التحشيد العسكري الأميركي... إقامة تطول بالمنطقة لدعم حرب إسرائيل
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

ليس البحث عن حجم التحشيد العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بالأمر السهل. وللوهلة الأولى، يُعتقد أن ما أجرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) منذ ذلك التاريخ، هو مجرد حركة تبديل عدد محدود من حاملات طائرات في مياه البحر الأبيض المتوسط، أو زيادة حاملة استدعيت على عجل من مياه المحيطين الهادئ والهندي، حيث تنشط البحرية الأميركية لردع الصين. وقد يكون مهماً لدافعي الضرائب من الأميركيين، معرفة الأرقام الحقيقية التي لم تكشف بالكامل بعد، عن تكلفة  التحشيد العسكري الأميركي في المنطقة، منذ ذلك التاريخ، وأنه ليس "دفاعياً" أو "ردعياً" بحتاً، كما يردّد البنتاغون، خصوصاً اليوم، مع ارتفاع منسوب القلق مجدداً، من توسع العدوان الإسرائيلي على إيران، واحتمال انخراط الولايات المتحدة فيه بشكل مباشر. في المختصر، منذ 7 أكتوبر 2023، يمكن استنتاج أن استراتيجية استعراض القوة، والتصميم الأميركي على دعم كل الحملات العسكرية التي شنّتها إسرائيل في المنطقة ولا تزال، كان حاضراً منذ اللحظة الأولى لهجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، وامتد ذلك لعدوان إسرائيل على لبنان، وضرب جماعة الحوثيين في اليمن، وصدّ هجمات الفصائل العراقية التي "ساندت" غزة، من دون الحديث عن التحشيد العسكري الأميركي الحاصل اليوم، والذي تواصل الإدارة الأميركية وصفه بـ"الدفاعي". انخراط مباشر وغير مباشر أميركي في حروب الشرق الأوسط الجديدة، بغطاء "دفاعي"، يأخذ استراتيجية "السلام من خلال القوة" الأميركية اليوم، إلى منعطف جديد، توجه فيه رسائل عسكرية أميركية غير مباشرة إلى تركيا وروسيا والصين، في تحشيد عسكري أميركي قد يكون من الأكبر منذ عقود، فيما تستفيد منه في المدى القصير هذه الدول، لمراقبة الديناميات العسكرية الجديدة في الصراعات واسعة النطاق.

التحشيد العسكري الأميركي بغطاء "دفاعي"

وأعلن البنتاغون، أول من أمس الاثنين، توجيه حاملة الطائرات "يو أس أس نيميتز" من بحر الصين الجنوبي إلى منطقة الشرق الأوسط، بالتزامن مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران. وأكد مسؤول في البنتاغون، أن مجموعة الهجوم المرتبطة بحاملة الطائرات "نيميتز" جرى توجيهها بالفعل نحو الشرق الأوسط. وتعدّ "نيميتز" أقدم حاملة طائرات في الأسطول الأميركي، وأوضح المسؤول الذي تناقلت تصريحاته وسائل الإعلام الأميركية، أن الحاملة التي كان من المنتظر أن تتوجه إلى مهمتها المقررة في فيتنام، غادرت بحر الصين الجنوبي وهي في طريقها إلى الشرق الأوسط، دون الكشف عن مهمتها.

أبقت إدارة بايدن على حاملة طائرات واحدة أو اثنتين غالباً

ويناقش المسؤولون الأميركيون، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، مطلباً إسرائيلياً بالانخراط في العدوان على إيران، وأول ذلك، ضرب منشأة فوردو النووية، المحصنة جيداً في الجبال جنوب غرب طهران، فيما يسيل لعاب دولة الاحتلال، كما يبدو، لإسقاط النظام الإيراني. ويقدم ترامب أجوبة متضاربة في كل ما يتعلق بالملف الإيراني، وقال أمس الثلاثاء، إنه يريد حلاً طويل الأمد وحقيقياً للصراع، ما يفتح الأزمة على جميع الاحتمالات، أخذاً بالاعتبار النيّات الإسرائيلية التوسعية التي تريد حلاً على مقاس مطامع دولة الاحتلال. لكن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، أكد أول من أمس، أن ترامب لا يزال متمسكاً بالتفاوض مع طهران، وأن إرسال الحاملة "نيميتز" هو لأغراض دفاعية، ولحماية المصالح والقواعد والجنود الأميركيين في المنطقة. وقال هيغسيث لشبكة فوكس نيوز، إن الولايات المتحدة ستحمي وجودها العسكري والدبلوماسي في الشرق الأوسط بزيادة التحشيد العسكري الأميركي ونشر "قدرات إضافية"، مضيفاً "نحن على أهبة الاستعداد، وقد أكدنا منذ البداية أننا موجودون بهذه المنطقة لحماية مواطنينا وقواتنا"، وهو ما أكده في منشور على إكس، حيث كتب أن "حماية قواتنا أولوية قصوى، وعملية الانتشار الجارية هدفها تعزيز موقعنا الدفاعي في المنطقة".

وجاء استقدام الحاملة "نيميتز" إلى المنطقة، مع كشف مسؤولين أميركيين أول من أمس، لوكالات الأنباء العالمية، أن الجيش الأميركي نقل عدداً كبيراً من طائرات التزود بالوقود إلى أوروبا لتوفير خيارات لترامب مع تصاعد التوتر مع إيران. ويجري الحديث هنا عن حوالي 24 طائرة للتزود بالوقود، وهي خليط من طائرات "بوينغ كيه سي 46" العسكرية المصممة لنقل المعدات العسكرية وللتزويد بالوقود جواً، و"كي سي 135 ستراتوتانكر"، من بوينغ أيضاً. هذه الطائرات جرى نشرها في قاعدة مورون الجوية في إسبانيا، وفي قاعدة رامستين بألمانيا، وفي قواعد أميركية أخرى في القارة الأوروبية، بحسب بيانات مواقع متابعة حركة الطيران العالمية. وأكد مسؤولون في البنتاغون إن هذه الخطوة هدفها منح ترامب "مرونة في اتخاذ القرار". وبحسب بيانات التتبع، فإن هذه الطائرات لم يظهر بعد أنها تتحرك للانتقال إلى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، علماً أن البنتاغون كان قد أرسل قبل الحرب ما لا يقل عن ست قاذفات بي 2، من أسطول قاذفات الشبح، إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، ثم عاد ليدعمها بقاذفات بي 52، فيما عدّ رسالة إلى إيران.

وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قد أكد أول من أمس، في مقابلة مع شبكة "آي بي سي"، أن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل في صدّ الصواريخ الإيرانية التي تستهدف الأراضي المحتلة، لكنه ترك الأمر لترامب، لاتخاذ قرار في ما إذا كانت واشنطن ترغب في الذهاب أكثر من ذلك والانخراط مباشرة في الحرب، حيث إن معظم التحليلات تجمع على أن مهمة إنهاء البرنامج النووي تحتاج إلى استثمار أكبر في الجهد العسكري، والانخراط الأميركي المباشر، لضرب المواقع النووية الإيرانية بالقنابل الخارقة للتحصينات من طراز "جي بي يو 57"، القادرة على اختراق 60 متراً من الخرسانة تحت الأرض، وأهمها منشأة فوردو، التي تريد إسرائيل أن يكون ضربها تتويجاً لحربها على إيران (بحسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية قبل أيام، فإن فوردو قد تستعصي حتى على هذا النوع من القنابل).

وأكد نتنياهو أن الطيّارين الحربيين الأميركيين في المنطقة، يعملون على إسقاط المسيّرات الإيرانية الموجهة إلى إسرائيل، مذكّراً بأن دولة الاحتلال لديها بطاريتان من منظومة "ثاد" الأميركية للدفاع الجوي المضادة للصواريخ، كما أن لدى إسرائيل، وفق قوله، سفناً مزودة بأنظمة أيجيس المضادة للصواريخ، وهي أنظمة أمنية ضد الصواريخ الباليستية، وتشكّل جزءاً من مشروع الدرع الصاروخي الأميركية. وكانت إدارة جو بايدن قد قدّمت دعماً مماثلاً لإسرائيل خلال المواجهتين القصيرتين بين إيران وإسرائيل العام الماضي، في إبريل/ نيسان وأكتوبر 2024.

من "لينكولن" إلى "نيميتز"

وينشر البنتاغون مجموعة ضخمة من القدرات الدفاعية في المنطقة، حالياً، بما فيها حاملة الطائرات "يو أس أس كارل فينسون"، الموجودة في بحر العرب، مع الطراد الصاروخي الموجه "يو أس أس برنستون"، والمدمرات "يو أس أس ميليوس"، و"يو أس أس ستيريت"، و"يو أس أس وأين إي ميير". وكانت "كارل فنسون" قد بدأت العمل في مياه الشرق الأوسط، في منتصف إبريل الماضي، بعد انتهاء جولة أولى من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وكان الجيش الأميركي قد ضرب جماعة الحوثيين في اليمن، في حملة مكثفة أطلقها ترامب في منتصف مارس/ آذار الماضي، قبل أن يعلن في مايو/أيار الماضي عن التوصل إلى صفقة مع الحوثيين وإنهاء الحملة، بعد الاتفاق على عدم ضرب الجماعة اليمنية السفن الأميركية في المنطقة. وحينها، خرجت تسريبات بأن الصفقة تمّت بتسهيل إيراني، للدفع قدماً بالمفاوضات النووية. واليوم، يزداد التحشيد العسكري الأميركي حيث هناك أيضاً مدمرتان أميركيتان إضافيتان، في البحر الأحمر، هما "يو أس أس تروكستون" و"فوريست شيرمان"، علماً أن المقاتلة الساحلية "كانبيرا" كانت قد رست في مياه البحرين في شهر مايو/أيار الماضي. وتضع القيادة الوسطى الأميركية، بعض تحركات البحرية، في إطار استبدالات روتينية، وللبحرية الأميركية حالياً مدمرات إضافية، هي "سوليفانز" و"آرليغ بورك" و"توماس هادنر"، التي كانت متمركزة في شرق المتوسط مع بدء الضربات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو/ حزيران الحالي. وبحسب موقع "تاسك أند بربوز" العسكري، في 15 يونيو، فإن "هادنر" كانت في مهمة بمياه الأطلسي، للمشاركة في مناورات مع الحلفاء، قبل استدعائها أخيراً للمنطقة، وهي شاركت فعلاً في أولى مهمات اعتراض الصواريخ الحوثية، مع بداية "إسناد" الحوثيين لغزة في المراحل الأولى من الحرب على غزة.

ليس أكيداً أن قنابل" جي بي يو 57" قادرة على تدمير "فوردو"

وكان تقرير لجامعة براون الأميركية، قد قدّر تكلفة التحشيد العسكري الأميركي والمشاركة الأميركية إلى جانب إسرائيل في الصراع منذ 7 أكتوبر 2023، ولمدة عام، أي حتى 7 أكتوبر 2024، بـ22 مليار دولار، بما يشمل الضربات على الحوثيين حتى ذلك التاريخ، والتي كانت تجري في عهد بايدن بمساندة بريطانية.

وبين أكتوبر 2023، ونوفمبر 2024، أبقت إدارة بايدن على حاملة طائرات واحدة، وأحياناً اثنتين، في مياه الشرق الأوسط، ومرتين من دون أي حاملة، ففي نوفمبر الماضي غادرت حاملة الطائرات "يو أس أس لينكولن" المياه الإقليمية، بعد دخولها منطقة الأسطول السابع، تاركة الشرق الأوسط من دون حاملة طائرات للمرة الثانية فقط، خلال أكثر من عام منذ بدء الحرب. وجرى ذلك وفقاً للأحداث المتصاعدة وتقييم المخاطر، ولدى مغادرة "لينكولن"، روّج الحوثيون بأن استهدافهم لها أحد أسباب المغادرة. وعندما تغادر الحاملات، يعتمد التركيز الردعي على المدمرات البحرية، وقنابل الـ"بي 52"، والمقاتلات الجوية الموجودة على الأرض.

فمثلاً لدى اغتيال الاحتلال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، في نهاية يوليو/ تموز 2024، حركّت الولايات المتحدة مقاتلتها الشبحية "أف 22 رابتور" إلى المنطقة، كما أرسلت حاملة الطائرات الهجومية "أبراهام لينكولن"، بالإضافة إلى الغواصة "يو أس أس جورجيا"، التي تستعمل عادة لحماية غواصات أخرى، لكنها تستخدم أيضاً في مهام استطلاع وتجسس. وقال البنتاغون إنه أرسل الغواصة ردعاً لأي هجوم محتمل من قبل إيران رداً على اغتيال هنية على أراضيها. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، في 5 نوفمبر الماضي، فإن الصراع المفتوح في المنطقة بما يشمل التحشيد العسكري الأميركي المكثّف بدأ يتعب البنتاغون، وسط فراغ جيو-ستراتيجي يتركه الوجود الأميركي المكثف في المنطقة، في منطقة الهادئ والهندي. وبحسب الصحيفة في ذلك الحين، فإن البنتاغون يواجه أيضاً نقصاً في الذخائر الأساسية مع استمرار استهداف الحوثيين، كما أن الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين إقرارهم بأنهم يواجهون معضلة في توزيع أنظمة الدفاع الجوي لحماية مصالحهم ومصالح حلفائهم في أوروبا. وكان البنتاغون منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب في غزة، قد أمر بتمديد مكوث حاملة الطائرات "يو أس أس جيرارد فورد" في المياه الإقليمية، وسط خشية من دخول حزب الله اللبناني، على خط الصراع، مع إرسال حاملة أخرى هي "داويت أيزنهاور".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية