أربعة قبور سُقيت بدموع العرب أفرحت إسرائيليين غنوا "فلتحترق البلدة"
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

كان مشهداً ثقيلاً. أفئدة محطمة يفتتها الحزن وعيون دامعة تراقب أربعة نعوش، محمولة على الأكتاف، ويحيطها الآلاف من المشيعين، لسيدتين من مدينة طمرة العربية في الجليل، وابنتي إحداهما، قُتلن جميعاً بصاروخ إيراني في 14 يونيو/ حزيران الحالي حوّل عدداً من منازل الحي إلى ركام، وأصاب أخرى بأضرار جسيمة، في إطار المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، والتي بدأتها الأخيرة.

احتمت منار ذياب خطيب داخل غرفة محصّنة في منزلها، وفق ما علمه "العربي الجديد" من العائلة، لكن السقوط المباشر على البيت كان أشد من أن تحتمله جدران الملاجئ الداخلية، في وقت كان أحد أبنائها خارج المنزل والآخر يدرس خارج البلاد، أما زوجها إيهاب خطيب الذي ودّعها بحرقة اليوم الثلاثاء، فكان لا يزال خارج المنزل وعلى وشك الوصول إليه. في البيت المجاور، كانت سلفتها واسمها منار هي الأخرى، زوجة رجا خطيب شقيق إيهاب، والتي خطف الصاروخ أيضاً عمرها، إلى جانب ابنتيها، البكر الجامعية شذا والصغرى حلا في الصف الثامن إعدادي، فيما نجت رزان التي كانت قد وصلت إلى الغرفة المحصّنة قبلهن.

بقلب مكسور وذهن شارد كباقي أفراد العائلة، لا يقوى على استيعاب خسارته زوجته وابنتيه وزوجة شقيقه في لحظة، قال رجا خطيب لـ"العربي الجديد" حول مأساته، "خسرت كل شي بلحظة، راحوا حبايبي، خرب بيتي، وفقدت أعز الناس"، لافتاً إلى أنه وأفراد أسرته عادوا من إيطاليا قبل أيام قليلة من المأساة، حيث لديهم منزل. كان حديثه هذا قبل الجنازة، أما خلالها وبعدها، فكانت روحه تعانق أرواح أحبائه في التوابيت المغلقة.

قلوب منفطرة أخرى بين الجموع، عناق بعد عناق لفخري ذياب والد منار، وقاسم أبو الهيجاء والد منار، وأشقاء "المنارتين" وولدي إحداهما، وأقارب كثر، فيما أم كل منهما بين جموع النساء لا تقويان على شيء. أصدقاء شذا وفتية وفتيات، هم أبناء صف حلا. خليط من الحزن، ومشهد من مشاهد المأساة التي تقول العائلات إنها لم تستوعبها بعد، وكذلك حال لسان البلد التي غنى لها بعض الإسرائيليين في لحظة سقوط الصاروخ فرحين، "فلتحترق قريتكم.. فلتحترق قريتكم "، ولم يخجلوا من توثيق تلك اللحظات بمقطع فيديو.

رجا خطيب كان قد عبّر عن حزنه وغضبه، على هؤلاء الذين لم يخجلوا في التعبير عن ابتهاجهم الكبير بسقوط صاروخ على مدينته طمرة، ودمّر منزله ومنزل شقيقيه وقتل من يحبان، من ساروا اليوم وصاروا إلى منازل جديدة، إلى أربعة قبور متجاورة، تناثرت عليها أكاليل الورد، وسُقيت اليوم بالدموع، لكن لا مجيب فيها.

ورغم التوجهات من العائلة وجهات أخرى للمطالبة باعتقال ومحاسبة العنصريين الحاقدين، المحتفلين باحتراق المدينة والأرواح، وكذلك مجموعة من الصحافيين العنصريين الذين احتفوا بالحدث أيضاً، لم تحرك شرطة بن غفير ساكناً، في وقت تلاحق فيه أبناء الداخل الفلسطيني، وتعتقل عدداً منهم بذريعة نيتهم الاحتفال بالصواريخ الإيرانية التي تُطلق نحو إسرائيل بتوجيه من بن غفير نفسه، الذي نشر مقاطع فيديو في الأيام الأخيرة عبر حسابه على تيلغرام، متفاخراً بالاعتقالات. ومددت محكمة الصلح في مدينة حيفا، أمس، اعتقال 17 شخصاً من مدينة أم الفحم، لفترات مختلفة، بادعاء نيّتهم الاحتفال بإطلاق صواريخ من إيران.

طمرة.. عودة إلى الحي المنكوب

بعد انتهاء الجنازة عاد "العربي الجديد" إلى الحي المنكوب لمعاينة مكان المأساة والمنازل التي ستُهدم. لا يزال سكان المنطقة في ذهول لا يستوعبون ما حل بمنازلهم وما حولها، لكن صدمتهم الكبرى في فقدان جيرانهم. على حطام منزله ووالديه، كان يقف فادي ياسين، ناظراً إلى جهة لن يرى بعد اليوم فيها أربعة من وجوه من وصفهم بـ "جيران الرضا"، وربما لن يرى حتى من بقوا على قيد الحياة منهم، فالمنازل إلى هدم كامل، فهي لم تعد صالحة للحياة. حتى والداه وحيد وسعاد ياسين غادرا منزلهما، الذي تضرر على نحو بالغ، في مشهد من مشاهد الدمار الهائل في المكان. كانا قد نزلا من البيت إلى أسفل مطلع الدرج، بعد سماع صفارات الإنذار، وعاشا رعب اللحظة.

في حديث لـ"العربي الجديد" يقول ياسين: "رحمة الله على جاراتنا. المصاب جلل. ما حدث هنا هو كارثة، ومأساة ألمّت بنا. منزل أهلي دُمّر ولكن الله أنجاهما. وهنا (مشيراً إلى منزلي جيرانه) على بعد سبعة أمتار، نرى أن الملاجئ الداخلية دُمّرت بالكامل في طابقين من منزلين. ورغم الخسائر المادية فهي ليست شيئاً أمام الفقد الكبير".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية