طيّ صفحة مخيّم الركبان الشاهد على مأساة النزوح السوري
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

غادرت، أمس الجمعة، آخر عائلة سورية مخيّم الركبان بعد أكثر من عقد من الزمن، لتُطوى بذلك صفحة هذا المخيّم المعزول والمهمل الذي يمثّل واحداً من أبرز رموز معاناة النازحين السوريين. وهذا المخيّم الواقع في منطقة الـ"55 كيلومتراً"، في ريف حمص الشرقي حيث قاعدة التنف العسكرية التابعة لقوات التحالف الدولي عند المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسورية، أُنشئ في عام 2014، وقد بلغ عددُ الذي آواهم ذروَتَه في عام 2016، إذ تخطّى 75 ألف نازح، هُجّروا بمعظمهم من مناطقهم الأصلية بسبب بطش النظام السوري السابق وتنظيم داعش.

وفرض النظام السوري السابق والقوات الروسية، في عام 2016، حصاراً خانقاً على مخيّم الركبان وشاغليه، فمُنع إدخال المواد الغذائية والأدوية، الأمر الذي أدّى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بطريقة مأساوية. وفي عام 2019، توقّفت المساعدات الأممية المخصّصة لهذا المخيّم، وازدادت معاناة النازحين إليه الذين لجأوا إلى الزراعة في بيئة صحراوية، في محاولة للبقاء على قيد الحياة. وقد عاد النظام السابق ليشدّد حصاره على المخيّم في عام 2023، قاطعاً الطريق الوحيد لإدخال المواد الغذائية إليه، الأمر الذي أدّى إلى نقص حاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الأطفال إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بصورة كبيرة.

وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024، مع سقوط نظام الأسد، رُفع الحصار عن مخيّم الركبان وراح شاغلوه يغادرونه. وبحلول منتصف العام الجاري، لم تتبقَّ في المخيّم إلّا عشر عائلات تقريباً، معظمها من أبناء المنطقة قبل عام 2011. وقبل تفكيكه، كان مخيّم الركبان يؤوي نحو 8500 شخص، غالبيتهم (نحو 85%) من أبناء ريف حمص الشرقي، تحديداً من القريتَين وتدمر ومهين. كذلك كان المخيّم يؤوي عدداً من أبناء محافظة دير الزور، بالإضافة إلى أفراد من عشائر البدو التي كانت منتشرة سابقاً في البادية السورية، يُذكر أنّ هؤلاء رفضوا للعودة إلى مناطق النظام السوري المخلوع، خوفاً من الاعتقال أو الإخفاء القسري، خصوصاً بعد شهادات عن مصير عائدين اختفوا فور دخولهم إلى تلك المناطق.

أمّا العائلات القليلة التي بقيت في مخيّم الركبان حتى اللحظة الأخيرة، فكانت بمعظمها غير قادرة على دفع تكاليف التهريب المرتفعة، للوصول إلى مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ومنها إلى مناطق المعارضة أو حتى إلى تركيا. وكانت تكلفة الخروج من المخيّم، وفقاً لشهادات عديدة، قد بلغت آلاف الدولارات، الأمر الذي جعل بقاء هذه العائلات في مخيّم الركبان أشبه بحكم إجباري بالموت البطيء.

المواطن السوري محمود الشهاب واحد من النازحين إلى مخيّم الركبان من مدينة تدمر، يقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا في أواخر عام 2015، وعشنا أصعب أيام حياتنا في المخيّم. عشنا الحصار والمعاناة والعجز. بسبب عمل والدتي ووالدي في مجال الصحة، مرّت علينا حالات قاسية جداً"، مضيفاً أنّ "انعدام الخدمات الطبية وفقدان الأدوية أدّيا إلى وفيات كثيرة وحالات إجهاض لا تُعَدّ ولا تُحصى"، ويتابع أنّه "في عام 2016، بعد تصريح الجانب الأردني بوقف المساعدات، كانت بداية المعاناة الكبرى لأهالي المخيّم"، مشدّداً على أنّ "أبسط مقومات الحياة كانت معدومة في المخيم".

ويمكن القول إنّ مخيم الركبان لم يكن مجرّد مأوى مؤقّت لنازحين سوريين، إنّما كان شاهداً على جرائم النظام السوري السابق في التهجير والتجويع والتخويف. ولا يعني تفكيك المخيّم نهاية المأساة، بل هو تذكير دائم بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة الإنسانية، والعمل على ضمان عودة آمنة وكريمة للنازحين إلى ديارهم.

من جهته، يقول المواطن مجدي العيسى، أحد العائدين من مخيّم الركبان إلى بلدته القريتين بريف حمص، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن وصف ما عشناه في المخيّم بكلمات"، شارحاً أنّ "مخيّم الركبان كان أقرب إلى سجن منه إلى مخيّم؛ إذ لا مياه ولا دواء ولا تعليم ولا حتى أمان"، ويشير إلى أنّ "السماء كانت سقفنا والصحراء جدراننا. وفي كلّ يوم كنّا ننتظر أن ننجو.. فقط أن ننجو".

ويخبر العيسى أنّه "في عام 2020، حاول أخي الهروب من الحصار عن طريق التهريب إلى الشمال، فهو كان مريضاً جداً وكنّا نأمل بأن يجد علاجاً هناك، لكنّ الطريق كان خطراً، وقد تعرّضت السيارة التي كان يستقلها لانفجار لغم من مخلفات الحرب، ففقدناه". وإذ يقول "ما زلت لا أصدق أنّه رحل"، يلفت إلى أنّ "لم نتمكن حتى من دفنه بكرامة"، ويكمل العيسى: "خرجنا من جحيم النظام السابق إلى جحيم الصحراء، ومن جحيم الركبان عدنا إلى منازلنا المدمّرة. لكنّنا هنا في القريتين، نستطيع على الأقلّ البدء من جديد"، ويشدّد على أنّ الوجود في مخيّم الركبان كان "موتاً بطيئاً. هو موت تحت أنظار العالم".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية