الحرب الإيرانية الإسرائيلية: الإعلام ساحة مواجهة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

منذ فجر 13 يونيو/حزيران الحالي، حين شنت إسرائيل عدواناً على إيران، إيذاناً ببدء أول مواجهة مباشرة بين الدولتين، اشتعلت جبهة أخرى لا تقل شراسة: جبهة الحرب على الرواية الإعلامية. ففي الوقت الذي تتساقط فيه الصواريخ على مواقع استراتيجية، تُفرض الرقابة والحصار على الصحافيين، وتُجرّم الروايات البديلة، ويُعاد تشكيل الفضاء الإعلامي في كل من إيران وإسرائيل.

إيران: ضبط الفضاء الرقمي

مع الساعات الأولى لبدء الضربات الإسرائيلية في 13 يونيو، سارعت السلطات الإيرانية إلى تفعيل بروتوكولات أمنية صارمة لضبط الفضاء الإعلامي. وأعلنت إيران، اليوم الأربعاء، توقيف خمسة أفراد قالت إنهم عملاء لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (موساد)، بتهمة "تشويه" صورة البلاد عبر الإنترنت. وكتبت وكالتا إيسنا وتسنيم للأنباء، نقلاً عن بيان للحرس الثوري، أن "هؤلاء المرتزقة من خلال نشاطاتهم المتعمدة في الفضاء السيبراني سعوا إلى إثارة قلق الرأي العام وتشويه صورة النظام المقدس في جمهورية إيران الإسلامية".

كما استدعت السلطة القضائية الإيرانية مديري عدد من الوكالات والمواقع الإخبارية والقنوات على "تليغرام" وصحافيين، فأنذرت بعضهم، واعتقلت البعض الآخر. ووفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية، فقد شمل ذلك وكالة إيسنا للأنباء، وموقعي دیده‌ بان إيران وعصر إيران، وقناة سلام على تطبيق تليغرام، وعدداً من الناشطين في الفضاء السيبراني، منهم مصطفى مهر آییان، ومطهره كونهاي، وصادق الحسیني، وعلي شريف زارجي، وعسل إسماعيل ‌زاده، وحسن أسدي لاري، وعطيه راد، وعلي طارمي، وعاطفه چهارمحاليان، وهادي طباخ ‌غر، وهادي كسائي ‌زاده. تلقّى بعضهم إنذارات رسمية، فيما فُتِحت تحقيقات قضائية بحق آخرين، كما اعتقل بعضهم بموجب أوامر قضائية. وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن مراسل صحيفة شرق، علي باكزاد، الذي كان في عداد المفقودين منذ الاثنين، أبلغ شقيقته عبر اتصال هاتفي عن اعتقاله، أثناء تغطيته الهجوم الإسرائيلي على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون صباح الاثنين في طهران، من دون توضيح الأسباب.

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، أصدر رئيس السلطة القضائية والنائب العام تعليمات مشددة للتصدي لمن يهددون "الأمن النفسي للمجتمع"، وأُنشئ مركز عمليات خاص في نيابة طهران لرصد الإعلام الإيراني ومنصات التواصل وتوفير الأمن العام. وأضافت السلطة القضائية، أمس الثلاثاء، في بيان جديد، أنها تراقب الإعلام والفضاء السيبراني بدقة، مؤكدة أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، أنشأت مقراً خاصاً في نيابة طهران لمتابعة الإعلام والمنصات الافتراضية وحماية أمن المجتمع. ويقوم هذا المركز بمتابعة دقيقة للأحداث الإعلامية والوكالات الرسمية، وتصنيف القضايا وتحويلها إلى النيابات المتخصصة بحسب الموضوع. وفي بيان آخر، أعلنت قيادة الأمن السيبراني الإيرانية حظر استخدام المسؤولين والمرافقين لهم لأي أجهزة متصلة بالشبكات الإلكترونية مثل الهواتف الذكية أو الساعات الذكية أو الحواسيب المحمولة طبقاً للتعليمات الصادرة عنها. ودعت القيادة السيبرانية المواطنين إلى تقليل استخدام الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وكشفت وسائل إعلام إيرانية عن انقطاع واسع للإنترنت في البلاد الثلاثاء، وأشارت صحيفة هم ميهن إلى أن "مستخدمي الإنترنت في عدّة محافظات يبلغون عن انقطاع واسع للشبكة". وبينت مجموعة مراقبة الإنترنت NetBlocks أن تحليلاً أجرته أظهر انخفاضاً بنسبة 75% في استخدام الإنترنت في جميع أنحاء البلاد الثلاثاء.

كما حثّ التلفزيون الرسمي الإيراني المواطنين على حذف تطبيق واتساب من هواتفهم الذكية، مدعياً أن التطبيق جمع معلومات المستخدمين لإرسالها إلى إسرائيل. لكن "واتساب" أعربت الثلاثاء عن "قلقها" من عدم توفر التطبيق في إيران. وقال متحدث باسمها في بيان لشبكة سي بي إس نيوز الأميركية: "نشعر بالقلق من أن تكون هذه التقارير الكاذبة ذريعة لحظر خدماتنا في وقتٍ يحتاجها الناس بشدة. جميع الرسائل التي ترسلونها إلى العائلة والأصدقاء عبر واتساب مشفرة من البداية إلى النهاية، ما يعني أنه لا يمكن لأحد سوى المرسل والمستقبل الوصول إليها، ولا حتى واتساب نفسها". وأضاف: "لا نتتبع موقعكم الدقيق، ولا نحتفظ بسجلات لمن يراسلونكم، ولا نتتبع الرسائل الشخصية التي يرسلها الناس لبعضهم البعض. لا نقدم معلوماتٍ شاملة لأي حكومة". ومع ذلك، فلا بد من الإشارة إلى أن منصة واتساب ليست منيعة تماماً؛ الشهر الماضي، أُمرت شركة الهايتك والبرمجية الإسرائيلية "إن إس أو" بدفع 167 مليون دولار لشركة واتساب، لاختراقها حسابات 1400 شخص، بينهم ناشطون وصحافيون، عام 2019. وتضمنت عملية الاختراق استخدام برمجية التجسس بيغاسوس التي يُمكن تثبيتها عن بُعد على الهواتف المحمولة للوصول إلى ميكروفونات المستخدمين وكاميراتهم وإعدادات موقعهم عبر نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس".

في المقابل، احتل التلفزيون الرسمي الإيراني موقع القيادة في صناعة الخطاب. ورُوّجت صورة المذيعة سحر إمامي التي استكملت البث من استوديو بديل بعد تدمير الاستوديو الأصلي نتيجة قصف إسرائيلي صباح الاثنين الماضي أسفر عن سقوط 3 قتلى، بوصفها رمزاً للصمود الإعلامي. وأقامت الحكومة الإيرانية جدارية ضخمة وسط طهران لمقدمة البرامج التي أصبحت نجمة على الإنترنت. كما بات تصرّفها مدعاة فخر للقناة الرسمية التي أعادت مرّات عدّة بثّ المقطع الذي تظهر فيه أمام الكاميرا أثناء الهجوم على التلفزيون. كذلك، استُخدم هذا المقطع للسخرية من مراسل في إسرائيل لقناة إيران إنترناشونال المعارضة للسلطات في طهران، وتتخذ من لندن مقراً. وظهر المراسل وهو يهرب أثناء البث المباشر بحثاً عن ملجأ قبل ضربة إيرانية.

إسرائيل: رقابة عسكرية وتمييز ضد الصحافيين العرب

في الجانب الإسرائيلي، لم تكن الإجراءات أقل صرامة. فالرقابة العسكرية التي تشرف عليها وحدة خاصة من شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي باتت أكثر تشدداً منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ يُطلب من الصحف ووكالات الأنباء المحلية والدولية إرسال المواد الحساسة للموافقة المسبقة قبل النشر. وكالعادة، تتكتم إسرائيل على خسائرها البشرية والمادية على جبهات القتال، وتمنع نشر لقطات توثق الضربات، واعتبرت الجبهة الداخلية التابعة للجيش أن نشر فيديوهات لتلك المواقع يعد "مساعدة للعدو (إيران) في خضم القتال".

الشرطة الإسرائيلية داهمت، مساء الاثنين، غرفاً في فندق لصحافيين عرب في حيفا وصادرت معداتهم، ثم قالت إنها فتحت تحقيقاً ضد أشخاص صوروا منطقة ميناء حيفا، بعد استهدافها بصواريخ إيرانية، في إطار التعتيم الإعلامي الذي تفرضه البلاد على المواقع المستهدفة خلال الضربات الإيرانية الأخيرة. وأضافت الشرطة، في بيان نشرته على منصة إكس، أنها فتحت تحقيقاً "بعد بلاغ عن أشخاص صوّروا من شرفة فندق باتجاه ميناء حيفا، وذلك تماشياً مع سياسة عدم التسامح التي يقودها وزير الأمن القومي والمفتش العام للشرطة". وأوضحت أنها صادرت "معدات التصوير" الخاصة بالمشتبه بهم بعد استدعائهم للتحقيق. وأشارت إلى أنها حولت تفاصيل القضية إلى "جهاز الأمن العام لفحص شبهات أمنية".

 

كما دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الاثنين، جهاز الأمن العام (شاباك) إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع القنوات الأجنبية من البث المباشر لأماكن سقوط الصواريخ الإيرانية، بدعوى أن ذلك يعرّض أمن الدولة للخطر. وقال بن غفير، في رسالة وجهها إلى القائم بأعمال رئيس "الشاباك"، إن "بعض وسائل الإعلام الأجنبية تبث بشكل مباشر من مواقع سقوط الصواريخ، رغم الحظر الصريح على ذلك، وهو ما يساعد العدو في تحسين دقة هجماته". ولا تسمح الرقابة الإسرائيلية بنشر اسم نائب رئيس "شاباك" بسبب حساسية موقعه. الوزير اليميني المتطرف طالب جهاز الشاباك باستخدام صلاحياته القانونية لمنع هذا البث، مدعياً أن ذلك يعتبر "مخالفة أمنية جسيمة، وتنتهك تعليمات الرقابة، وتعرّض أمن دولة إسرائيل ومواطنيها للخطر". وكانت الحكومة الإسرائيلية، بدفع من وزير الأمن القومي، شرعت في اعتماد قانون جديد يُجرّم "استهلاك مواد إرهابية أو نشرها"، ما فُسِّر على نطاق واسع أداةً جديدةً لتقييد الصحافة المستقلة والمعارضة، ولا سيما بعد ملاحقة صحافيين يساريين اتُّهموا بـ"نشر روايات معادية للدولة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية