
يعيش أهالي طلبة التوجيهي في الأردن هذه الأيام حالة طوارئ، تزامناً مع انطلاق امتحانات الثانوية العامة، التي تُعدّ مرحلة حاسمة في مسار الطلاب التعليمي. ويشكّل هذا الامتحان بوابة للانتقال إلى التعليم العالي في الجامعات، أو للانخراط في سوق العمل بعد استكمال المرحلة الثانوية. ويحظى "التوجيهي" بأهمية كبيرة ليس فقط على المستوى الأكاديمي والشخصي للطلبة، بل أيضاً على المستوى الاجتماعي للأسر، نظراً إلى ما يترتّب عليه من نتائج قد ترسم ملامح المستقبل الدراسي والمهني لأبنائهم.
انطلقت اليوم الخميس أولى جلسات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لعام 2025 (الامتحان العام)، بمشاركة (209,871) مشتركاً ومشتركة، منهم (147,461) من الطلبة النظاميين، و(62410) من طلبة الدراسة الخاصة. توزّع المشتركون بحسب فروع التعليم على النحو التالي: (89,634) للفرع العلمي، و(94,232) للفرع الأدبي، و(200) للفرع الشرعي، و(9,059) للفرع الصناعي، و(4,701) للفرع الزراعي، و(2,021) للفرع الفندقي والسياحي، و(10,024) لفرع الاقتصاد المنزلي.
وبلغ العدد الكلي للمسجلين في امتحانات شهادة الثانوية العامة "التوجيهي" للعام 2025، نحو 346 ألف مشترك ومشتركة، منهم 210 آلاف من طلبة الصف الثاني عشر (جيل 2007) و136 ألفاً من الصف الحادي عشر (جيل 2008). ويُعقد الامتحان في 826 مدرسة تابعة لمديريات التربية والتعليم. وبحسب الوزارة، فقد عملت الكوادر في المركز والميدان على تهيئة البيئة الامتحانية الملائمة من حيث توفير المقاعد المناسبة، والمياه، وتهوية القاعات، وحسن إنارتها.
ويرافق بعض الأردنيين أبناءهم وينتظرونهم خارج القاعات إلى غاية انتهاء الامتحان. وقد التقت "العربي الجديد" عدداً من الأهالي أمام قاعة مدرسة أم القرى في منطقة وادي السير، غرب العاصمة عمّان، وذلك في اليوم الأول من الامتحانات حيث اجتاز الطلبة مادة التربية الإسلامية.
ويقول محمد علي وهو والد طالب في التوجيهي، لـ"العربي الجديد"، إن امتحانات التوجيهي تخلق حالة من القلق لدى الطلاب والأهالي، فهذه المرحلة مصيرية في حياة الطلبة من أجل الحصول على أفضل العلامات لاختيار تخصص المستقبل. وأي إخفاق، سواء بالحصول على معدل متدنٍّ أو لا قدّر الله الفشل، سيكون مكلفاً على الطلاب والأهل، مادياً ومن عمر الطالب إذا ضاعت جهوده في السنة الدراسية.
يضيف أن حالة الطوارئ التي تشهدها البيوت الأردنية بسبب التوجيهي تبدأ قبل عامين من النتائج، وأي تغيّرات من الحكومة على نوعية الامتحان وأسلوبه قد تحتاج إلى سنوات من التكيف، فمنذ بداية العام، أصبحت برامج وتفاصيل حياتنا اليومية تتركّز على تهيئة الظروف المناسبة للدراسة، فطالب التوجيهي يحتاج إلى عناية واهتمام مضاعف.
بدوره، يقول زياد موسى الزيود لـ"العربي الجديد"، إن حضوره مع ابنه سببه الأساسي توفير المواصلات بسيارته الخاصة، حتى لا يضيع الوقت، فكل دقيقة لها ثمنها في هذه الأيام. ويوضح أنه، ومعظم الأهالي، لا يدّخرون جهداً من أجل تفوق أبنائهم، وتقديم كل ما يحتاجون إليه، كتوفير المدرسين الخصوصيين والبيئة المناسبة، على أمل تحقيق المعدل المنشود. ويبيّن أن ابنه يتقدّم للامتحان على النظام القديم، أي بدورة واحدة، وليس على عامين كطلبة جيل 2008، داعياً وزارة التربية والتعليم الأردنية إلى أخذ طلبة السنة الواحدة بعين الاعتبار، راجياً النجاح لجميع الممتحنين.
أما خالد كساب، فيوضح لـ"العربي الجديد" أن عائلته هذا العام تعيش تجربة استثنائية مع امتحانات الثانوية العامة، إذ لديه ابنان في التوجيهي: أحدهما من جيل 2007 الذي سيتقدّم للنسخة الأخيرة من النظام الحالي، وابنته من جيل 2008 التي تخوض تجربة النظام الجديد الممتد لعامين. وأوضح أن الأهم في انتظار ابنه هو توفير المواصلات، ربحاً للوقت.
يشرح أن وجود طالبين زاد من الأعباء النفسية والمادية على الأسرة، بين متطلبات الدروس الخصوصية وحالة الاهتمام والترقب. وهذا الأمر تطلب منه ومن والدتهما المزيد من الجهد والتعب، مشيراً إلى أن التوجيهي أصبح مكلفاً جداً على الأهالي بسبب الدروس الخصوصية. ويتابع: "نحرص على أن نكون مصدر طمأنينة لأبنائنا، وننظر للأمر بإيجابية، فلا نضغط عليهم بتحديد ساعات الدراسة، فهم واعون ويعرفون ما لهم وما عليهم".
بدوره، يقول الدكتور فيض الله العتيبي: "أنا ضد انتظار أولياء الأمور أمام قاعات الامتحان، لكنني موجود اليوم فقط لأخذ ابني إلى موعد بعد الامتحان، فأنا لا أنتظر عادة، لأن الانتظار يسبب توتراً للطالب داخل القاعة، إذ يظل يفكر في وجود والده أو والدته بالخارج، مما ينعكس عليه سلباً". ويتابع: "أنظر إلى التوجيهي على أنه أسهل من الصف العاشر. المطلوب من الأهل هو التعاون مع أبنائهم في إدارة الوقت، وعدم الضغط عليهم، مع إدراك أن لكل طالب قدرات مختلفة يجب مراعاتها، فالأمر لا يتعلق بكثرة المدرسين الخصوصيين والمراكز، حتى لا نقع في فخ التدريس العشوائي".
يضيف: "يجب على الأهل عقد جلسات عصف ذهني مع الطالب لمعرفة طريقة تفكيره وتنظيم وقته بناءً على ذلك"، كما انتقد برامج المراجعة المكثفة في نهاية العام، داعياً إلى تخصيص وقت يومي لكل مادة بتوازن. ورأى أن النظام الجديد للتوجيهي الممتد لعامين أفضل من نظام العام الواحد، وهو مطبق في العديد من الدول الأوروبية.
بدوره، يقول سامر المهيرات، لـ"العربي الجديد"، إن هذا العام الأول لابنه في التوجيهي، وإنه وزوجته ينتظرانه أمام المدرسة بوصف ذلك شكلاً من الدعم النفسي له، وكذلك لتوفير المواصلات. وأضاف: "في الحقيقة كنا على أعصابنا. الليلة الماضية لم ننم جيداً، فقد كانت ليلة عامرة بالصلاة والدعاء والجهد والدراسة".
ويتابع، "من المهم أن نكون معه، فالامتحان له رهبة ويخلق حالة من الخوف لدى الطالب، ونريد أن نعطيه الحافز. فليس الطالب وحده من يتعب، فالعائلة أحياناً تتعب أكثر منه، نحاول توفير المدرسين ونعده بمكافأة مجزية في حال التفوق. هذه الأيام لا راحة فيها، نركّز على المكثفات ونحاول إحضار أفضل المدرسين لمساعدته على مراجعة الامتحانات".
بدورها، قالت والدة الطالب أسامة الحسامي لـ"العربي الجديد"، إن حضورها أمام المدرسة هو دعم معنوي ونفسي لابنها من أجل تقديم أفضل ما لديه. وأضافت أن وجود طالب توجيهي في البيت يقلب المنزل إلى حالة طوارئ، ويبقى الأهل في حالة استنفار دائم طوال العام، مشيرة إلى أنهم يوفرون له أفضل المدرسين لتدريسه، حتى وإن كان ذلك على حساب حياتهم الاجتماعية، إذ يشاركون فقط في المناسبات الاجتماعية الكبيرة والمهمة.
أما المتخصصة في علوم التربية، هبة أبو حليمة، فأكدت في حديثها لـ"العربي الجديد" أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الطلبة، ومساعدتهم في تنظيم الوقت، والبقاء على اطلاع على تقدمهم الدراسي، ولكن من دون فرض ضغوط نفسية زائدة، و ضرورة توفير بيئة هادئة ومساحة مناسبة للدراسة بعيداً عن مصادر الإزعاج. ودعت الأهالي إلى الاستماع إلى أبنائهم، لأنهم قد يمرون بحالات من القلق أو اضطرابات نفسية صعبة أحياناً، مشددة على أهمية تجنب الضغط الزائد، الذي ينعكس سلباً على الطلاب، ومكافأتهم على الجهد المبذول.
وأشارت إلى أهمية توزيع وقت الطالب بين الدراسة والراحة، وإدراج استراحات قصيرة للحفاظ على التركيز، والدراسة من مصادر موثوقة فقط. وأكدت كذلك أهمية تشجيع الطلاب على المتابعة والتركيز بعد عام دراسي طويل، وضرورة التحلي بالصبر في التعامل معهم. كما حذّرت الآباء والأمهات من خلق حالة من القلق لدى الأبناء، خاصة قبيل الامتحانات. وفضّلت عدم انتظار الأهالي أمام المدارس، لأن هذا الانتظار قد لا يُفيد الأبناء وربما ينعكس سلباً عليهم. لكنها أوضحت أن الانتظار قبيل الامتحان بدقائق قد يمنحهم شيئاً من الاطمئنان، وبعد ذلك من الأفضل تركهم من دون ضغوط.
