
منذ فجر أول من أمس الاثنين، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مخيم عسكر الجديد، شرقي نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، في عمليات عسكرية أصبحت روتينية في مختلف مناطق الضفة، تستغرق من ساعات إلى أيام. أما هدفها فهو تطبيع وجود جيش الاحتلال بين الفلسطينيين في المدن والقرى والمخيمات، دون أي أهداف عسكرية محددة، مثل اغتيال "مطلوبين" أو اعتقالهم كما تدرج عادة الاحتلال في السنوات الماضية.
ويأتي اقتحام مخيم عسكر الجديد، بالتوازي مع مواصلة قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة ضد ثلاثة مخيمات في شمالي الضفة الغربية، جنين وطولكرم ونور شمس، حيث يتواصل العدوان ضد مخيم جنين منذ 149 يوماً، و142 يوماً في مخيم طولكرم، و129 يوماً في مخيم نور شمس. وأدى العدوان على تلك المخيمات إلى نزوح نحو 47 ألف فلسطيني، وهدم أكثر من ألف بناية، واستشهاد العشرات. ومنذ بدء العدوان على المخيمات انطلاقاً من مخيم جنين في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، شهدت مخيمات الضفة الغربية وبعض البلدات والمدن عدواناً يستمر بين ساعات إلى أيام، وسط مداهمات للمنازل وتحقيقات ميدانية واعتقالات.
اقتحام مخيم عسكر الجديد
ويخضع مخيم عسكر الجديد لعملية اقتحام إسرائيلية واسعة، وسط إغلاق المخيم ومنع الدخول والخروج منه، ومداهمة مئات المنازل وتخريبها عبر عمليات تفتيش وحشية، دون أن تسفر العملية عن اعتقال أي "مطلوبين". وفي محاكاة لما نفذه الاحتلال في البلدة القديمة في نابلس، قبل أسبوع، وفي بلدة عزون شرقي قلقيلية، شمالي الضفة الغربية، قبل يومين، وقبلها في مخيم بلاطة شرقي نابلس، وغيرها من البلدات والمخيمات الفلسطينية، تقوم فرق عسكرية من مئات الجنود بعملية الاقتحام، ومداهمة المنازل وتفتيشها وتخريبها، وتجميع الشبان الفلسطينيين في مكان عام وإخضاعهم لتحقيق ميداني مهين. كل ذلك قبل أن تنهي القوات الإسرائيلية العملية العسكرية دون أن يعرف أحد لماذا بدأت وماذا حققت من إنجازات للاحتلال.
محمد أبو كشك: هدد الاحتلال طواقم الإسعاف التي دخلت المخيم لإحضار الخبز وحليب الأطفال
يقول رئيس اللجنة الشعبية التابعة لمنظمة التحرير في مخيم عسكر، محمد أبو كشك، لـ"العربي الجديد"، إن العملية في مخيم عسكر الجديد "بدأت منذ فجر الاثنين، ومستمرة حتى صباح (اليوم) الأربعاء، أي لمدة 48 ساعة، حسب ما أبلغنا به الارتباط الفلسطيني الذي تواصلت معه بصفتي الرسمية". ويضيف أنه بحسب الارتباط "لا يوجد منع تجول في المخيم، ما يعني أنه لا داعي للتنسيق لإدخال الطعام والدواء"، لافتاً إلى أنه "رغم ذلك هدد الاحتلال طواقم الإسعاف التي دخلت المخيم لإحضار الخبز وحليب الأطفال". ووفق أبو كشك، أخلى الاحتلال حتى الآن سبعة منازل وطرد العائلات منها إما إلى داخل مخيم عسكر الجديد أو خارجه، وحوّلها إلى نقاط عسكرية. يأتي ذلك إلى جانب تحويل مقر اللجنة الشعبية لمنظمة التحرير إلى مركز تحقيق، حيث تم تجميع مئات الشبان والرجال من جميع الأعمار والتحقيق ميدانياً معهم.
ما يعيشه مخيم عسكر الجديد حالياً، وفق أبو كشك، هو "حملة وحشية لتفتيش البيوت وما يرافق ذلك من صراخ وقنابل غاز وصوت، وتوجيه الشتائم للناس بشكل مهين، وتكسير محتويات المنازل وسرقة ما يمكن سرقته". ويضيف أن "من يناقش (الأوامر) من الأهل يتعرض للضرب المبرح، حيث تم تسجيل تعرض عائلة للضرب المبرح من رجال ونساء، إلى جانب فتح الاحتلال للمحال التجارية في الشارع الرئيسي للمخيم وتركها مفتوحة في إجراء انتقامي".
وتشير التقديرات، حسب أبو كشك، إلى وجود ثلاث فرق من جيش الاحتلال بأعداد تفوق الـ500 جندي، تسيطر على مخيم عسكر الجديد الذي يبلغ عدد سكانه من اللاجئين نحو 6500 نسمة، يعيشون على مساحته التي لا تتجاوز كيلومتراً مربعاً واحداً. ويقول إن "جنود الاحتلال يصادرون الهواتف النقالة من البيوت، ويدخلون إلى مجموعات السوشال ميديا المحلية للتحدث مع الناس من خلالها، إلى جانب رمي الهواتف المصادرة من البيوت بعيداً أو إتلافها". ومن الملاحظ أن الاحتلال لم يعمد إلى استخدام الرصاص منذ بداية عمليته في مخيم عسكر الجديد. ويعلق أبو كشك على ذلك بالقول إن "الهدف من العملية هو تخويف الناس وإيصال رسالة أن الاحتلال هو الذي بات مسؤولاً عن المخيم أمنياً ويسيطر عليه لكسر شوكته وترويضه".
محمود المدني: الاحتلال يريد ترويع أهالي مخيم عسكر الجديد كونه يطل على طريق يستخدمه جنوده
ويأتي اقتحام مخيم عسكر الجديد بعد أيام من حملة اعتقالات واسعة شنها الاحتلال في المخيم نفسه، شملت أكثر من 17 شاباً أعمارهم تتراوح ما بين 15 إلى 18 عاماً، وفق اللجنة الشعبية للمخيم. ويوضح أمين سر حركة فتح، في مخيم عسكر الجديد، محمود المدني، لـ"العربي الجديد"، أن العائلات التي لديها شهيد أو أسير تتعرض لتنكيل أكبر، من قبل جيش الاحتلال. ويقول المدني إن "هناك عائلة تعرّض أفرادها من الأب والأم والإخوة إلى الضرب المبرح لأن الجنود سألوا عن ابنهم وهو فتى في الـ15 من العمر ولم يكن موجوداً في المنزل". وبرأيه فإن "الاحتلال يريد ترويع أهالي المخيم، لأنه موجود على تلة تطل على شارع التفافي يستخدمه جيش الاحتلال بشكل يومي في طريقه للحواجز العسكرية إلى الأغوار الفلسطينية، وبالتالي يريد أن يكون هذا الشارع آمناً بالنسبة لقواته". وبحسب المدني "قتل جنود الاحتلال خمسة أطفال على (تلة عسكر) منذ العام الماضي، لأنه لا يريد أن يرى أي فلسطيني على التلة التي تشرف على الشارع الالتفافي".
أهداف عسكرية في الضفة الغربية
أما الخبير الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، عزام أبو العدس، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عمليات اقتحام الاحتلال المتواصلة للقرى والبلدات والمخيمات ذات أهداف ميدانية وعسكرية وسياسية. ويوضح أن "هناك هدفا ميدانيا تحققه إسرائيل من هذه الاقتحامات المتواصلة، وهو تدريب جنود الاحتلال على الوجود المستمر بين المواطنين الفلسطينيين، وكسر حاجز الرهبة منهم، وتحديداً جنود الاحتياط والمجندين الجدد".
الهدف الآخر، وفق أبو العدس، يتمثل "في المرحلة المقبلة التي تجمع كل المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على أنها مرحلة السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وضمها، وبالتالي ستنتقل الصلاحيات الأمنية من السلطة (الفلسطينية) إلى الاحتلال بعد تفكيك السلطة وتحويلها إلى بلديات". ويقول إن المطلوب من الجنود الإسرائيليين أن "يتعودوا على هذا الواقع، وأن يصبح وجود الجنود بين الفلسطينيين لفترات طويلة مسألة عادية، لا تشكل أي تهديد أو تحدٍ للاحتلال". وبرأي أبو العدس فإن هناك هدفاً آخر من المداهمة العشوائية والمنتظمة للبيوت الفلسطينية، وهو "جمع كل قطعة سلاح يمكن الحصول عليها، لأن الاحتلال يدرك أن ما يقوم به في الضفة الغربية والداخل (المحتل عام 1948) والقدس ربما يؤدي إلى انفجار". كما يدرك أن "المجتمع الأعزل هو مجتمع فاقد لكل أدوات التغيير والدفاع عن النفس".
عزام أبو العدس: يسعى الاحتلال لتحقيق هدف "صفر رصاصة" في المجتمع الفلسطيني
لذلك يتوقع الاحتلال في المرحلة المقبلة، بحسب أبو العدس، أنه حتى السلاح المتوفر "والذي لا يتبع فصيلاً مقاوماً، قد يخرج للمواجهة بسبب ما يمكن أن يحدث"، لذلك يجب، وفق الاحتلال، أن يكون المجتمع الفلسطيني لديه "صفر رصاصة"، أي خالٍ تماماً من السلاح والذخيرة. ويوضح أن "الضفة الغربية هي قلب مشروع إسرائيل الكبرى وهي العمق الاستراتيجي لإسرائيل"، بالتالي "فبعد ما فعلت إسرائيل في قطاع غزة من إبادة وتدمير وتجويع، لماذا ستتوقف عند الضفة الغربية؟". في غضون نقل المدون الفلسطيني والمختص بالشأن الإسرائيلي، محمد دراغمة "أبو علان"، في وقت سابق، أن مراسل قناة كان العبرية، ايتي بلومنتال، كان برفقة قوات الاحتلال في اقتحام مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، في التاسع والعاشر من الشهر الحالي. ونقل الصحافي الإسرائيلي عن أحد ضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن "هدف العملية العسكرية في نابلس جزء من العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية للحفاظ على حرية حركتنا، بمعنى أن لا يتشكل واقع ما لا يمكننا الدخول إليه متى أردنا".
