
ما بين خيبة الأمل ومحاولات البحث عن حلول واقعية، ما زال الإخفاق الأخير لمنتخب العراق في تصفيات كأس العالم يشغل الشارع الرياضي العراقي بكل أطيافه. فبعد خسارة النقاط أمام الكويت وفلسطين، والهزيمة أمام كوريا الجنوبية، بات المنتخب أمام خيار وحيد هو خوض الملحق بحثاً عن أمل التأهل.
في ظل هذا المشهد، تتعدّد الآراء وتتقاطع وجهات النظر حول أسباب ما حدث، المسؤوليات، والأخطاء التي يجب تداركها قبل فوات الأوان، بين من يحمّل الاتحاد العراقي لكرة القدم القسط الأكبر من المسؤولية، ومن يشير إلى أخطاء فنية وتكتيكية، ومن يرى أن الاستعداد للمرحلة المقبلة يجب أن يكون أكثر واقعية وهدوءاً. وحول ما حدث، حل حارس مرمى منتخب العراق السابق عماد هاشم (56 عاماً)، ضيفاً على "العربي الجديد" وقال حول أزمة أسود الرافدين: "الإخفاق الذي شهده منتخب العراق لم يكن وليد مواجهة كوريا الجنوبية الأخيرة، بل هو نتيجة تراكمات سابقة. لقد خسرنا نقاطاً كانت في المتناول أمام منتخبي الكويت وفلسطين، وهي نقاط كان يمكن أن تسهم في وضع مختلف تماماً اليوم. السبب الرئيسي لهذه الإخفاقات، برأيي، هو الإبقاء على المدرب كاساس بعد بطولة الخليج، رغم أن نتائج المنتخب في تلك البطولة كانت مخيبة للآمال، وقد اتّضحت آنذاك محدودية الإمكانيات الفنية للمدرب بشكل واضح".
وأردف نجم نادي الشرطة السابق: "في مواجهة كوريا الجنوبية الأخيرة، قدّم منتخبنا أداءً جيداً حتى الدقيقة 26، وهي اللحظة التي شكّلت نقطة التحول في المباراة بعد حالة الطرد التي تعرّض لها علي الحمادي. وهنا، أحمّل اللاعب المسؤولية كاملة عن هذه الحالة؛ إذ لم تكن الكرة خطيرة على مرمانا، وكانت في منتصف الملعب، مما يدلّ على سوء تقدير واندفاع زائد كان من الممكن تفاديه. مواجهة فريق متطور مثل كوريا الجنوبية تتطلب هدوءاً وتركيزاً، وهذا ما افتقده اللاعب في تلك اللحظة الحاسمة. النقطة الثانية، أعتقد أن المدرب غراهام أرنولد لم يجهّز الفريق بشكل كافٍ للتعامل مع سيناريوهات الطوارئ، ومنها اللعب بنقص عددي بعد حالة طرد. عندما حدث الطرد، لجأ الفريق إلى تراجع مبالغ فيه إلى الثلث الدفاعي، مما أدى إلى ارتكاب أخطاء دفاعية متكررة".
وتابع هاشم قائلاً: "كان من المفترض أن يعتمد منتخب العراق على اللعب كتلة واحدة في وسط الملعب، مع إسناد دور القشّاش للحارس جلال حسن في الكرات الساقطة خلف المدافعين، لضمان بقاء الفريق قريباً من مرمى المنافس في حال قطع الكرة. هذه الأخطاء يجب أن تكون محور اهتمام الجهاز الفني في المباراة المتبقية، وفي مواجهات الملحق القادمة. التعاطي مع سيناريوهات النقص العددي، كيفية تنظيم الدفاع، وآلية بناء الهجمة تحت الضغط، كلها عناصر تحتاج إلى عمل فني دقيق خلال الفترة المقبلة. لا تزال هناك فرصة قائمة، لكن نجاحنا في الملحق يتوقف بشكل كبير على تصحيح هذه الأخطاء وتحضير الفريق بشكل أكثر مرونة وواقعية، لمختلف مجريات المباريات القادمة".
من جهته، قال المدرب والمحلل الفني العراقي، أركان نجيب (42 عاماً): "الحقيقة أن حلم التأهل المباشر تبخّر بالتأكيد، وهو كان شبه متوقع في داخلنا نحن كفنيين، وحتى في وجدان جمهور منتخب العراق الذي يدرك تماماً مدى صعوبة مواجهة منتخب كوريا الجنوبية ومنتخب الأردن، وهما المنافسان المباشران على البطاقات المؤهلة مباشرة إلى كأس العالم. رغم ذلك، كنا متمسكين بالأمل، لكنه بدأ يتلاشى عملياً منذ فوز الأردن على عُمان في مسقط؛ كنا ننتظر من تلك المباراة نتيجة إيجابية تخفف قليلاً من الضغوط على منتخبنا قبل مواجهته الحاسمة أمام كوريا الجنوبية".
وواصل أيضاً: "عند انطلاق المباراة، ظهرت بوادر إيجابية: تنظيم عالٍ في الأداء، وشخصية جديدة للمنتخب تحت قيادة المدرب أرنولد. لكن هذا التنظيم والاندفاع سرعان ما تلاشى بعد حالة الطرد التي تعرض لها علي الحمادي إثر اندفاع غير مبرر. صحيح أن هذه الأمور تحدث حتى مع أفضل لاعبي العالم، لكنها أثّرت بشكل مباشر على مجريات اللقاء. لم نستغل الكثير من الفرص المتاحة، وكانت الخلاصة أمام كوريا مؤلمة. لكن ما جرى ليس وليد لحظة؛ هو نتيجة سلسلة من الأخطاء تراكمت في فترات سابقة، نتيجة عوامل متعددة إدارية وفنية وضغوط متواصلة، إلى جانب المشكلات التي طُرحت سابقًا في الوسط الرياضي".
وتابع: "تسمية أرنولد في هذه المرحلة المتأخرة كان الهدف منها محاولة خطف إحدى بطاقتي التأهل المباشر. وإذا لم يتحقق ذلك كما هو الحال الآن، فكان البديل الواقعي هو التأهل عبر الملحق، الذي يبقى هدفاً قائماً رغم صعوبته. من هنا، نطالب الجميع، الإعلام والجماهير العراقية، بتقبّل الأمور بواقعية والعمل بشكل منطقي في المرحلة المقبلة. لدينا الآن فترة جيدة وكافية للمدرب كي يتعرف على الكثير من التفاصيل، وينظّم الفريق بشكل أفضل استعداداً لخطف إحدى البطاقات المتبقية في الملحق".
وختم حديثه بالقول: "لا ننسى أن هناك نصف بطاقة أخرى، نأمل ألا نُجبر على خوضها لصعوبتها الكبيرة. لكن، وبحسب ما يصلنا من أخبار من داخل معسكر المنتخب، فإن المدرب يعمل بشكل احترافي كبير، والأجواء العامة داخل المنتخب إيجابية ومنتظمة. من المؤكد أيضاً، أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرات في اختيارات اللاعبين؛ هناك من أدّوا أدوارهم في الفترة الماضية ولم يوفقوا، وهناك من لم تُتح لهم الفرصة في المرحلة السابقة بسبب ظروفها وضغط المباريات، لكنهم يملكون إمكانات مميزة قد تظهر قريباً. في الختام، نتمنى كل التوفيق لمنتخبنا. الفرصة لا تزال قائمة، وإن شاء الله ننجح في تحقيق بطاقة التأهل عبر الملحق".
من جهته، قال نجم منتخب أسود الرافدين السابق ونادي الطلبة، علي وهيب (49 عاماً): "برأيي، الجميع يتحمّل المسؤولية عمّا وصل إليه حال منتخبنا الوطني، لكن المسؤولية الكبرى تقع بالدرجة الأولى على عدنان درجال، كونه الشخص الذي قدّم الضمانات المباشرة إلى رئاسة الوزراء، متعهداً بتحمّل كل ما يترتب على هذا الملف، سواء تحقق النجاح أو حصل الإخفاق. ولا شك أن منظومة الاتحاد التي يقودها تتحمل جزءاً كبيراً من هذا الوضع، وهذا أمر طبيعي جداً في مثل هذه الحالات".
وتابع: "للأسف الشديد، كنا نمني النفس بأن ينجح المنتخب في تحقيق حلم التأهل. لكن المؤشرات كانت واضحة منذ البداية: عندما تعجز عن الفوز على منتخبي فلسطين والكويت في أرضك، فمن الصعب جداً أن تحلم بتحقيق إنجاز كبير في التصفيات. لذلك، أرى أن الاتحاد، بشخص السيد عدنان درجال، يتحمّل كامل المسؤولية عمّا جرى".
وواصل حديثه قائلاً: "الذهاب إلى الملحق ليس هو الحل الأمثل، بل هو حلّ فُرض علينا في ظل الظروف الحالية. لذلك، من الوهم الاعتقاد أن بقاء الوضع كما هو بنفس اللاعبين، بنفس الخطط، بنفس التوجّه سيُفضي إلى نتائج مغايرة. المنافسون القادمون في الملحق فرق قوية جداً، ولا يمكن الاستهانة بها بأي حال من الأحوال. أتمنى أن يستقر غراهام أرنولد على وضع أفضل مما هو عليه الفريق الآن. لا يزال أمامه وقت حتى موعد الملحق، وقد باتت لديه فرصة لمتابعة الدوري عن قرب ورصد الأوضاع بشكل أكثر دقة".
من جهته قال نجم العراق السابق، بسام رؤوف: "أرى أن المسؤولية عمّا وصل إليه حال منتخبنا الوطني يتحمّلها الجميع، وفي مقدّمتهم منظومة الاتحاد العراقي لكرة القدم، التي تتحمّل المسؤولية الأولى، يليها باقي المؤسسات الداعمة، التي قدمت دعماً غير مبرمج بل ومبالغاً فيه أحياناً. كما لا يمكن إعفاء الإعلام من دوره، إذ كان جزء منه مجاملاً للأخطاء الواضحة، بدل أن يضع يده عليها ويعالجها".
وتابع أيضاً: "المرحلة الحالية ليست وقت تصعيد الخلافات أو الصراعات داخل الاتحاد أو خارجه. فلنؤجل هذه الملفات إلى ما بعد الانتخابات القادمة، ولنعمل على تجهيز المنتخب بأفضل صورة ممكنة، من خلال المعسكرات الجيدة واختيار اللاعبين الأكفياء، ومنح الجهاز الفني الدعم الكامل لإعداد الفريق نفسياً وفنياً".
