
دانت القاهرة عبر سفيرها الدائم في الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق، في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، مساء أول من أمس الثلاثاء، علناً الحلف الأميركي الإسرائيلي، وشككت في شرعية نظام الفيتو ذاته، في خطاب غير معتاد من الدبلوماسية المصرية مع تحميلها إسرائيل المسؤولية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال عبد الخالق إن "الفيتو (الأميركي ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة) الأخير والمتكرر جاء ليسمح لإسرائيل باستمرار عدوانها الغاشم على المدنيين العزل في غزة"، مضيفاً أن "مصر تشدد على أن هذا الفيتو لا يغير من حقيقتين واضحتين؛ أولاهما أن إسرائيل ترتكب جرائم ممنهجة في غزة، والثانية أن هناك إجماعاً دولياً على ضرورة وقف هذه الحرب فوراً". وعلى نحو غير معتاد، طالب السفير المصري بإلغاء حق النقض نهائياً من نظام مجلس الأمن، باعتباره أداة تعطل العدالة الدولية، بل دعا إلى تطوير خطاب القانون الدولي الإنساني نفسه ليواكب حجم الجرائم الإسرائيلية في غزة.
محمد حجازي: من حق إيران أن تمتلك برنامجاً نووياً سلمياً يتضمن دورة تخصيب كاملة للوقود النووي
الجهود الدبلوماسية المصرية
هذا الخطاب لم يكن الحدث الوحيد اللافت في مواقف القاهرة خلال الأيام الأخيرة، إذ تبنّت مصر أيضاً تحركاً دبلوماسياً قاد إلى صدور بيان مشترك عن 25 دولة إسلامية، يرفض العدوان الإسرائيلي على إيران، ويطالب بوقف التصعيد العسكري والعودة إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا الموقف اللفظي المصري الواضح تناقضه سياسة مصرية عملية تُترجم مثلاً بمنع دخول قافلة "مسيرة الصمود" المغاربية إلى مصر في طريقها إلى غزة، إذ تم توقيف عشرات النشطاء العرب والأجانب المشاركين في قافلة التضامن مع غزة، والتي كانت تعتزم الوصول إلى معبر رفح، وتعرض بعضهم للاعتقال أو الترحيل، في حين نُظر إلى منع القافلة باعتباره مؤشراً على الفجوة العميقة بين الخطاب السياسي وممارسات الأمن على الأرض. وتدير الدبلوماسية المصرية معركتها الخاصة بين الضغوط الأميركية والتنسيق الأمني مع إسرائيل، والاعتبارات الشعبية التي تزداد احتقاناً، حيث وجدت الدولة المصرية نفسها في مواجهة اتهامات مزدوجة: من جهة "المزايدين"، كما تصفهم بعض أبواق السلطة، الذين يتهمون القاهرة بالتخاذل أو التواطؤ، ومن جهة أخرى جمهور عربي ودولي يرى في خطاب السفير المصري خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى ترجمة عملية لا تتوقف عند حدود الكلمات.
في سياق الرد على ذلك، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد حجازي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مصر دولة ذات مسؤولية إقليمية تتحرك دائماً من منطلق الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، وحماية الشعوب من الفتن والصراعات التي تغذيها السياسات اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وأضاف أن الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نشطة منذ اللحظة الأولى لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد حذّر الرئيس مبكراً من اتساع رقعة المواجهة وامتدادها لتشمل أطرافاً إقليمية متعددة، وهو ما نراه يتجلى اليوم في المواجهة الخطرة بين إسرائيل وإيران. ولفت حجازي إلى أن ما قدمته مصر لغزة من مساعدات إنسانية، والتي تُقدّر بنحو 80% من إجمالي المساعدات الواصلة للقطاع، يعكس حجم التزامها الأخلاقي والإنساني، فضلاً عن التحركات السياسية والدبلوماسية المستمرة على كافة المستويات سعياً لوقف إطلاق النار. وأكد أن من حق إيران، شأنها شأن باقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أن تمتلك برنامجاً نووياً سلمياً يتضمن دورة تخصيب كاملة للوقود النووي، طالما التزمت بنسب تخصيب لا تتجاوز 3 إلى 3.5%، ولا تشمل أي مكون عسكري، مشدداً على أن إيران أعلنت مراراً أنها لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية.
عصام عبد الشافي: البيانات مثل البيان العربي الإسلامي غالباً ما تكون للاستهلاك الإعلامي
البيان العربي الإسلامي
في المقابل، تعليقاً على الموقف المصري وجهود الدبلوماسية المصرية في إصدار البيان العربي الإسلامي، قال أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، إن البيان الجماعي الذي يندد بالقصف الإسرائيلي الذي استهدف إيران، يجب التعامل معه بحدود واقعية، بعيداً عن المبالغة أو التهويل. وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن مثل هذه البيانات غالباً ما تكون للاستهلاك الإعلامي، ولا تقدّم أو تؤخر في ميزان التحركات السياسية الحقيقية. وأضاف عبد الشافي أن هناك عشرات السوابق لبيانات مشابهة صدرت عن قمم عربية أو خليجية أو حتى إسلامية، لم تترتب عليها أي تحركات ملموسة، مما يجعل هذه التصريحات أقرب إلى "ذرّ الرماد في العيون"، لا تعكس تغيراً حقيقياً في السياسات أو التحالفات.
بدوره، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي، أن البيان الصادر عن عدد من الدول العربية والإسلامية بشأن إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران يُعد بياناً مهماً وقويّاً في مضمونه، لكنه شدّد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أن البيانات وحدها لا تكفي في مثل هذه اللحظات الفاصلة. وأضاف أن المطلوب اليوم هو الوقوف العملي إلى جانب إيران، ودعم صمودها في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية، التي لا يستبعد أن تتوسع في اعتداءاتها لتشمل ساحات إقليمية أخرى.

أخبار ذات صلة.
