الشرع والسادات... بين الشعارات والواقعية
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

 

شهد تاريخ الشرق الأوسط، على مدى العقود الماضية، تحولات استراتيجية كبرى قادتها شخصيات بارزة امتلكت رؤية سياسية واقعية، استطاعت من خلالها إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية والدولية وفق أسس جديدة. من بين هذه الشخصيات يبرز الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، والرئيس المصري الراحل أنور السادات، اللذان تحولا من سياسة الشعارات الفارغة والأيديولوجيا المغلقة إلى سياسة براغماتية تقوم على التفاهم والتفاوض وإدراك طبيعة المصالح الدولية.

امتلك كل من الشرع والسادات وضوحًا في الرؤية، فأدركا أن التطور الحقيقي والازدهار الاقتصادي والنهضة العلمية مرتبطة بالتعاون مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية

أحمد الشرع، الرئيس السوري، خاض نضالاً طويلاً استمر لمدة خمسة عشر عاماً ضد نظام البعث الاستبدادي، محاولاً إنهاء حكم عائلة الأسد الذي أغرق البلاد في العزلة والفوضى والصراع الداخلي. لكن نجاحه في دخول دمشق لم يكن من خلال الحرب فقط، بل عبر استراتيجية تفاوضية معقدة اشتملت على تفاهمات دقيقة مع الروس، ومفاوضات شاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الواقع يعيد للأذهان بقوة تجربة الرئيس المصري أنور السادات، الذي اختار أيضاً طريق التفاوض بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، فنجح في استعادة سيناء عبر حربٍ محسوبةٍ تبعتها مفاوضات سياسية دقيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

ما يميز كلا الرجلين، الشرع والسادات، عمق فهمهما لطبيعة النظام الدولي، وإدراكهما الدقيق لتداخل المصالح الدولية والإقليمية، وتعقيدات توازنات القوى الكبرى. لقد أدركا جيداً أن السياسة الدولية ليست شعارات رنانة، بل عملية معقدة من التحالفات والتفاهمات والمفاوضات، وأحياناً المؤامرات والمقايضات التي تهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية العليا وحمايتها.

هذه الرؤية الواقعية ميزتهما بشكل واضح عن سلفيهما، جمال عبد الناصر وحافظ الأسد. فقد أغرق عبد الناصر العالم العربي في شعارات الوحدة العربية والقومية، دون أن يحقق أياً منها على أرض الواقع، بل على العكس، أسهمت سياساته في تعزيز الانقسام والصراعات الإقليمية، وألحقت الأذى بالدول العربية ومصالحها القومية. الأمر نفسه تكرر مع حافظ الأسد وابنه بشار، اللذين حوّلا سورية إلى بؤرة توتر وعزلة سياسية، وانخرطا في صراعات إقليمية أفقدت دمشق مكانتها العربية والدولية.

كذلك فإن عبد الناصر والأسد، لم يكتفيا فقط بشعاراتهما التي أثبتت فشلها، بل أطلقا تهديدات جوفاء ضد الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً، دون مبررات حقيقية أو استراتيجية فعالة. والأخطر من ذلك، أنهما حاربا بشراسة الدول العربية التي سعت لتطوير مجتمعاتها عبر التعاون مع الدول الغربية، باعتبارها "عميلة" أو متحالفة مع "الأعداء"، وهو ما تسبب في إضعاف فرص التنمية والاستقرار في المنطقة.

في المقابل، امتلك كل من الشرع والسادات وضوحاً في الرؤية، فأدركا أن التطور الحقيقي والازدهار الاقتصادي والنهضة العلمية، كلها عوامل مرتبطة بشكل وثيق بالتعاون مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، القوة العالمية الأكبر اقتصاديًا وعلميًا. ونتيجةً لذلك، قرر السادات التخلي عن توجهه اليساري الذي لم يجلب سوى الفقر والجمود الفكري والاجتماعي للشعب المصري، كذلك تخلى الشرع عن خطاب الجهاد العدائي الذي كان يستهدف به كل من خالفه أو اختلف معه سياسياً أو فكرياً، وانتقلا معاً إلى مرحلة من التعاون البنّاء، والبراغماتية السياسية، والتفاوض الفعال.

وبهذا الانتقال، أسس كلا الرجلين لمرحلة جديدة من السياسة العربية، تضع مصلحة الوطن فوق أي شعارات أيديولوجية، وتنظر إلى العلاقات الدولية من منطلق الواقعية السياسية. لقد قدما نموذجاً حقيقياً للقادة العرب في كيفية التعامل مع العالم المتقدم، بما يحقق التنمية والاستقرار الوطني، ويعزز المكانة الدولية لبلديهما.

يبقى أحمد الشرع وأنور السادات مثالين بارزين لزعماء عرب أدركوا بوضوح أن الشعارات الأيديولوجية الفارغة والتهديدات غير المدروسة ليست هي الطريق إلى النهضة والاستقرار. لقد انتقلا إلى الواقعية السياسية والتفاوض والتفاهم الاستراتيجي مع القوى العالمية الكبرى، وهو ما مكنهما من تحقيق مصالح شعوبهما، واستعادة الكرامة الوطنية، وفتح آفاق جديدة للتقدم والتنمية. إن هذا الدرس في السياسة الواقعية والبراغماتية ينبغي أن يكون مرشدًا للقادة العرب في المستقبل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية