
في حادثة عنف أسري أخيرة، أقدمت امرأة سورية على قتل زوجها بإطلاق النار عليه من سلاح فردي، في مخيّم الكمونة للنازحين الواقع في شمال محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وذلك على خلفية تعرّضها لعنف متكرّر جسدي ونفسي. وتفيد مصادر محلية "العربي الجديد" بأنّ الحادثة وقعت صباح اليوم الاثنين، عقب شجار عنيف بين الزوجَين في داخل خيمتهما، ليلاقي الرجل حتفه فور إصابته. وعلى الأثر، حضرت دوريات جهاز الأمن الداخلي إلى موقع الجريمة، وأُلقي القبض على المرأة المعنيّة قبل تحويلها إلى الجهات المختصّة للتحقيق في ملابسات الجريمة ودوافعها.
وتأتي هذه الجريمة لتسلّط الضوء على العنف الأسري المتفاقم في سورية وشمالها خصوصاً، نتيجة عوامل متعدّدة، لعلّ أبرزها غياب منظومات الحماية القانونية والاجتماعية التي تغطّي النساء المعنفات. ووفقاً لمنظمات حقوقية محلية، فإنّ المرأة في سورية تعاني من هشاشة قانونية واجتماعية تجعلها ضحية سهلة لسلوكيات العنف الممنهج في داخل الأسرة، في غياب مراكز حماية فعّالة وفي ظلّ نقص التوعية المجتمعية ووسط الضغوط الاقتصادية والنفسية التي تتفاقم في بيئة النزوح واللجوء خصوصاً.
ويُضاف إلى ذلك انتشار السلاح عشوائياً بين المدنيين، وعلماً أنّ تقارير محلية تشير إلى أنّ تزايد حيازة السلاح الفردي من قبل المدنيين في سورية يساهم بطريقة مباشرة في تحويل الخلافات الأسرية إلى حوادث دامية. وتُعَدّ إدلب من أكثر مناطق سورية تأثّراً بذلك، وسط الفوضى الأمنية والانفلات المسلّح.
في هذا الإطار، يقول المواطن السوري محمد الناصر لـ"العربي الجديد" إنّ "السلاح صار في متناول الجميع، رجالاً ونساءً، كذلك صار بأيدي المراهقين. وفي لحظة غضب أو يأس، قد يلجأ الإنسان إليه من دون تفكير". والناصر من سكان مخيم الكمونة ومن الشهود على الحادثة، يخبر أنّ "الوضع في المخيم بالغ الصعوبة، والناس هنا يعيشون تحت ضغوط حياتية لا تُحتمَل"، شارحاً "فنحن نعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، ومن ضيق المساكن، ومن غياب كلّ شعور بالخصوصية أو الاستقرار". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الظروف القاسية تولّد توتّراً دائماً في داخل الأسر، وتؤدّي في كثير من الأحيان إلى خلافات تتفاقم بسهولة".
ويبيّن الناصر أنّ "عائلات كثيرة تواجه مشكلات يومية ناجمة عن الفقر أو البطالة أو النزوح المتكرّر. وللأسف، صار العنف في البيوت مشهداً معتاداً. وتكثر الشجارات الزوجية، لينتهي عدد منها بالضرب أو الإهانة". يضيف: "أمّا ما حدث اليوم، فكان صادماً للجميع. لم يتوقّع أحد أن تصل الأمور إلى حدّ القتل. ومن دون أن يكون الأمر مبرّراً لارتكاب جريمة، فإنّ المرأة كانت تتعرّض للعنف باستمرار، وكان صراخها يُسمَع ليلاً في أرجاء المخيم".
في سياق متصل، تقول المحامية السورية والناشطة السورية في مجال حقوق المرأة بالشمال السوري منى الخلف إنّ الحادثة التي وقعت اليوم في مخيم الكمونة "تعكس واقعاً مريراً تعيشه مئات النساء المعنّفات في المخيمات". وتشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "المرأة التي تجد نفسها عرضة للضرب والتعنيف بصورة متكرّرة، وفي ظلّ انعدام الحماية القانونية والمؤسساتية، قد تنفجر في لحظة يأس مأساوية مثل تلك التي شهدناها اليوم".
وتؤكد الخلف أنّ "غياب مراكز الدعم النفسي، وعدم تفعيل القوانين الرادعة في سورية لحماية النساء، وانتشار ثقافة العنف والسلاح، كلّها عوامل تغذّي مثل هذه الكوارث الاجتماعية وتزيد من حدّة الجريمة والعنف الأسري في المنطقة". وفي الإطار نفسه، تطالب منظمات المجتمع المدني بإطلاق برامج عاجلة لدعم النساء في مناطق النزاع، تشمل مراكز إيواء وخطوط حماية قانونية، بالإضافة إلى حملات توعية مجتمعية تهدف إلى الحدّ من ثقافة العنف وتعزيز مفهوم السلم الأسري والمجتمعي.
وتفيد بيانات حقوقية بأنّ عدد الجرائم الجنائية وجرائم القتل المقيّدة ضدّ مجهول في سورية منذ بداية عام العام الجاري، سجّلت في مختلف محافظات البلاد 177 جريمة، راح ضحيتها 197 شخصاً، من بينهم 31 امرأة و12 طفلاً إلى جانب 153 رجلاً، الأمر الذي يعكس تصاعداً مقلقاً في مؤشّرات العنف المجتمعي والأسري على حدّ سواء.
