
يطالب مغاربة متضررون من زلزال الحوز السلطات بالتوقف عن إزالة الخيام المؤقتة التي تؤوي أسرهم، وتسريع عمليات إعادة الإعمار.
ينشغل الأربعيني المغربي علي آيت لحسن، بالبحث عن سقف جديد يؤوي أسرته المكونة من خمسة أفراد، ويجنبها التشرد الذي عاشته منذ زلزال الحوز في 8 سبتمبر/ أيلول 2023، بعد أن شرعت السلطات المحلية في إزالة خيام المنكوبين، علماً أن المئات منهم لم يستكملوا بعد بناء مساكنهم، كما لم يستفد كثيرون من الإعانات التي خصصتها الحكومة لإعادة الإعمار.
يقول آيت لحسن، المتحدر من منطقة ويركان بإقليم الحوز لـ"العربي الجديد": "رغم مضي 21 شهراً على الزلزال، وجدت نفسي مجدداً وسط دوامة البحث عن مأوى، بعد مطالبة السلطات المحلية المتضررين من الزلزال في نهاية مايو/أيار الماضي، بإزالة الخيام التي تؤويهم. لسنا على ما يرام، ولا نشعر بأي شكل من الاستقرار، ونريد مغادرة الخيام التي عشنا فيها تجربة قاسية، لكن إلى أين سنذهب؟ مبلغ الإعانة الحكومية المقدر بـ80 ألف درهم (نحو ثمانية آلاف دولار) لا يصلح لتشييد منزل جديد، ما اضطرني إلى نصب خيمة جديدة بين أسوار المنزل غير مكتمل البناء إلى حين تدبير تكاليف استكماله".
وضرب الزلزال ستة أقاليم مغربية هي الحوز ومراكش وشيشاوة وورزازات وتارودانت وأزيلال، وبلغت قوته سبع درجات على مقياس ريختر، وأودى بحياة نحو ثلاثة آلاف مغربي، وخلف خسائر مادية جسيمة ما زالت تبعاتها تطارد آلاف المتضررين الذين اختبروا حياة الخيام القاسية.
وقدرت الحكومة المغربية تضرر 2.8 مليون شخص من الزلزال الذي طاول نحو 60 ألف منزل، من بينها نحو 20 ألفاً دمرت كلياً، ووضعت برنامج لإيواء المنكوبين، والتكفل بالأسر الأكثر تضرراً عبر مساعدات بقيمة 140 ألف درهم (13.500 دولار)، تعويضاً عن المساكن المنهارة، و80 ألفاً لتأهيل المساكن المنهارة جزئياً، لكنها لا تزال بطيئة.
نجا الخمسيني محمد أوسي مع والدته وزوجته وأطفاله من موت محقق بعد أن دمر الزلزال بيته في منطقة توزونتان بجماعة ثلاث نيعقوب. يقول أوسي لـ"العربي الجديد": "عشنا بعد انهيار البيت أوضاعاً قاسية، واضطررنا إلى العيش في خيمة فاقمت معاناتهم صيفاً وشتاء، والقلق يساورني حالياً بعد توجيه السلطات المحلية بإزالة الخيام، إذ ليس لدي بديل عن الخيمة، ولم أتلق أي دعم حكومي لإعادة بناء منزلي. تنتظرنا أيام صعبة، وأطالب السلطات بالعدول عن قرارها، والتمييز بين من استفاد من الدعم المخصص للبناء ومن لم يستفد".
وقبل أيام، بدأت السلطات حملة لإزالة الخيام في عدد من الأقاليم المتضررة كالحوز وتارودانت، في خطوة تهدف إلى دفع المتضررين إلى الانتقال إلى المنازل نصف المبنية، أو البحث عن بديل آخر بالنسبة للفئات التي لم تستفد من الإعانة الحكومية لإعادة الإعمار.
وفي وقت سابق، كشف وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، أن جهود إعادة الإعمار شهدت تقدماً كبيراً، مؤكداً أنه تم تفكيك 95% من الخيام، ولم يتبق سوى 1484 خيمة تؤوي 6384 نسمة.
