موقف إدارة ترمب من الهجوم الإسرائيلي على إيران
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

شهد الموقف الأميركي من العدوان الذي أطلقته إسرائيل على إيران، في 13 يونيو/ حزيران 2025، تقلبات وتصريحات متضاربة خلال الأيام القليلة الماضية، وعكس وجود تناقضات واختلافات داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ففي حين حاولت وزارة الخارجية الأميركية النأي بنفسها، أثارت مباركة ترامب العدوان الإسرائيلي، وتأكيده معرفته بموعده مسبقاً، أسئلة كثيرة عن حقيقة الموقف الأميركي ومستقبل المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية، خصوصاً أن العدوان جاء قبل يومين فقط من جولة سادسة من المفاوضات كانت مجدولة بين الطرفين في عُمان. وأثارت تهديدات ترامب المتتالية لإيران بدمار هائل، إن لم توقّع اتفاقاً نوويّاً قريباً، أسئلةً عن دوره في العدوان الإسرائيلي على إيران، لا سيّما بعد قراره مغادرة قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في كندا، قبل انتهاء أعمالها، ورفضه توقيع بيانها الختامي الذي يدعو إيران وإسرائيل إلى خفض التصعيد. إضافة إلى أن تعزيز وجود الحشود الأميركية في المنطقة زاد من احتمال انخراطه في هذه الحرب.
الموقف الأميركي
نفت واشنطن مشاركتها في العدوان الإسرائيلي على إيران، وقالت إن الهجوم "إجراء إسرائيلي أحادي ضد إيران". وحذّر وزير الخارجية ماركو روبيو إيران من استهداف "المصالح أو الأفراد الأميركيين". إلا أن ترامب لم يلبث أن ناقض، جزئياً، بيان وزير خارجيته، حينما بارك هذا العدوان، ووصفه بـ "الممتاز" و"الناجح للغاية"، متوعّداً إيران بمزيد من الهجمات والدمار، إن لم توقّع اتفاقاً نوويّاً مع بلاده. وذهب إلى أبعد من ذلك، حينما قال إن الولايات المتحدة قد تتدخّل في الهجوم ضد إيران.
واضح أن ترامب يحاول توظيف العدوان الإسرائيلي على إيران أداةَ ضغط عليها في المفاوضات النووية. ويرى أنه منحها "60 يوماً (للتوصل إلى اتفاق) ولم تلتزم بها". مع ذلك، اعتبر أن أمامها فرصة ثانية. وألمح أيضاً إلى أن اغتيال إسرائيل من أسماهم "بعض المتشدّدين الإيرانيين" (يقصد القيادات العسكرية الإيرانية) قد يكون دافعاً لطهران لمحاولة التوصل إلى اتفاق، أو مواجهة حقيقة أن "الولايات المتحدة تصنع أفضل المعدّات العسكرية وأكثرها فتكاً في العالم، وأن إسرائيل تملك الكثير منها، وستحصل على مزيد في المستقبل، وهي تعرف كيف تستخدمها". في هذا السياق، أثير السؤال: أكانت إدارة ترامب متواطئة في تضليل إيران وخداعها في سبيل طمأنتها حول عدم وجود نية بمهاجمتها، أم أن إسرائيل قد فرضت أمراً واقعاً عليها (أي إدارة ترامب)؟

يحاول ترامب توظيف العدوان الإسرائيلي على إيران أداةَ ضغط عليها في المفاوضات النووية

يسوق أصحاب الرأي الأول، ومنهم مسؤولون إيرانيون، عدة مؤشّرات تسند رأيهم، أولها تشديد واشنطن على عقد الجولة السادسة من المفاوضات بين الطرفين في عُمان، وتواتر تصريحاتٍ لمسؤولين أميركيين، بمن فيهم ترامب، تبدي تفاؤلها بإمكانية تحقيق اختراق في المفاوضات. ويرى أصحاب هذا الرأي أن ترامب مارس الخداع عبر زعمه إنه يعارض هجوماً إسرائيلياً؛ "ما دفع الجميع إلى الاعتقاد أنه في حال وقوع هجوم فإنه سيكون بعد الجولة السادسة من المفاوضات"، وليس قبلها. وكان علي شمخاني (اغتيل في اليوم الأول من الهجوم الإسرائيلي)، كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، صرح في نهاية مايو/ أيار 2025، أن بلاده مستعدة لقبول اتفاقٍ مشروط مع واشنطن. وقبل يومين فقط من العدوان الإسرائيلي، كتب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على وسائل التواصل الاجتماعي، أن محادثاته مع المبعوث الخاص لـترامب، ستيف ويتكوف، ستستمر.
وصرّح ترامب غير مرّة، بما في ذلك قبل يوم من بدء الهجوم، إنه لا يريد عملاً عسكريّاً ضد إيران؛ لأن هذا "سيقوّض" المفاوضات النووية الجارية معها. وقبل ساعات من بدء الهجوم، قال: "لا أريد أن أقول إن الهجوم سيكون وشيكاً، ولكنه أمر وارد جداً". ويبدو أن المعلومات التي كانت تروج عن خلافات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن ملف المفاوضات النووية مع إيران لم تكن أكثر من "ستارٍ دخانيٍّ" لإعطاء طهران شعوراً بالأمان وزيادة فرص نجاح هجوم إسرائيليٍّ مفاجئٍ عليها. وهذا ما دفع مسؤولين إيرانيين إلى اتهام واشنطن بخداعهم.
وفي المقابل، يستند أصحاب الرأي الثاني إلى أن البيت الأبيض ينفي دعم ترامب هجوماً إسرائيلياً مباغتاً على إيران، بينما لا تزال المحادثات النووية قائمة، وإن ظل الإسرائيليون يعتقدون دائماً أنه على الرغم من معارضته الخيار العسكري، وتفضيله مساراً دبلوماسيّاً مع إيران، فإنه سيدعم في نهاية المطاف قرار إسرائيل بالعدوان على إيران، وهو ما حصل. ويشير هؤلاء إلى أن قرار وزارة الدفاع البدء بإجلاءٍ طوعيٍّ للموظفين غير الأساسيين في المنطقة، قبل يومين من العدوان، يدل على أن إدارة ترمب لم تكن جاهزة؛ إذ إن مدة يومين غير كافية "لإبعاد الناس عن الخطر".
يتفق أصحاب الرأيين السابقين على أن تل أبيب أبلغت واشنطن بنيّتها شنَّ الهجوم على إيران، وتلقت منها ضوءاً أخضر. ومن الواضح للجميع أن التعاون الاستخباري قائم، وربما ثمة تعاون في التصدي للصواريخ الإيرانية. ويشير استخدام ترمب "الفيتو" ضد خطة إسرائيلية لاغتيال خامنئي، إلى أن ثمَّة خطوطاً حمراء لا تزال واشنطن تلتزم بها. ويدور نقاش حادّ داخل إدارة ترمب حول إن كان ينبغي للولايات المتحدة الانضمام إلى الهجوم الإسرائيلي للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، ما لم تستهدف إيران المصالح الأميركية أولاً في المنطقة. ويضغط نتنياهو على ترمب من أجل استخدام القاذفات الأميركية الكبيرة كـ "بي-2" و"بي-52" القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات، والتي لا تملكها إسرائيل، لتدمير موقع فوردو الإيراني لتخصيب اليورانيوم المدفون في أعماق الجبال. وتقدّر إسرائيل أنه إذا ظل هذا الموقع قيد التشغيل بعد انتهاء العملية العسكرية، فإنها ستكون قد فشلت في تحقيق هدفها المتمثل في "القضاء" على البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، ثمّة تلميحات أميركية إلى أن ترمب يبقي هذا الاحتمال قائماً، إلا إذا كانت إيران مستعدة "للتفاوض على حل سلمي للصراع [...] (عبر) التخلي عن برنامجها النووي"، أو ما يسميه هو الاستسلام غير المشروط.
تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة
مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران، سرَّعت واشنطن من تحويل موارد وأصول عسكرية إضافية إلى المنطقة، ففي 13 يونيو، أمرت وزارة الدفاع الأميركية مدمّرتين، هما "يو إس إس أرلي بيرك" و"يو إس إس سوليفان"، بالتوجّه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وتشارك هاتان المدمّرتان حالياً في اعتراض الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية التي تطلقها إيران انتقاماً من الهجمات الإسرائيلية عليها. وأمرت وزارة الدفاع الأميركية مدمرة ثالثة، هي "يو إس إس توماس هودنر"، بالانضمام إلى المدمرتين السابقتين. ونشرت واشنطن مقاتلات أميركية إضافية في المنطقة لحماية جنودها وقواعدها العسكرية.

دخول واشنطن الحرب قد يدفع إيران إلى استهداف القواعد الأميركية ويحرّك وكلاء إيران في المنطقة

وفي 16 حزيران/ يونيو، أُعيد توجيه حاملة الطائرات "يو إس إس نيميتز" من بحر الصين الجنوبي إلى الشرق الأوسط، لتنضمّ إلى حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" في بحر العرب. وغادرت عشرات من طائرات التزويد بالوقود التابعة للقوات الجوية قواعدها الأميركية هذا الأسبوع في عملية انتشار جديدة إلى أوروبا، في إجراء وقائي لدعم أي عمليات في الشرق الأوسط. وكانت واشنطن أرسلت، في عام 2024، عدة بطاريات دفاع جوي من طراز باتريوت إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك اثنتان سُحبتا من منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نشرت الولايات المتحدة أيضاً بطارية دفاع جوي أرض - جو (ثاد)، إلى جانب حوالى مائة جندي، في إسرائيل للمساعدة في اعتراض الصواريخ التي تطلقها إيران ووكلاؤها.
ويوجد حالياً حوالى 40 ألف جندي أميركي في منطقة الشرق الأوسط. وجدّدت واشنطن في الآونة الأخيرة مخزونات صواريخ بطاريات القبة الحديدية الإسرائيلية المضادة للطائرات، استعداداً لهجوم إيراني مضاد في حال وقوعه. ونشرت في الأسابيع الأخيرة قاذفات "بي-52" في قاعدتها الجوية في جزيرة دييغو غارسيا النائية في المحيط الهندي، حيث تتمركز أيضاً العديد من قاذفات "بي-2" منذ أواخر مارس/ آذار 2025. وفي حال اختارت الولايات المتحدة الانضمام إلى العدوان على إيران، فإن هذه القاعدة ستكون بمنزلة نقطة انطلاق للغارات الجوية ضدها.
حسابات إدارة ترامب المعقدة
أمام تصاعد وتيرة هذه الحرب، تجد إدارة ترمب نفسها أمام خيارات ثلاثة صعبة:
1. الضغط من أجل التوصل إلى حلٍّ دبلوماسي مع إيران بشأن برنامجها النووي. لكنّ نجاح هذا الخيار يواجه عقبات كثيرة، منها التوصل إلى توافق إسرائيلي - إيراني على وقف إطلاق النار؛ وهو أمر غير مرجّح مع إصرار إسرائيل على تحقيق أهدافها من هذا العدوان، والتي حدّدها نتنياهو في ثلاثة: تدمير البرنامج النووي الإيراني، وتفكيك برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وإنهاء "محور المقاومة" الإيراني في المنطقة. وهو يعتقد أن هزيمة كهذه إذا لحقت بإيران، فسوف تكون كفيلة بإسقاط النظام وهو أحد أهدافه الذي يصرّح به من حين إلى آخر. وتريد واشنطن من إيران وقف تخصيب اليورانيوم وتفكيك عديد من منشآتها النووية، وهي أمور لا تزال الأخيرة ترفضها. ومع ذلك، ثمّة احتمالٌ بأن تحاول إيران البحث عن تسوية مع ترامب، بسبب حجم الضربات الإسرائيلية، وخوفاً من دخول الولايات المتحدة الحرب ضدها. لكن هل تستطيع الوثوق به؟ وهل يحتمل النظام تقديم التنازلات التي يطلبها؟
2. الانضمام إلى الحرب؛ وهو الأمر الذي يضغط نتنياهو من أجل تحقيقه، لكي يصبح تدمير منشأة فوردو النووية ممكناً. لكنّ دخول الولايات المتحدة الحرب قد يدفع إيران إلى استهداف القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة، فضلاً عن إمكانية تحرك وكلاء إيران فيها. حينها، سيجد ترامب نفسه في خضم حرب واسعة في الشرق الأوسط، بما يعنيه ذلك من استنزاف لرئاسته، وهو الذي وعد خلال مراسم تأديته اليمين الدستورية لولايته الثانية، في يناير/ كانون الثاني 2025، بأنه سيسعى جاهداً "لوقف جميع الحروب"، وترك إرث "صانع سلام". ثمّ إن من شأن تورّطه في حرب جديدة في الشرق الأوسط أن يحدث شرخاً داخل قاعدته الانتخابية وتيار "أميركا أولاً"، الذي يطالبه أنصاره بالوفاء بوعوده وعدم السماح لإسرائيل بجرِّ الولايات المتحدة إلى حرب لا مصلحة لها فيها.
3. أن يترك إسرائيل تخوض حربها بنفسها، مع بقاء الإسناد الدفاعي لها، من حيث مساعدتها في اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية معها، والاستمرار في تزويدها بالأسلحة والذخائر. لكن هذا الخيار سيكون مكلفاً لواشنطن، وإمكانية الحسم فيه صعبة، كما أنه يترك إمكانية التصعيد في المنطقة التي قد تنجر إليها واشنطن قائمة.

لم تتضح خيارات ترامب في التعامل مع الأزمة في ظلّ تضارب تصريحاته، وغياب استراتيجية متماسكة لإدارته

من غير الواضح أي سبيلٍ سيختار ترمب للتعامل مع الأزمة التي أشعلتها إسرائيل بمهاجمتها إيران، خصوصاً في ظل تضارب تصريحاته، وغياب استراتيجية متماسكة لإدارته. فقد دعا في 17 يونيو، مثلاً، خلال مشاركته في قمة مجموعة السبع في كندا، جميع سكان العاصمة الإيرانية طهران إلى "الإخلاء فوراً". وبعد وقت قصير، أعلن البيت الأبيض أن ترمب سيغادر قمة مجموعة السبع في كندا قبل يوم مما كان مقرراً "بسبب الأحداث في الشرق الأوسط". ودعا ترمب مجلس الأمن القومي إلى الاجتماع في غرفة العمليات (Situation Room) في البيت الأبيض. ومع ذلك، نفى الناطق باسم البيت الأبيض أن يكون ترمب يقصد من ذلك الانخراط في الحرب. وفي الوقت نفسه، تتحدث مصادر أميركية عن جهود لعقد لقاء، خلال أيام، بين ويتكوف وعراقجي، بهدف مناقشة "مقترح الفرصة الأخيرة" الذي سيقدمه ترمب لإيران، وفي حال رفضه فإنه قد يلجأ إلى الخيار العسكري للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
خاتمة
يعتقد ترامب أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران ربما يعزّز فرص التوصل إلى اتفاق نووي معها بشروطه، التي تتلخص في وقف كامل للتخصيب. وهو يسعى إلى إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، ولكن في موقف ضعف. إلا أن الأمور تعقدت؛ فنتنياهو وسّع نطاق الحرب وأهدافها إلى ما هو أبعد من ذلك كثيراً، وهو يحاول جرّ واشنطن إلى الحرب في ظل هذه الشروط، وبعد أن وضع هدفه، وهو تدمير مفاعل فوردو لوقف تخصيب اليورانيوم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية