هناك مثل جزائري يقول: "اذا بدأ حلق رأس صديقك، عليك أن تبلل شعرك استعداداً للحلق". والحق أن عواصم أخرى في المنطقة، بدأت تتحسس رأسها ووضعها، في أعقاب المواجهة القائمة بين إيران وإسرائيل مطلقة اليد والمدعومة غربياً. لعل العميد المتقاعد في الجيش الأميركي دوغلاس ماكغريغور، عبر عن ذلك بشكل أوضح، حين قال، أخيراً، "لو كنت في موسكو أو بكين أو أنقرة، ورأيت ما يحدث (مع إيران)، فتفكر في أنك إذا لم تدعمهم فستكون أنت التالي".
تدرك العواصم تلك، وفي المنطقة العربية والإسلامية على وجه خاص، كإسلام أباد وأنقرة والجزائر، ممن لا تتماهى مع المشروع التوسعي لإسرائيل وحلفائها الغربيين، أو تلك الأكثر نشاطاً في رفض الاستحقاقات السياسية لهذا المشروع، أنها ستكون التالية على أجندة إعادة هندسة المنطقة وفقاً للمصالح الإسرائيلية والغربية.
وهذه الهندسة لا تأخذ في الحسبان شفاعة أي رصيد سابق من التعاون مع واشنطن وشركائها في مراحل ماضية، ذلك أن طهران نفسها التي ساعدت بشكل مباشر أو غير مباشر، على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وإسقاط نظام صدام حسين، وتسلمت العراق من أميركا في وقت لاحق عبر ملاحقها السياسية، نفسها لم يشفع لها ذلك، لتكون خارج هذه الهندسة، طالما تصر طهران على أن تكون طرفاً لا ظهيراً في ذلك. كما لم لن يكون إسناد باكستان (التي تملك السلاح النووي) للقوات الأميركية خلال غزوها أفغانستان وفي ملاحقة تنظيم القاعدة، محل شفاعة. ويمكن قراءة المناوشات التي حدثت قبل فترة مع الهند، بأنها كانت اختباراً ضرورياً لباكستان، عبر شريك كبير لإسرائيل، الهند.
السرعة التي تتغير بها المواقف والخرائط والتحالفات في العالم، والانهيار الكامل لمنظومة القانون الدولي ومؤسساته، وهشاشة العلاقات الدولية، يعزز هذا الاتجاه، حتى وإن كان فرض التصورات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، ليست قدراً محتوماً بحد ذاته، وهو مرهون بأوضاع ومتغيرات أخرى، وبمدى استباقية حمائية للدول المعنية -نظرياً- بالاستهداف في المستقبل.
ليست واضحةً مآلات هذه المواجهة القائمة بين إيران واسرائيل، رهناً بالتطورات المقبلة، غير أنها تلقي ابتداء بحزمة سريعة من الدروس المبكرة، منها ما يتعلق بالشأن الداخلي في علاقة بحجم الاختراقات المدهشة في الحالة الإيرانية، إذ إن شدة الحزم الداخلي والتشدد في ضبط المجتمع إلى حد إعدام أية مساحة نقدية والصرامة الفائضة عن الحاجة في فرض نمط عيش بعينه، لم تكن قطّ سبيلاً لحماية البلد من الاختراقات، بقدر ما قد تكون بحد ذاتها منفذاً لذلك. ومنها ما يتعلق بإدارة العلاقات مع المحيط الحيوي والاستراتيجي للدولة. إن العمل بتوازن المصالح بعيداً عن اتجاهات الهيمنة وتصدير الأزمات، أجدى على صعيد مقتضيات الأمن القومي واستدامته وأقل كلفة.
أخطأت إيران في سياساتها الإقليمية وإزاء المنطقة العربية، وساعدت لاعتبارات متعددة في خلخلة البنية السياسية والأمنية للمنطقة العربية، وغذت البعد الطائفي في مناطق بعينها، لبنان والعراق وسورية واليمن، بصورة قد تخدم مصالحها وتعزز نفوذها بالضرورة، لكنها لم تكن لتخدم مصالح الشعوب العربية بأي حال. بالنهاية لم تعد هذه السياسات بالجدوى لا على إيران ولا على المنطقة العربية، بقدر ما وفرت لإسرائيل والقوى الغربية فرصاً لابتزاز دول الإقليم العربي، تحت عنوان بعبع التمدد والابتلاع الإيراني، وعزلت في المقابل إيران عن محيطها الاستراتيجي. وقد يكون هذا هو الوضع الملغم، المقتل بالنسبة لإيران، أكثر من أي عامل آخر.