
دشنت غالبية الوزارات والمؤسسات العراقية نظام المعاملات الإلكترونية منذ مطلع العام الحالي، خاصة تلك التي تمس الشؤون الحياتية مثل وزارات الداخلية والصحة والتعليم والتربية والمالية، ما انعكس إيجاباً على ملايين العراقيين الذين يؤكدون أن النظام الجديد يقلل فرص الرشوة والفساد الإداري، ويخفف الزحام وساعات الانتظار الطويلة.
في السابق كانت خدمات مثل إصدار جوازات سفر، أو رخص القيادة، وبطاقات الأحوال المدنية، وحتى مواعيد خدمات الوزارات، والفحوص الطبية، وشهادات التعليم، تمثل تحديات كبيرة للمواطنين الذين يضطرون إلى دفع مبالغ لسماسرة وموظفين من أجل تسهيل حصولهم عليها، أو حتى إلى دفع رشاوى للقفز على القوانين وتمرير معاملات غير شرعية. حالياً باتت المعاملة التي كان يستغرق إنجازها أسبوعاً أو أكثر تنتهي في يوم واحد، أو في ساعات قليلة بعدما اختصرها التحوّل الرقمي.
وأنشأت حكومة محمد شياع السوداني مركزاً يتولى تدريب الموظفين العاملين في الوزارات وتطوير قدراتهم، وإعداد برامج وتطبيقات للخدمات لمختلف مؤسسات الدولة، وتعاقدت الحكومة مع شركات عالمية لتنفيذ التعاملات الإلكترونية بهدف تقليل الفساد والرشوة في الدوائر الرسمية عبر اعتماد أنظمة لا يمكن القفز عليها أو التلاعب بها، وتقليل الاحتكاك بين المواطنين والموظفين في مختلف دوائر الدولة.
وفي مايو/ أيار الماضي، أكد السوداني، خلال استقباله ممثلي شركة معنية بالبرمجيات وتطوير أنظمة المعلوماتية، أن الحكومة ستمضي في تنفيذ برنامج التحوّل الرقمي الكامل، وقال إن "التحول الرقمي منح حلولاً لتبسيط العمليات وتعزيز مشاركة المواطنين وزيادة الشفافية في قطاعات البنى التحتية والنقل، ودعم مبادرات المدن الذكية، وخلق الوظائف، ما سيؤدي إلى تحسين الخدمات العامة، ويضمن الشمول الرقمي لجميع المواطنين".
تقول معاونة مدير قسم تكنولوجيا المعلومات الحكومي، أمل الشيخلي، لـ"العربي الجديد": "تمثل الأتمتة الإلكترونية التي تحققت من خلال منصة أور نقلة نوعية في تطوير الأداء الحكومي وتحسين تقديم الخدمات للمواطنين، وهي بوابة حكومية إلكترونية أُنشئت لتوحيد البيانات بين مؤسسات الدولة، وتمكين كل موظف من امتلاك قاعدة البيانات، ما يسهّل تبادل المعلومات بين الوزارات، ويحد التكرار والازدواجية، وتُعد هذه خطوة أساسية في مشروع الحكومة الرقمية".
تضيف الشيخلي: "من أبرز التحديات التي واجهتنا، سواء على مستوى الموظفين أو المواطنين، صعوبة التسجيل للمرة الأولى وغياب الكوادر المتخصصة القادرة على التعامل بكفاءة مع الأنظمة الحديثة ما خلق بطئاً في الاستخدام والتطبيق. وحالياً تحقق الخدمات المقدمة عبر المنصة إقبالاً واسعاً من مختلف الشرائح. هذا التحول الإلكتروني يحتاج إلى مزيد من الورش التدريبية والتأهيل التقني، واستقطاب اختصاصات قادرة على تسلّم مهمات الأنظمة الإلكترونية والعمل لتطويرها باستمرار فالتحول الرقمي ليس مجرد إدخال أجهزة".
ومن بغداد، يؤكد حيدر كريم لـ"العربي الجديد": "قدّمت طلباً لإصدار جواز سفر عبر منصة وزارة الداخلية، وتحدد لي موعد لمراجعة الدائرة، وللمرة الأولى لم أضطر إلى انتظار ساعات لتنفيذ الإجراءات التي كانت منظمة بالتزامن مع تعامل الموظفين معنا بأسلوب راقٍ ومحترم. أبرز ما جرى تطبيقه هو نظام الحجز المسبق عبر الإنترنت الذي حدّ بشكل كبير ظاهرة الطوابير الطويلة وسمح للمواطنين بحجز مواعيد مسبقة للخدمات التي احتاجوها ما يساعد على توزيع المراجعين بشكل متوازن خلال اليوم".
ويقول العميد أحمد الربيعي، وهو مدير أحد مكاتب الجوازات في بغداد، لـ"العربي الجديد": "اعتمدنا النظام الإلكتروني بنسبة أكثر من 80% ما خفف ضغط العمل على الموظفين وقلل زمن إنجاز المعاملة إلى أقل من 20 دقيقة في بعض الحالات".
وإلى جانب التحول التقني تحسّن في شكل ملحوظ الأداء العام للموظفين وسلوكهم، وهو ما أكده العديد من المراجعين الذين لاحظوا التزاماً أكبر بالمواعيد وتعاوناً من قبل الكوادر العاملة، ما يشير إلى أهمية دور التدريب الإداري ورفع مستوى الوعي الوظيفي".
ورغم هذه الخطوات الإيجابية لا تزال بعض التحديات قائمة مثل ضعف الإنترنت في بعض المناطق، وتفاوت كفاءة الأجهزة الإلكترونية بين محافظة وأخرى، لكن وزارة الداخلية أكدت عزمها على توسيع نطاق التحديث لتشمل جميع المحافظات.
وتؤكد يسرى حميد عباس، وهي استشارية وطنية في نظم إدارة الجودة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "الأنظمة الإلكترونية الحكومية ليست مجرد تطور تقني، بل نوع من العدالة للمواطنين، فهي خاصية تهدف إلى تقديم خدمة ميسّرة وفعّالة وتخفيف المجهود والوقت الذي يبذله المواطن لإنجاز معاملاته، بالتالي تعتبر استجابة الوزارات والمؤسسات لتطبيق هذه الأنظمة أمراً إلزامياً لأنها ترتبط بشكل مباشر برضا المواطن الذي يجب أن يكون الغاية الأساسية لأي مؤسسة حكومية".
وترى أن "التحول الرقمي لا يتعلق بإدخال أنظمة إلكترونية فقط، بل يعتمد على إعادة هندسة العمليات لتقليل الخطوات والجهد والتكلفة. قدمت فرق الجودة في كثير من المؤسسات الحكومية خدمات إلكترونية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وحوّلت تلك الورقية إلى إلكترونية وبسطتها، ثم قاست مدى رضا المواطنين من خلال إحصاءات ومقابلات ميدانية، وكانت النتائج مشجعة إذ لاحظنا ارتفاعاً تدريجياً في مؤشرات الرضا".
تضيف: "لا تكفي الخدمات المبسطة في حد ذاتها، إذ نحتاج إلى تعزيز ثقة المواطن بأن الدولة تسعى إلى إراحته فعلاً. أيضاً تجد فئات واسعة، خصوصاً من كبار السن، صعوبة في التعامل مع المنصات الرقمية، لذا نحتاج إلى دعم هذه الثقافة بين المواطنين، فضلاً عن ضرورة تدريب الموظفين كي يصبحوا جاهزين تقنياً، ويقدموا الخدمات في شكل مثالي".
وتقول أسيل فاضل، وهي مطلقة تبلغ 33 سنة، لـ"العربي الجديد": "كنت أتسلم النفقة يدوياً بعد انتظار أكثر من ست ساعات، وانتهى ذلك اليوم وتحوّلت نفقة أولادي عن طريق الدفع الإلكتروني". تتابع: "كانت المرأة المطلقة في العراق سابقاً تستلم نفقة أولادها بعد الطلاق عن طريق دائرة التنفيذ، وبسبب الأعداد الكبيرة كانت المطلقات يعانين من الانتظار طويلاً ومن ضيق المكان وكثرة الأعداد، ويتعرضن أحياناً لإغماء وربما لهبوط الضغط، لكن مع تحوّل استلام النفقة عن طريق الدفع الإلكتروني تغيّر كل شيء".
