عيد الأضحى في تونس... إحياء جماعي للتقاليد
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

لا يخفت صدى عيد الأضحى في تونس، في ظل أجواء الفرح التي تملأ البيوت والشوارع، فالعائلات تحتفل معاً وتتبادل التهاني والمأكولات التقليدية وغيرها

ربّما تغيّرت بعض التقاليد واختفت أخرى، لكن تبقى نكهة عيد الأضحى في تونس حيّة في العديد من التفاصيل. على غرار سائر البلدان الإسلامية، يحمل عيد الأضحى معه عادات خاصة تبعث الحياة في الأزقة والبيوت على مدى أسبوعين أو أكثر. 
في الأيام التي تسبق عيد الأضحى، تنشط الأسواق بشكل لافت، ويزداد الإقبال على شراء الأضاحي التي تتركز في عدّة نقاط بيع تُخصصها البلديات في بعض الطرقات الرئيسية في جميع المدن. وعادة ما يتوجه الرجال إلى الأسواق الأسبوعية أو النقاط المخصصة لبيع المواشي بحثاً عن الأضحية المناسبة، ليقضوا ساعات طويلة في المقارنة بين الأسعار والأنواع والتفاوض مع الباعة. 
ويعتبر اختيار "العلوش"، كما يُطلق على الخروف في تونس، مسألة تتطلب ميزانية قد تكون مرهقة لبعض الأسر، خصوصاً هذا العام، في ظل ارتفاع أسعار المواشي. إلا أنّ التونسيين غالباً ما يُصرون على اقتناء أضحية العيد تمسكاً بهذه الفريضة الدينية. ويشير عبد الكريم يوسفي (45 عاماً)، وهو موظف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه يُخصص ميزانية لعيد الأضحى. منذ سنوات، وبسبب الارتفاع السنوي للأسعار، بات يدّخر بعض الأموال طوال العام لشراء الأضحية، تمسكاً بهذه الفريضة الدينية وحرصاً على تقديم الصدقات خلال العيد. يضيف: "عيد الأضحى مناسبة دينية نحيي فيها تقاليد عدة، ولا ننسى التصدق على العائلات المعوزة، سواء ببعض اللحوم والوجبات أو الأموال. لا يجب أن يحرمنا غلاء الأسعار من ممارسة تقاليدنا وعاداتنا الدينية والاجتماعية". 
وفي البيوت، تنطلق التحضيرات قبل العيد، وتبدأ ربات البيوت في تحضير بعض التوابل الخاصة، التي تضيف نكهة إلى عدة أطباق تونسية، وخصوصاً خلال العيد. ويقتني الرجال السكاكين وكلّ معدات الشي، وتهتم النساء بشراء ملابس الأطفال للاحتفال بالعيد، ومختلف الأواني والوسائل الضرورية للذبح. ورغم اختلاف عيد الأضحى عن عيد الفطر، إلا أنّ العائلات تحرص أيضاً على إعداد بعض أنواع الحلويات التونسية التقليدية لاستقبال الضيوف، فتنشط الحركة التجارية في الأسواق طوال الأسبوعين اللذين يسبقان العيد. 

وتقول مفيدة حفيظ (33 عاماً)، إنّ "عيد الأضحى ليس مناسبة فقط لشراء أضحية العيد؛ فالنساء عادة ما يقتنين أواني جديدة ولوازم أخرى، بالإضافة إلى بعض الحلويات وملابس الأطفال لاستقبال الضيوف"، لافتة إلى أن عيد الأضحى يُعدّ من أبرز المناسبات التي تشهد فيها العائلات التونسية زيارات لتبادل تهاني العيد. تضيف أنها "عادات متوارثة جيلاً بعد جيل؛ فبعد الانتهاء من صلاة العيد وذبح الأضاحي وإعداد بعض الأطباق التونسية، يخصص بقية اليوم للزيارات بين الأهل والأصحاب".
ويعدّ العيد مناسبة للبعض لممارسة مهن موسمية، على غرار بيع أكياس الفحم وأدوات تقطيع الأضحية والسكاكين الكبيرة والصغيرة، إضافة إلى شحذ معدات الذبح وبيع معدات الشي على الطرقات. ونظراً إلى تمسك العديد من العائلات بعادة طهي اللحوم في أوان فخارية، تنتشر في العديد من الطرقات الرئيسية أيضاً نقاط عدة لبيع لتلك الأواني التي تصنع غالباً يدوياً من قبل عدّة حرفيين. ويحرص البعض على استعمال الأواني الفخارية لطهي اللحوم لاعتقادهم بأنّ ذلك يُضفي نكهة خاصة عليها، فيما تحرص غالبية العائلات على شي اللحوم على الفحم. 

