
يترقب السودانيون حكومة جديدة من المتوقع إعلانها بعد انتهاء الاتفاقات والمشاورات السياسية اللازمة بين مكونات التحالف الحاكم، وذلك في ظل حرب متواصلة تشهدها البلاد بين الجيش ومليشيا الدعم السريع منذ 15 إبريل/نيسان 2023، خلفت أوضاعاً إنسانية واقتصادية كارثية بحسب ما تؤكد المنظمات المحلية والأممية. وقد تم مؤخراً تعيين رئيس وزراء جديد وحل الحكومة عقب ضغوط دولية متواصلة على الجيش السوداني الممسك بمفاصل السلطة لتعيين حكومة مدنية من شخصيات مستقلة، وهو ما وضع ضغطاً إضافياً على رئيس الوزراء الجديد، الذي أعلن اليوم الخميس ملامح حكومته المنتظرة وشروط الانتماء إليها.
وفي 19 مايو/أيار الماضي، أصدر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان قراراً بتعيين الخبير بالمنظمات الدولية وأستاذ القانون كامل إدريس لشغل منصب رئيس الوزراء في السودان، وهو المنصب الذي ظل شاغراً منذ إطاحة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بانقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021. وفي الأول من يونيو/حزيران الحالي، أصدر كامل إدريس قراراً بحل الحكومة وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير العمل إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
وفي خطاب اليوم الخميس، أعلن رئيس الوزراء كامل إدريس ملامح الحكومة المرتقبة التي سماها "حكومة الأمل"، والتي ستتكون من 22 وزارة. وقال إن حكومته ستعمل على تحقيق الأمن والرفاه والعيش الرغيد لكل مواطن سوداني، مبيناً أن رؤية الحكومة ترتكز على الانتقال بالسودان إلى مصاف الدول المتقدمة. وأضاف أن أعضاء الحكومة سيكونون من التكنوقراط ولا ينتمي منسوبوها إلى الأحزاب السياسية، بل تمثل صوت الأغلبية الصامتة.
وذكر أن شروط الانتماء إلى حكومة الأمل هي أن يكون الشخص سوداني الجنسية بغض النظر عن عرقه أو دينه، وعدم الانتماء الحزبي، والتحلي بالقيم الجوهرية، فضلاً عن امتلاك المهارات القيادية، وأعلى درجات المعارف والجدارات والخبرات التقنية اللازمة في المجال المعني. وأشار إلى أنه سيتم تقليص عدد المجالس والهيئات والأجهزة والمفوضيات غير الضرورية التي تمثل حكومات موازية تستنزف المال العام، على أن يتم إلغاء أو دمج هذه المؤسسات في الوزارات مع الإبقاء على الحد الأدنى منها.
وكان قرار حل الحكومة قد أثار اعتراض بعض الحركات المسلحة المشاركة في السلطة والموقعة على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة في أغسطس/آب 2020، وهي الاتفاقية التي تنص على مشاركة هذه الحركات في الحكومة ومنحها مناصب وحقائب وزارية.
وقال أمين الشؤون السياسية في حركة العدل والمساواة، التي كانت تحوز عدداً من المناصب في الحكومة، معتصم أحمد صالح، في تصريح على صفحته بموقع فيسبوك في 2 يونيو/حزيران الحالي إن المادة (8.3) من اتفاق جوبا لسلام السودان تمثل ضمانة قانونية وسياسية لاستقرار مواقع أطراف العملية السلمية داخل مؤسسات الحكم حتى نهاية الفترة الانتقالية، وتنص صراحة على احتفاظ هذه الأطراف بالمواقع التي نالتها بموجب الاتفاق، وألا يُشغر أي موقع إلا ببديل منها.
واعتبر أن حل الحكومة بالكامل، بما في ذلك وزراء السلام، يُعد مخالفة صريحة لهذه المادة، لأنه يتجاوز النص والضمانات المتفق عليها دولياً. وأضاف: "هذا الإجراء لا يمس فقط بتوازن السلطة الذي أرساه الاتفاق، بل يهدد مصداقية الالتزامات تجاه أطراف السلام، ويُضعف الثقة في مسار الانتقال السياسي، مما قد يؤثر على تماسك الجبهة الداخلية في ظل ظرف بالغ التعقيد".
كما توجد مطالبات من قبل حركات مسلحة وقوى سياسية في شرق السودان بحصتها في الحكومة، إذ توجد خلافات مكتومة بين قوى سياسية في شرق السودان والحركات المسلحة الموالية للجيش من إقليم دارفور. وسبق لقائد قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان، ضرار أحمد ضرار، أن وجه انتقادات إلى حركات اتفاقية جوبا للسلام في خطاب أمام مناصريه بعد قرار حل الحكومة في الأول من يونيو/حزيران الحالي، واتهمهم بمحاولة التمسك بالاتفاقية وحصص السلطة إلى أجل غير مسمى، معتبراً أن شرق السودان ظل مهمشاً لسنوات عديدة منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير وحتى عهد رئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان، وأنه تم إقصاؤهم من المشاركة في السلطة من دون تحسين أوضاع مواطني الشرق.
وقال مصدر مسؤول في إحدى حركات اتفاقية السلام المشاركة في السلطة لـ"العربي الجديد" إن المشاورات التي وصفها بالصعبة ما زالت مستمرة حول تشكيل الحكومة الجديدة، لافتاً إلى أن هناك تباينات حول تقليص عدد الوزارات والحصص، خصوصاً تلك التي يجب منحها للحركات المسلحة المساندة للجيش. ولفت إلى أن الحركات المسلحة متمسكة بحقها في المشاركة في السلطة وترفض تقليص حصصها أو التغول عليها، وذكر المصدر أن قادة هذه الحركات ناقشوا مع رئيس الوزراء في الأيام الماضية أهمية المحافظة على تمثيلهم في الحكومة من أجل تنفيذ جميع بنود الاتفاقية حتى نهاية الفترة الانتقالية، وتوقع في الوقت نفسه أن يتم التوصل إلى اتفاق حول التشكيلة الحكومية مع رئيس الوزراء كامل إدريس قريباً ومن ثم إعلان الحكومة الجديدة.

أخبار ذات صلة.

