
قررت "قافلة الصمود" المغاربية التراجع عن هدفها بمواصلة المسير نحو معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، لكسر الحصار عن الغزيين، بعد أن حاصرتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لأربعة أيام منذ وصولها إلى مدخل مدينة سرت، وسط شمالي ليبيا، الخميس الماضي، ومنعتها من المضي شرقاً. قرار حفتر التعسفي مثّل محنة قاسية تعرض لها نحو 1700 متطوع ومتضامن، قدموا من دول مغاربية مختلفة بدافع إنساني وتضامني واضح، ليجدوا أنفسهم محاصرين في العراء تحت أشعة الشمس الحارقة في مناخ شبه صحراوي. وليجدوا أيضاً أن مهمتهم النبيلة في كسر حصار الغزيين تتحول إلى معايشة مريرة للحصار نفسه، واختبار شخصي مرير للحصار ذاته.
على مدى أربعة أيام واجه أفراد القافلة منعاً منهجياً من الوصول إلى الماء والغذاء، وأجبروا على النوم على قارعة الطريق في ظروف بالغة القسوة، تصاعدت خلالها الإجراءات التعسفية من جانب سلطة حفتر بقطع جميع الإمدادات عنهم. منعت تلك السلطة حتى أي محاولات إغاثة من إخوانهم في غرب ليبيا، الذين حاولوا عبثاً إيصال المؤن والمساعدة الإنسانية، وصولاً إلى تنفيذ حملات اعتقالات غير مبررة في صفوف المتضامنين السلميين، في انتهاك صارخ لحقوقهم ولطبيعة مهمتهم الإنسانية.
تبدو المبررات الرسمية التي قدمها القادة الأمنيون التابعون لحفتر لإيقاف القافلة، غير متناسبة مع حجم المهمة التضامنية وحقيقتها، وغير ذلك فهي حجج تفتقر إلى المصداقية. مبررات وحجج مثل عدم وجود أختام الدخول على جوازات سفر بعض المشاركين في القافلة وعدم حمل آخرين جوازات سفر من الأصل، في محاولة لإيهام الرأي العام بأنهم مهاجرون غير نظاميين دخلوا الى ليبيا بطريق غير قانوني، ومبررات أخرى مثل اشتراط الحصول على تأشيرات دخول مصرية مسبقة. يدفع كل ذلك للسؤال عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء منع التضامن مع غزة.
هذا الحدث يشير إلى تعقيدات الموقف الإقليمي وإلى وجود معوقات عملية وسياسية جادة تواجه أي مبادرة شعبية عربية للضغط من أجل كسر الحصار. فما حدث في سرت يكشف عن تناقض صارخ بين الخطابات الرسمية حول دعم فلسطين وبين الممارسات الفعلية التي تعرقل أبسط أشكال التضامن العملي. واقع التعامل الجائر مع القافلة جعلها تعيش نموذجاً مصغراً حياً لمعاناة الغزيين، إذ عايش المشاركون ظروف الحرمان والعزلة والتهديد التي يعيشها الفلسطينيون، وإن اختلفت المدة الزمنية.
رغم عدم وصول القافلة إلى هدفها الجغرافي، فإنّ صمود أفرادها وتجربتهم المريرة سلطا الضوء مجدداً على معاناة غزة بطريقة ملموسة، وظهّرا العقبات الحقيقية التي تواجه التضامن الشعبي العربي. فموقف حفتر في سرت ومواقف بعض الأطراف العربية تجاه القضية الفلسطينية على محك الأفعال لا الأقوال، برهنت أنّ الطريق نحو كسر الحصار محفوف بتحديات تتجاوز حدود الكيان الصهيوني. لتشمل التحديات حواجز متقدمة يقوم على قفلها من يحمي الكيان الصهيوني بالوكالة.

أخبار ذات صلة.