لذلك، يجد بعض الشبان في هذه المناسبة عملاً موسمياً يدر عليهم بعض المداخيل. ويشير بشير العوني (29 عاماً)، إلى أنّه يعمل في عدّة مهن حرّة، لكنه خلال الأسابيع التي تسبق العيد، يعمل في بيع الفحم والأواني الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام والمعدة خصيصاً لطهي اللحوم، بالإضافة إلى بعض اللوازم الأخرى. وتنتعش تجارة معدات النحر في ظل الإقبال الكبير عليها. 
وفي صباح العيد، يتوجه الرجال والأبناء إلى المساجد لأداء صلاة العيد، وتعج الساحات الداخلية والأمامية للمساجد بالمصلين في أجواء يعمها الخشوع والتكبير، لتصدح مكبرات الصوت داخل المساجد بالأدعية خلال الساعات الأولى بعد الفجر. ويتبادل المصلون بعد الصلاة التهاني بالعيد، ويوزعون الحلويات التقليدية في ما بينهم. وكالعادة، يحرص بعض التونسيين على أداء صلاة العيد بملابس تقليدية تونسية، على غرار الجبة والشاشية والبلغة، وعلى اصطحاب الأبناء لتعليمهم صلاة العيد.
ولدى عودة المصلين إلى بيوتهم، تبدأ طقوس ذبح الأضاحي. وغالباً ما يقوم رب البيت بتلك المهمة، في حين يلجأ البعض إلى الجزارين لذبح الأضحية. وعادة ما يذبح الخروف في المنزل أو أمامه، على مرأى من جميع أفراد الأسرة، خاصة الأطفال، لترسيخ تقاليد العيد في نفوسهم منذ الصغر.

ولا تختلف عادات التونسيين عن بقية أبناء البلاد الإسلامية كثيراً، ولكن لتونس مطبخها. وتشترك العائلات في عادة شي اللحم خلال اليوم الأول من العيد، وإعداد الكسكسي، وهو الطبق الرئيسي الذي تشتهر به بعض دول شمال أفريقيا. وبذلك يكون للمرأة نصيب كبير من العمل خلال تلك المناسبة. فإضافة لمساعدة الزوج في الذبح وتقطيع اللحم، تعدّ بعض الأطباق التونسية للعائلة والضيوف.
وتقول علياء بن أحمد (50 عاماً)، وهي موظفة، إن "غالبية العائلات التونسية تعد المشاوي في اليوم الأول لعيد الأضحى، إضافة إلى الكسكسي باللحم والعصبان، وتوزع أطباقاً على الجيران تعبيراً عن المحبة في تلك المناسبة". تضيف أن "أجواء هذا العيد مميزة، وتملأ رائحة البخور البيوت وتصدح محطات الراديو بالتهاليل الدينية والأدعية، فيما تتبادل العائلات التهاني والزيارات، وتشهد غالبية الأزقة حركة غير عادية، وتطغى روح التكافل، فتجد العديد من الناس يقدمون الصدقات في المساجد والمقابر ويوزعون الخبز المغمس بزيت الزيتون واللحوم على المحتاجين". 
وككل عيد، لا تغيب زيارة القبور عن تقاليد العائلات التونسية. ففي صباح العيد، يتوجه البعض إلى المقابر للترحم على الأموات وقراءة الفاتحة وبعض آيات القرآن على موتاهم، سواء بعد صلاة العيد مباشرة، أو بعد ذبح الأضاحي لتوزيع اللحوم على المحتاجين خلال زيارتهم للمقابر.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية