استقرار البطالة وتراجع الهجرة: هل يُضلل ذلك الاحتياط الفيدرالي؟
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

على الرغم من أن معدل البطالة الأميركي لا يزال مستقراً عند 4.2%، إلا أن هذه النسبة تخفي وراءها واقعًا اقتصاديًا أكثر تعقيدًا مما يبدو. فخلف هذا الاستقرار الظاهري، تُشير البيانات الحديثة إلى تحولات ديمغرافية وسياسية عميقة، أبرزها التراجع الحاد في أعداد العمال المهاجرين، وهو عامل بات يؤثر بشكل كبير على قدرة صناع القرار – وتحديدًا مجلس الاحتياط الفيدرالي – على فهم ديناميكيات سوق العمل واتخاذ السياسات النقدية المناسبة.

وبحسب "بلومبيرغ"، فإن البيانات التي صدرت مؤخرًا عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي أظهرت أن عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم ارتفع في شهر مايو/أيار2025، ورغم ذلك، لم يتغير معدل البطالة بل بقي مستقرًا. كيف يمكن تفسير هذه المفارقة؟
السبب يكمن في تقلص حجم القوة العاملة الأميركية، أي عدد الأشخاص الذين يعملون أو يبحثون بنشاط عن عمل. هذا التراجع كان الأكبر منذ عام 2023، ويُعزى بشكل كبير إلى انخفاض عدد العمال الأجانب – أي المهاجرين، سواء أكانوا شرعيين أم لا – وهو ما ساهم في إبقاء معدل البطالة من دون تغيير رغم تباطؤ خلق الوظائف.

الهجرة من بايدن إلى ترامب

شهدت فترة الرئيس جو بايدن تساهلاً نسبيًا في سياسات الهجرة، فقد انضم حوالي 5.8 ملايين مهاجر إلى سوق العمل الأميركية بين 2021 و2024. هذا التدفق ساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة العرض في سوق العمل، ما ساعد في تهدئة الضغوط التضخمية. إلا أن هذا الاتجاه انقلب جذريًا منذ صيف 2024، حين بدأت إدارة بايدن تقييد طلبات اللجوء عند الحدود الجنوبية. ومع فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، تصاعدت وتيرة الترحيل بشكل كبير، وتراجعت التأشيرات الممنوحة للمهاجرين الشرعيين. ونتيجة لذلك، سجل عدد العمال الأجانب في السوق الأميركية انخفاضًا حادًا يُعد الأكبر منذ جائحة كورونا.

وقد تعكس التوقعات الاقتصادية المحدثة للاحتياط الفيدرالي، المقررة في اجتماعه المقبل في 17-18 يونيو/حزيران، الفكرة بأن صانعي السياسات يتوقعون أيضًا ارتفاعًا طفيفًا فقط في معدل البطالة حتى مع تباطؤ الأوضاع الاقتصادية. لكن التغيير الجذري في سياسة الهجرة يجعل من الصعب التنبؤ باتجاه سوق العمل، بحسب ما ذكره جيمس إيغيلهوف، كبير الاقتصاديين الأميركيين في BNP Paribas، ووفقاً لما نقلته "بلومبيرغ".

ويقول خبراء الاقتصاد إن التراجع في الهجرة يعيد تشكيل ما يُعرف بـ"معدل التعادل"، وهو عدد الوظائف التي يجب أن تضاف شهريًا إلى الاقتصاد حتى يبقى معدل البطالة مستقرًا. وخلال العام 2023، كان هذا المعدل يقدّر بنحو 210 آلاف وظيفة شهريًا. أما الآن، وبفعل تراجع أعداد المهاجرين، فقد خفّضت مؤسسة "مورغان ستانلي" تقديرها إلى 90 ألف وظيفة فقط، بمعنى آخر، لم يعد خلق وظائف كثيرة ضروريًا للحفاظ على معدل بطالة مستقر، لأن عدد الباحثين عن عمل انخفض ببساطة.

الفيدرالي في حيرة: هل السوق ضيقة أم متماسكة؟

تكمن المعضلة في أن مجلس الاحتياط الفيدرالي يعتمد مؤشرات مثل البطالة لتقييم مدى صحة الاقتصاد، ولتحديد سياسته النقدية، لا سيما في ما يتعلق بأسعار الفائدة. فإذا كان معدل البطالة مستقرًا، فقد يرى الفيدرالي أن سوق العمل لا تزال قوية، ما يبرر الاستمرار في تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم. لكن الواقع أكثر هشاشة. يقول الخبير الاقتصادي ديريك تانغ لوكالة "بلومبيرغ": "ما يخشاه الفيدرالي هو أنه إذا تحرك لتخفيف السياسة النقدية قبل رؤية تدهور واضح في سوق العمل، فإنه قد يُفقد الأسواق الثقة بقدرته على ضبط التضخم". ويضيف: "النتيجة المحتملة هي تأخر في التدخل، ما يجعل أي ركود اقتصادي أعمق وأطول مما كان يمكن أن يكون".

وأحد التداعيات الأخرى لتراجع الهجرة هو الضغوط الصاعدة على الأجور. مع قلة المعروض من العمالة، يضطر أصحاب العمل إلى رفع الأجور للاحتفاظ بالموظفين أو جذب جدد، ما يؤدي بدوره إلى رفع التكاليف على الشركات والمستهلكين. هذا السيناريو قد يُبقي التضخم مرتفعًا، ويُصعّب على الفيدرالي اتخاذ قرار بخفض أسعار الفائدة، ما يطيل أمد السياسة النقدية المتشددة، ويؤثر سلبًا على قطاعات مثل العقارات والاستثمار.

الهجرة: محرك نمو مهدد

لطالما شكلت الهجرة رافعة مهمة للنمو الاقتصادي الأميركي. فهي لا تُوفر فقط الأيدي العاملة التي تحتاجها السوق، بل تساهم أيضًا في تجديد التركيبة السكانية، وتعويض النقص في العمالة الناتج عن الشيخوخة أو انخفاض معدلات الإنجاب. لكن الانقسامات السياسية العميقة وتحوّل ملف الهجرة إلى أداة انتخابية جعلا من الصعب الحفاظ على سياسات مستدامة في هذا المجال.

يرى البعض أن تقييد الهجرة يحمي الوظائف الأميركية، لكن البيانات تشير إلى أن العكس قد يكون صحيحًا على المدى المتوسط والطويل. ومع استمرار التغيرات السريعة في سياسات الهجرة، وتقلص حجم القوة العاملة، لم يعد من الممكن الاعتماد على أرقام البطالة وحدها مؤشرًا كافيًا على صحة الاقتصاد. لذلك، يتعين على الاحتياط الفيدرالي والمحللين الاقتصاديين النظر في العوامل الديمغرافية والسياسية، والاعتراف بأن ثبات معدل البطالة في ظل تباطؤ نمو الوظائف لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد في حالة جيدة. 

وقد زادت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب من تعقيد الصورة، إذ رفعت التوقعات بزيادة الأسعار وتباطؤ النمو. وهذا المزيج يضع أهداف الاحتياط الفيدرالي المزدوجة للاستقرار السعري والعمالة القصوى في حالة تعارض. فإذا خفض البنك المركزي أسعار الفائدة لدعم سوق العمل الضعيفة، فقد يؤدي ذلك إلى إثارة مخاوف من عودة التضخم. أما إذا لم يرتفع معدل البطالة، فقد يمنح ذلك المسؤولين فسحة للبقاء مركزين على التضخم في الوقت الحالي. لكن ذلك قد يعني أيضًا أنهم سيحتاجون إلى رؤية تراجع أكثر وضوحًا في نمو الوظائف قبل أن يتدخلوا لدعم العمال، وهذا الانتظار قد يكون مؤلمًا للعاطلين عن العمل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية