السلطات الليبية والجهود الفردية التطوعية في مدينة تعاني أساساً من محدودية الموارد".
