
مع توسع الحرب السودانية بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، تواصلت المعارك بين الطرفين على عدد من الجبهات، خصوصاً تلك الواقعة في عمق الصحراء والقريبة من الحدود الدولية بين السودان ومصر وليبيا (المثلث الحدودي)، المنطقة الاستراتيجية التي تحولت إلى تهديد مباشر لمناطق أخرى بعد سيطرة "الدعم" عليها في 11 يونيو/حزيران الحالي. كما استمرت المعارك في ولاية جنوب كردفان بين الجيش والحركة الشعبية- شمال المتحالفة مع "الدعم"، وفي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي استعصى على المليشيا إسقاطها منذ بداية الحرب السودانية في 15 إبريل/نيسان 2023. في حين أصدرت "الدعم" تهديدات جديدة بمهاجمة ولايات الشمال، بعدما اقتربت منها لأول مرة بعد وصولها إلى منطقة المثلث الحدودي، في مؤشر خطير على مجريات الحرب.
معارك الصحراء
وتطورت حدة المعارك في منطقة الصحراء الواقعة بين ولاية شمال دارفور والولاية الشمالية في السودان، الأيام الماضية، مع سيطرة "الدعم" على المثلث الحدودي، ما أظهر مخاوف من تداعيات ذلك على الجيش السوداني من جهة، وعلى مصر من جهة أخرى. ووصلت "الدعم" إلى المثلث الحدودي بعد معارك ضارية انتهت بسحب الجيش السوداني قواته من المنطقة، الأسبوع الماضي. وقد أثارت سيطرة "الدعم" على منطقة المثلث مخاوف من تحوّل في الحرب السودانية المستمرة، خصوصاً بعد مساندة قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، "الدعم السريع" في الهجوم على المنطقة. واعتبرت الحكومة السودانية الهجوم "اعتداءً سافراً على سيادة السودان وتهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي".
دخلت "الدعم السريع" إلى منطقة كرب التوم بين الولاية الشمالية وولاية شمال دارفور
وفي تطور إضافي لمعارك الصحراء، دخلت "الدعم"، الاثنين الماضي، إلى منطقة كرب التوم الاستراتيجية الواقعة بين الولاية الشمالية وولاية شمال دارفور، إذ تقع المنطقة على طريق استراتيجي يربط بين الولايتين ومنطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلين من "الدعم" يعلنون سيطرتهم على المنطقة، فيما قال أحد المقاتلين في فيديو بثته المليشيات على تطبيق تليغرام إنهم استولوا على أسلحة وذخائر في الموقع، وسيتوجهون إلى الولاية الشمالية. وتقع كرب التوم غير السكنية، شمال غرب ولاية شمال دارفور في عمق الصحراء وعلى تخوم الولاية الشمالية، فيما تبعد نحو 530 كيلومتراً عن مدينة دنقلا عاصمة الولاية. وتُعد المنطقة نقطة وصل استراتيجية وتجارية بين إقليم دارفور وشمال السودان، وواقعة أيضاَ بالقرب من المثلث الحدودي الآخر بين السودان وليبيا (مع تشاد). كما تُشكل منفذاً برياً مهماً ونقطة تجمع للشاحنات القادمة من ليبيا، إذ تضم مركزاً جمركياً تابعاً للحكومة السودانية. وتربط المنطقة طرق برية بإقليمي دارفور وكردفان، وتبلغ المسافة بينها وبين مدينة الفاشر نحو 740 كليومتراً.
في اتجاه آخر اندلعت معارك بين الجيش السوداني والحركة الشعبية- شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو المتحالفة مع "الدعم"، في ولاية جنوب كردفان. وأعلن الجيش، في بيان أول من أمس الثلاثاء، أن الفرقة 14 مشاة التابعة له في مدينة كادوقلي عاصمة الولاية، تمكنت من صد هجوم للحركة الشعبية - الشمال استهدف محطة الدشول، مبيناً أن قواته دمرت المهاجمين واستلمت أسلحة وعربات قتالية وثلاث دبابات. وفي دارفور أعلنت "الدعم السريع"، أخيراً، حشد 15 قوة متحركة للدفع بها الى الخطوط الأمامية. وقال القائد الميداني في المليشيا، إدريس حسن، في خطاب أمام عدد من المقاتلين بمنطقة سرف عمرة في ولاية شمال دارفور، إنهم سيعملون على تنظيف كل الولاية الشمالية ومدن الأبيض وبابنوسة والفاشر. وأضاف أنهم يريدو الانتهاء من "العدو" من جذوره، ويعملون في الأيام المقبلة لتجهيز 13 قوة متحركة جديدة.
