"وصايا الطير" لعمر الغدامسي.. إسقاطات ميثولوجية
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

هناك غلالة من السحر تُطالعنا في لوحات الفنان التونسي عمر الغدامسي، التي يقدّمها في معرضه الجديد "وصايا الطير". شيءٌ شبيه بخفّة تلك المنمنمات الفارسية القديمة التي تُزيّن الكتب التراثية، وربّما كتاب "منطق الطير" للفردوسي هو أقرب ما يُمكن أن نتذكّره أو أن نستشعر روحه وفكرته الصوفية. فكما تُصادفنا أشكال الطيور في المنمنمات، على هيئتها البدائية البعيدة عن العُمق والتعقيد، نجد طيور الغدامسي، أيضاً، بتشكيلاتها "الفطرية" المتجاورة مع البحيرات والجبال، تُحيل إلى البساطة ذاتها.

افتُتح المعرض السبت الماضي في فضاء "أرشيف آرت" بمدينة المرسى، شمال تونس العاصمة، ويتواصل حتى الرابع عشر من الشهر المُقبل. في تقديمه للأعمال، يرى الغدامسي أن ما يصيغه "لا يحمل خطاباً استعادياً، ولا يبشّر بخطاب جديد، بقدر ما يحاول صياغة جمل بصرية تُشير إلى معانٍ مثل الأثر والعلامة، الكشف والغياب والمحو. معان قد تكون شبيهة بتلك الأداة البسيطة التي توظّفها الأم لاستخراج الطين الذي ستسعد به أطفالها". وبناءً على هذا المدخل، يمكننا استشعار العتبة الأولى التي ينطلق منها الفنان، منشدّاً إلى عوالم الطفولة الأولى.

لا تتبع اللوحة نماذج الحداثة المباشرة في تمثيل الطبيعة

البداية من العالم الحسّي، هذا ما تعلنه لوحات "وصايا الطير"، والتي لا تقتصر على الطيور فحسب، بل تتسع لتشمل الإنسان والحيوان، وتفيض برموز تستند إلى الحركة، الألوان، والطبيعة. ما يبدأ من المحسوس يتحوّل تدريجياً إلى رؤية تتجاوز المادي، محمّلة بإسقاطات ميثولوجية تفتح التأويل على مصراعيه. تنطلق هذه الأعمال من تفاصيل يومية مألوفة، لكنها سرعان ما تُلبسها أبعاداً أسطورية وروحية، تجعل من المتلقّي طرفاً في تجربة تأملية تتجاوز الواقع العيني.

في إحدى اللوحات، تقف ثلاثة غربان فوق رأس إنسان غامض الملامح (وجوه مطموسة وظِلية)، ما يوحي بقصة هابيل وقابيل. وفي عمل آخر، نرى متاهة في وسطها أعشاش طيور تائهة عنها، لتستدعي أسطورة ديدالوس، رمز التيه الإنساني والانفصال عن الأصل. كذلك الأمر مع لوحات الطاووس، والأسماك، وسائر الكائنات التي تُروى من خلالها حكايات كونية خفية، حيث تتحول الكائنات إلى رموز للخلود، أو الفناء، أو التحوّل المستمر بين العوالم.

وكما الحوارية الحاضرة بين الإنسان والحيوان، نلحظ في "وصايا الطير" تعدداً في الخامات والتقنيات، غير أن اللوحة، عبر توظيف الكولاج، تظل محتفظة بسحرها وغموضها وبوهم التشخيص الذي لا يُفصح عن المشهد الطبيعي بوضوح، بل يمنح المتلقي مساحة للتأمل والتخييل. لا تتبع اللوحة نماذج الحداثة المباشرة في تمثيل الطبيعة، بل تستدعي روح المنمنمات التراثية التي ارتبطت بالأساطير، تلك التي لا نعرف غالباً أسماء مبدعيها، وكأنها تُعيد الفن إلى طابعه الجمعي والروحي.

عُرضت أعمال عمر الغدامسي، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، في العديد من المعارض داخل تونس وخارجها، منها الكويت والدوحة ودبي وباريس، كما شارك في العديد من البيناليات والملتقيات الدولية في القاهرة، وعمّان، وطهران، وكريت، والدوحة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية