ذاكرة سورية عن شخصيات النظام في عراق ما بعد الغزو (7)
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

شكّلت سورية ودمشق خصوصاً محطة رئيسية للتيارات والشخصيات المعارضة لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، منذ مطلع الثمانينيات إلى عام 2003 الذي احتلت فيه الولايات المتحدة العراق، حتى إن سورية تفوّقت على إيران لجهة العراقيين المقيمين فيها بين عامي 1980 و1983. وقدّم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد دعماً واسعاً لمختلف عناوين معارضة صدام حسين، بتوجهاتها الإسلامية أو العلمانية والمدنية والقومية. وأقام في دمشق أعضاء من الحزب الشيوعي العراقي والقومي والإخوان المسلمين، وحزب الدعوة الإسلامية، والمجلس الإسلامي الأعلى. واعتبرت شخصيات أخرى سورية محطة انتقال إلى دولة ثالثة لأسباب عديدة، ترتبط بالرغبة في الانتقال إلى دولة غربية، والحصول على الجنسية والدعم المالي، وأخرى ترتبط بطبيعة العلاقة التي وضعها النظام السوري معهم، والقائمة على التعاون في الجانبين، الأمني والاستخباري، حتى ارتبط وجودهم باللواء محمد ناصيف خير بك (أبو وائل) مسؤول الفرع 235، الذي كان المشرف على ملف المعارضة العراقية آنذاك.


عبدو سعيد العائدي: نوري المالكي كان يبيع الخواتم والأحجار أمام مقام السيدة زينب

أسماء عراقية في سورية

خلال ذلك برزت أسماء عديدة من بين العشرات الذين مكثوا في سورية مثل جلال الطالباني، ومحمد باقر الحكيم، ونوري المالكي، وإبراهيم الجعفري، وعزت الشابندر، وعزيز محمد علي، وحسن العلوي، وصدر الدين القبنجي، ونجم الدين كريم، وحسن السعيدي، ومحمود عثمان، وفائق الشيخ علي، بالإضافة إلى صحافيين وكُتّاب عراقيين رفضوا الانخراط بالتنظيمات، لكنهم زاولوا دوراً فردياً معارضاً، أبرزهم مظفر النواب، ومحمد مهدي الجواهري، وزهير الجزائري. وتباين وجودهم بين استقرار دائم في دمشق، أو تنقل بين سورية وإيران، وآخرين بين سورية وبريطانيا، وأقاموا في أحياء السيدة زينب، وأبو رمانة، والمزّة، وبرزة، وركن الدين، جرمانا، كفر سوسة، ومناطق أخرى مختلفة.

وعلى خلاف الأنباء التي تداولها عراقيون ومهتمّون بهذا الملف في العقود الأربعة الماضية، فقد اتضح عدم دقّة مسألة منح حافظ الأسد منازل لعناصر عراقية معارضة آنذاك. إذ سكن أغلبهم في منازل استأجروها، أو في "منازل الضيافة"، وهي شقق سكنية أغلبها في المزّة تابعة للحكومة السورية. وفي حالات قليلة جداً، هناك منازل اشتراها المعارضون العراقيون، وهو ما لم يكن سهلاً حينها، إذ كان يشترط القانون السوري آنذاك موافقة مسبقة من مجلس الوزراء لتملّك العربي عقاراً باسمه في سورية، على غرار منزل جلال الطالباني في حي المزرعة وسط دمشق. وأفاد بهذه المعلومات مسؤولان في وزارة العدل السورية، قالا لـ"العربي الجديد" إن اللجنة التي شكلتها الوزارة وجدت عقارات لعراقيين مؤيدين لنظام الأسد، لكنهم اشتروها بأنفسهم وليست هبة أو منحة منه. وأكد أحدهم "وضع اليد على أملاك الدولة السكنية، وهي منازل وشقق، في مختلف مدن سورية، كان قسم منها يُمنح لشخصيات في النظام أو من خارج سورية، على سبيل الاستعمال والسكن، لا الاستملاك".

واحتضن حافظ الأسد أولى فعاليات "المعارضة العراقية" في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980، وضمّت قوى إسلامية وشيوعية وكردية وقومية، وكان المؤتمر بمثابة النقطة الفارقة بين البلدين آنذاك، قابلتها بغداد بخطوةٍ مماثلةٍ في دعم الشخصيات المعارضة للأسد، ليست الموجودة في العراق فحسب، بل في دول وعواصم مختلفة، وأخذ هذا الدعم في المجمل طابعاً أمنياً واستخبارياً أكثر من كونه سياسياً. وخصّص النظام السوري عام 1981 برنامجاً إذاعياً من دمشق، موجّهاً ضد نظام صدام حسين، باسم "صوت العراق"، ويدعو الجيش العراقي إلى وقف الحرب مع إيران، وإسقاط نظام صدام حسين. وأعدّ البرنامج وقدمه شخصيات من المعارضة التي احتضنها الأسد، وهو ما دفع سلطات بغداد إلى نصب أجهزة قطع الإشارة في محافظة الأنبار لمنع وصول البث إلى العراق. كذلك سمح النظام السوري بإقامة ساحة تدريب عسكرية في إحدى ضواحي دمشق، بطلب من بعض شخصيات المعارضة آنذاك، وزوّد عدداً منهم بجوازات سفر سورية (من دون جنسية)، حتى يتمكّنوا من السفر إلى مختلف العواصم العالمية وترويج أنفسهم ومشروع معارضتهم صدّام حسين. كذلك يُسجّل أن باحثين توسّطوا لدى نظام حافظ الأسد، في الخلافات والتقاطعات التي كانت تحصل بين تيارات المعارضة العراقية لنظام صدّام، آنذاك، عبر التوفيق بينهم ومنع تفتت ما كان يُطلق عليه آنذاك سورياً "جبهة المعارضة العراقية".

وفي السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي اقتحم الأمن السوري شقة الرئيس العراقي الراحل، جلال الطالباني، في حي المزرعة في دمشق، ضمن حملة تتبع أصول وممتلكات صادرها نظام حافظ الأسد. لكن وكيل وزارة الخارجية العراقية، شورش خالد سعيد، قال إن "قوات سورية دخلت الشقة وأخذت مفاتيحها، معتقدة أن النظام السابق منحها لعائلة الطالباني". ثم وجّهت وزارة الخارجية العراقية مذكّرة إلى نظيرتها السورية، تؤكّد أن الشقة ملك لعائلة الطالباني، وأنهم اشتروها بأنفسهم عام 1974. وتردّدت أخيراً أخبار مماثلة عن مصادرة الإدارة السورية الجديدة عقارات لشخصيات سياسية عراقية كانت تقيم في دمشق واستملكتها، بينها منازل وفنادق، وهو ما لم تنفه دمشق أو تؤكده.


عمر الهاشمي: الشخصيات العراقية لم تنجح في إقامة أي علاقات مع الوسط السوري

في حي السيدة زينب، شرقي دمشق، أشار المختار عبدو سعيد العائدي، إلى أسماء عدة عراقيين تولوا السلطة في العراق بعد الغزو الأميركي كانوا يعيشون في المنطقة. وقال العائدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، الذي كان يُعرف آنذاك باسم جواد المالكي، كان يقيم في شارع علي الوحش، ويبيع خواتم الفضة والأحجار أمام مقام السيدة زينب. ونفى العائدي روايات أخرى بشأن عمل المالكي أو مصدر رزقه، قيلت بحقه من باب التنكيل من الخصوم، لكنه أكد في الوقت نفسه أن شقته كانت مستأجرة، وظل فيها لقربها من المقام. وتحدّث العائدي عن شخصية عراقية، تولت توزيع مساعدات مالية لمعارضين، بقيمة مائة دولار لكل فرد، لكنه أبدى اعتقاده أن الشخصية كانت وسيطة مع جهات خارجية عملت على دعم المعارضة مادياً. وقد رافقنا العائدي بالسيارة إلى مكان إقامة نوري المالكي الأخير، الذي لم يصل إليه منذ عودته إلى العراق عام 2003، وأفاد بأن آخرين كانوا يسكنون قربه، مثل حسن العلوي، وصدر الدين القبنجي، في الشارع القريب المعروف حالياً بشارع العراقيين. وأعرب عن اعتقاده أن أياً من معارضي صدام حسين أيام حافظ الأسد لم يكن يمتلك منزلاً، كذلك لم يكن الأسد يعطي عقارات من الأساس. لكنه أكد إقامتهم بشقق مستأجرة، أو من دون مقابل مادي شهري، من دون أن تكون لهم حقّ التصرف بها.

النظرة السورية للمعارضة العراقية

في السياق، قال الباحث في الشأن السياسي السوري، عمر الهاشمي، عن الثمانينيات تحديداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الشعب السوري، بمن فيهم المقرّبون من حافظ الأسد، كانوا ينظرون إلى المعارضة العراقية التي آواها الأسد على أنها سياسية وطنية عراقية، بمقدار ما هي ورقة أو أجندة سياسية للنظام السوري آنذاك والمصالح الإيرانية ككل". واعتبر أنّ "توفير الأسد مساحة لشخصيات المعارضة العراقية كان بناءً على دوافع شخصية ضد صدّام حسين". ويوضح أن "هذه الشخصيات ظلت موجودة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، لكنها لم تنجح في إقامة أي علاقات اجتماعية، أو سياسية، أو حتى فكرية وثقافية مع الوسط السوري، إذ كانت تحرّكاتهم، تحت علم النظام، الذي كان يتولّى فعلياً أنشطة عدائية ضد العراق، ومن خلال الضابط المقرّب من حافظ الأسد آنذاك، محمد الخولي، وهو المشرف أيضاً على الاستخبارات الجوية". وأضاف الهاشمي: "كانوا يسافرون ويدخلون سورية بإذن مسبق. وبعد وفاة حافظ الأسد، عام 2000، استمرّ الحال نفسه على أنهم ملف أمني وليس معارضة سياسية حتى احتلال العراق عام 2003 (على يد الأميركيين) ومغادرتهم إلى بغداد". وتابع أن "نظام بشار الأسد لعب دوراً في تجميع الشخصيات العراقية المعارضة الموجودة في دمشق، والتنسيق مع الأميركيين في هذا الإطار، قبيل الغزو الأميركي البلاد، في الوقت الذي كانت واشنطن تحتضن فيه فعاليات ومؤتمرات مختلفة بعنوان المعارضة العراقية".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية