
انطلقت بطولة مونديال الأندية 2025 في الولايات المتحدة الأميركية يوم 14 يونيو/حزيران 2025، حاملة معها نقلة نوعية في تاريخ البطولات الكروية، فهذه النسخة، التي يشارك فيها 32 فريقاً من مختلف القارات، تميزت بحجمها الكبير، وتنوع الفرق المشاركة، وجاذبيتها الجماهيرية والاقتصادية، ما جعلها من أكبر الفعاليات الرياضية التي استضافها العالم حتى الآن.
أرقام مذهلة وشغف جماهيري غير مسبوق
حتى الآن، نجح "فيفا" في بيع ما يقرب من 1.5 مليون تذكرة، وشهدت بعض المباريات حضوراً جماهيرياً ضخماً، إذ استقبل ملعب "Hard Rock Stadium" في ميامي نحو 60 ألف مشجع، بينما اجتمع في ملعب "Rose Bowl" ثمانون ألف متفرج لمتابعة مباراة باريس سان جيرمان وأتلتيكو مدريد. هذا الحضور الكبير يؤكد أن الكرة العالمية لا تزال تجذب الملايين من عشاقها، خاصة مع وجود نجوم لامعين وأندية عريقة. لكن، وعلى الرغم من هذه الأرقام الكبيرة، شهدت بعض المدن الأميركية حضوراً أقل من المتوقع، مثل أتلانتا التي لم تتجاوز جماهيرها 22 ألفاً في ملعب يتسع لـ 71 ألفاً، الأمر الذي أثار تساؤلات حول العوامل المؤثرة على نسب الحضور، مثل توقيت المباريات وارتفاع أسعار التذاكر في بعض المدن.
مونديال الأندية منصة اقتصادية وسياحية ضخمة
تجاوز تأثير البطولة حدود الملاعب ليصل إلى القطاع الاقتصادي والسياحي. وفق تقارير صدرت أخيراً، استفادت المدن الأميركية المستضيفة من ارتفاع ملحوظ في أسعار الإقامة الفندقية، إذ سجلت مدن مثل فيلادلفيا وسياتل زيادة بنسبة تصل إلى 45% في تكلفة الغرف مقارنةً بالعام السابق. إضافة إلى ذلك، تشير البيانات إلى أن البطولة تساهم بشكل كبير في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل مؤقتة، ما يعزز من استعداد الولايات المتحدة لاستضافة كأس العالم 2026، التي ستشمل ثلاث دول أميركية شمالية.
جوائز مالية قياسية وتحفيز للأندية
في خطوة غير مسبوقة، أعلن "فيفا" عن تخصيص صندوق جوائز بقيمة مليار دولار، منها 125 مليون دولار مخصصة للفائز بالبطولة، كما خصص 250 مليون دولار أخرى لدعم الأندية المشاركة التي لم تصل إلى الأدوار النهائية، في إشارة واضحة إلى رغبة "فيفا" في تحقيق توازن اقتصادي بين فرق القارات المختلفة. هذا الدعم المالي الضخم يجعل من البطولة محطة استراتيجية للأندية التي تطمح لتعزيز مواردها المالية، وتحقيق مكاسب كبيرة من المشاركة.
تنوّع قاري وفوارق فنية
شهدت البطولة حضوراً مميزاً من نجوم مثل ليونيل ميسي، الذي أسهم في إشعال الحماس لدى جماهير إنتر ميامي، إذ جذبت مباراته الأولى نحو 61 ألف مشجع رغم غيابه عن التسجيل. هذه الظاهرة أطلقت عليها وسائل الإعلام العالمية اسم "Messi Mania"، ما يعكس قوة جذب الأسماء الكبيرة داخل أجواء البطولة. من جهة أخرى، برزت الفوارق الفنية بين الأندية، حيث حقق بايرن ميونخ فوزاً ساحقاً بنتيجة 10–0 على أوكلاند سيتي، وهو ما يعكس التفاوت الكبير بين مستويات بعض الفرق المشاركة، ويثير تساؤلات حول آليات التأهل والتوزيع القاري.
تحديات تنظيمية وحضور جماهيري متفاوت
رغم النجاح الكبير، لم تخلُ بطولة مونديال الأندية من تحديات تنظيمية، إذ أعرب مدرب تشلسي، أنزو ماريسكا، عن شعوره بغرابة الأجواء بسبب وجود مقاعد فارغة في بعض المباريات، ويعود ذلك جزئياً إلى توقيت بعض المباريات الذي جاء في فترة الظهيرة مع ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى سعر التذاكر المرتفع نسبياً. هذا التفاوت في الحضور يشير إلى ضرورة تطوير استراتيجيات تسويقية تلائم الثقافة الرياضية المحلية لكل مدينة، مع العمل على جذب جماهير محلية إضافة إلى الجمهور الدولي.
الضغط على اللاعبين وإدارة "فيفا"
واجهت الأندية واللاعبون تحديات كبيرة بسبب جدول المباريات المزدحم، الذي جاء متزامناً مع جولات الدوري المحلية والمنافسات الأخرى، وحذر خبراء كرويون، ومن ضمنهم أرسين فينغر، من مخاطر الإرهاق الجسدي والنفسي على اللاعبين، مؤكدين ضرورة تدخل فيفا لضبط مواعيد المباريات وتوفير فترات راحة كافية.
جمهور الترجي الرياضي التونسي: قصة ولاء وإبداع
لم تغب الجماهير العربية عن المشهد، حيث برز جمهور الترجي الرياضي التونسي كأحد أبرز الحضور الذين صنعوا الحدث في مدن مثل ميامي ونيويورك. آلاف المشجعين الذين لم يتوانوا عن السفر عبر القارات لدعم فريقهم، وأشعلوا المدرجات بأهازيجهم وأعلامهم، مؤكدين أن انتماء كرة القدم لا يعترف بالحدود الجغرافية. هذا الحضور العربي المتميز جذب انتباه وسائل الإعلام العالمية، وأبرز قوة الجماهير التونسية كرافعة رياضية وثقافية.
خلاصة: خطوة استراتيجية في تاريخ كرة القدم
بطولة مونديال الأندية 2025 في الولايات المتحدة ليست مجرد حدث كروي عابر، بل هي تحول جذري في مفهوم البطولات الدولية للأندية، تجمع بين الاستثمارات الضخمة، والاهتمام الإعلامي، والتفاعل الجماهيري المتنوع، وتطرح نموذجاً اقتصادياً متقدماً يربط بين الحاضرين على أرض الملعب وقواعد الجماهير حول العالم. تحديات مثل التفاوت في المستوى الفني، وضغوط الجدول الزمني، وتفاوت الحضور الجماهيري، ليست سوى محطات لتطوير مستقبل البطولة وضمان استدامتها كحدث كروي عالمي. بينما تتجه الأنظار الآن نحو كأس العالم 2026، تظل هذه النسخة في أميركا دليلاً على نجاح "فيفا" في دمج الرياضة في الاقتصاد والثقافة العالمية، وتأكيداً بأن كرة القدم لا تزال لغة تواصل عالمية تمتد أبعد من الملاعب.