وكانت "الدعم السريع" قد شنت، الأحد الماضي، هجوماً ضخماً على مدينة الفاشر، واشتبكت مع الجيش والقوة المشتركة المساندة له، المكونة من حركات مسلحة موقعة على سلام مع الحكومة. وقال المتحدث باسم القوة العقيد أحمد حسين في بيان خلال اليوم ذاته، إن "الدعم" حاولت بقواتها المسماة "الكتيبة الاستراتيجية" اقتحام المدينة من الاتجاه الشرقي والشمالي الشرقي، مضيفاً أنهم تمكنوا من صد الهجوم العنيف والذي يعتبر الهجوم الـ214 على المدينة منذ اندلاع الحرب السودانية الأخيرة. وفي تقرير أمام مجلس حقوق الإنسان، أول من أمس، حذرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، من تصاعد حدّة الحرب السودانية. وقالت المتحدثة باسم اللجنة، منى رشماوي، إن "ما يجري في السودان ليس فقط أزمة إنسانية. هو أزمة الإنسانية بذاتها". ودعت البعثة المجتمع الدولي لتنفيذ حظر على الأسلحة وضمان مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، كما استعرضت أحدث النتائج التي توصلت إليها أمام المجلس في جنيف، مشيرة إلى أنها وثقّت تصاعداً في استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة بالسكان وارتفاعاً حاداً في العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي. وذكرت أن المساعدات الإنسانية تسُتخدم كسلاح وأن المستشفيات والمرافق الطبية تتعرض لحصار.
تطور ميداني في الحرب السودانية
في هذا الصدد رأى المحلل السياسي السوداني، صلاح مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "سيطرة الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي ومن ثم منطقة كرب التوم تعد تطوراً ميدانياً مهماً في سياق النزاع". وأضاف أن "وصول الدعم إلى كرب التوم يكشف أن هجومها على المثلث تم من داخل الأراضي الليبية وليس انطلاقاً من دارفور، وإلا لكان عليها المرور بـكرب التوم أولاً ثم الوصول إلى المثلث".
صلاح مصطفى: تطورات في معارك الصحراء تهدد بشكل أساسي مدينة الفاشر
وتشير هذه التحركات، وفق مصطفى، إلى "محاولة الدعم السريع الاستفادة من الدعم الذي تتلقاه من حفتر لبثّ تهديدات نحو ولايتي الشمالية ونهر النيل والسيطرة على خط الحدود السودانية الليبية التشادية"، معتبراً أن هذه "التطورات في معارك الصحراء تهدد بشكل أساسي مدينة الفاشر والتي يُتوقع أن تكثف عليها الدعم السريع الهجمات الأيام المقبلة بعد فتحها خطوط الإمداد من ليبيا". أما انسحاب الجيش والقوات المساندة له من هذه المواقع، فرأى مصطفى أنه يمثل "علامة استفهام كبيرة ربما تتضح دوافعها الأيام المقبلة". من جهته أشار المحلل العسكري السوداني، حسن إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العمليات العسكرية تركزت هذه الأيام في شمال دارفور وجنوب كردفان ومنطقة المثلث في الصحراء". ورأى أنه "من غير المتوقع أن تتوسع إلى مناطق أخرى لجهة أن الدعم السريع لم تعد قادرة على نقل المعارك إلى ولايات أخرى خارج إقليمي كردفان ودارفور". وأوضح أن ما تفعله المليشيا في منطقة المثلث الحدودي "هو محاولة مؤقتة لتأمين خطوط إمدادها من ليبيا"، مستبعداً أن تشكل خطراً حقيقياً على الولاية الشمالية.
حسن إبراهيم: استعادة السيطرة على الحدود السودانية الليبية لا تمثل تحدياً كبيراً للجيش
وتوقع إبراهيم أن تشن "الدعم السريع" هجمات في كردفان "لإبقاء الجيش في الإقليم ومنعه من التقدم نحو دارفور أو إرسال قوات إلى الصحراء لاستعادة المثلث الحدودي"، مؤكداً أن "الجيش لديه القدرة والاستراتيجية للتعامل مع محاولات الدعم السريع الهادفة لتشتيت مناطق المعارك، خصوصاً أنه مسنود بالقوة المشتركة للحركات والتي تجيد القتال في المناطق المفتوحة". وبرأيه فإن "استعادة السيطرة على الحدود السودانية الليبية لا تمثل تحدياً كبيراً للجيش، لأن قوات الدعم الموجودة في الصحراء تعتمد على الحركة المستمرة، وتعدادها لا يسمح لها بالتمركز لفترة طويلة".