يقول ناشط محلي من منطقة ثلاث نيعقوب بإقليم الحوز، طلب عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "حملة إزالة الخيام تعمق من معاناة المتضررين، خاصة الذين لم يستفيدوا من الإعانة الحكومية، والذين وجدوا أنفسهم بعد الزلزال في مواجهة إشكالات متعددة، وعلى رأسهم الإخوة الذين كانوا يقطنون في منزل واحد كبير، وبعد الزلزال اشترط عليهم أن يستفيد شخص واحد منهم فقط من الإعانة، بينما المنازل الجديدة لا يمكن أن تستوعب أكثر من أسرة بسبب حجمها الصغير".
ورفضت تنسيقية "أدرار ندرن" لمتضرري الزلزال بإقليم تارودانت بدء حملة إزالة الخيام، مطالبة بإيجاد بديل للمتضررين أولاً، كما نظمت وقفات احتجاجية أمام مقار أقاليم ورزازات والحوز وشيشاوة في 12 يونيو/ حزيران الماضي، طلباً للإنصاف، ووقف حملات الإزالة إلى حين استكمال الدعم والتعويض.
وعبّر حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي المعارض عن رفضه لـ"الضغط الممارس على المتضررين لإخلاء الخيام من دون توفير بدائل سكنية كريمة"، في حين يستعد متضررون وهيئات ممثلة لهم، لتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان بالعاصمة المغربية خلال الأيام المقبلة.
يقول منسق الائتلاف المدني من أجل الجبل (غير حكومي)، محمد الديش، لـ"العربي الجديد": "ما زالت أشغال البناء وإعادة الإعمار متواصلة، لكن السلطات قررت إخلاء الخيام البلاستيكية، وفرضت على بعض الناس هدم خيامهم، والبحث عن حلول إيواء شخصية، أو العيش في المنازل غير مكتملة البناء، مع اشتراطها تسليم الدفعة الأخيرة من الإعانة الحكومية بالانتقال إلى تلك المنازل، ما اضطر كثيرين إلى فعل ذلك".
يضيف الديش: "تأخر إعادة البناء التي تقترب من عامها الثاني لا يسأل عنه المتضررون، وإنما السلطات التي تسببت في تعثر العملية، جراء الطريقة التي جرى بها تدبير إحصاء المتضررين، إذ وجد عدد منهم أنفسهم خارج لوائح الإحصاء مقابل استفادة آخرين غير متضررين، لتشهد عملية توزيع الدعم إجحافاً، وهذا أمر نبهنا إليه مراراً، فضلاً عن عدم كفاية الدفعة الأولى المقدرة بـ20 ألف درهم لإنجاز الأساسات".
ويلفت الناشط المدني إلى أن "عملية إعادة البناء اعترضتها مشاكل من بينها رفض السكان البناء في أماكن بعيدة عن أماكن سكهم الأصلية، إلى جانب المساحات الصغيرة التي خصصت لإعادة البناء، والتي قدرت بما بين 60 إلى 80 متراً فقط، علماً أن المساكن القروية لا تستخدم للسكن فقط، وإنما أيضاً للحياة الاجتماعية والاقتصادية وللأنشطة الفلاحية".
من جهته، يقول رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، عادل تشيكيطو، لـ"العربي الجديد"، إن "إزالة خيام المتضررين من زلزال الحوز قبل استكمال صرف الدعم المالي لكثير من الأسر، أو انتهاء عملية إعادة البناء أثارت ردات فعل غاضبة، فهؤلاء المواطنون فقدوا بيوتهم وأحباءهم، ويعيشون تحت ضغط فقدان المأوى من جهة، وتعثر الدعم وإعادة الإعمار من جهة ثانية".
يضيف تشيكيطو: "هذا الإجراء يعد مساً صريحاً بحق السكن اللائق الذي تنص عليه المواثيق الدولية، فضلاً عن مخالفته الدستور المغربي الذي يقر حق المواطنين في السكن والتضامن الاجتماعي في حالات الكوارث. إزالة الخيام من دون توفير بدائل ينم عن خلل في المقاربة الاجتماعية، وغياب لرؤية تشاركية تراعي الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية لسكان المناطق المتضررة، كما يشير إلى فجوة بين الخطاب الرسمي الذي يَعِد بإعمار كريم وسريع، وبين الواقع الميداني الذي يشهد ارتجالية متزايدة.
