إيفان هينشو ــ بلاث: تويتر انحرف عن رؤيته الأصلية
عربي
منذ 10 ساعات
مشاركة

في حوار خاص مع "العربي الجديد"، يتحدث إيفان هينشو ــ بلاث، المعروف بلقب "رابل"، أحد رواد التكنولوجيا الاجتماعية وأول مهندس في منصة تويتر وقتها (إكس حالياً)، عن رحلته في بناء الشبكات الاجتماعية، وتحديات المركزية التي تهدد روح الإنترنت المفتوح، ورؤيته لمستقبل الإعلام الرقمي في ظل التحولات العالمية.

لنبدأ بتعريف قرائنا بك. من هو "رابل"؟

أنا إيفان هينشوــ بلاث، أُلقّب بـ"رابل"، هاكر ومهندس برمجيات من وادي السيليكون. كنت أول موظف في شركة أوديو، التي تحوّلت لاحقاً إلى "تويتر"، وساهمت في بناء النماذج الأولية للتدوين الصوتي ومفاهيم التواصل الاجتماعي المبكرة. أنا أيضاً ناشط تقني، أعمل على تطوير أدوات مفتوحة المصدر تهدف إلى تمكين المجتمعات الرقمية وتعزيز الديمقراطية. شاركت في مبادرات تقنية عالمية، من الولايات المتحدة إلى أميركا اللاتينية وأوروبا، وحتى المنطقة العربية.

دعنا نتحدث عن تجربتك مع "تويتر". كنت جزءاً من البدايات، بل أنت هو من وظّف جاك دورسي ( المؤسس المشارك لشركة تويتر). كيف ترى تطور "تويتر" اليوم؟ هل أنت راضٍ عن مساره؟
تويتر كان إنجازاً عظيماً، وأنا فخور جداً بالتأثير الذي أحدثه في العالم. لكن، للأسف، لم يعد يعكس الرؤية الأصلية التي بدأنا بها. كنا نطمح إلى خلق مساحة حميمة للتواصل البسيط، لكن مع توسّعه إلى منصة عالمية، واجه تحديات سياسية واجتماعية وتقنية لم يُصمم لها أصلاً. اليوم، أرى أن "تويتر" لا يحقق إمكانياته الكاملة، ولهذا أعمل على الجيل القادم من المنصات التي تستعيد روح الإنترنت المفتوح.

لماذا أنشأتم "تويتر" في الأصل؟ ما الذي ألهمكم؟
بدأ الأمر انطلاقاً من حاجة شخصية. أردنا طريقة لمشاركة لحظاتنا اليومية العابرة مع أصدقائنا من دون الحاجة إلى مكالمات أو رسائل فردية. كنا نمزح قائلين إن "تويتر" هو لـ"الأشياء غير المهمة" التي لا تستحق الحديث عنها وجهاً لوجه على فنجان قهوة. لكن سرعان ما أدركنا أن "تويتر" ليس للأصدقاء فقط، بل أصبح نبضاً عالمياً يربط الناس بعضهم ببعض بأفكار وآراء. تحول من مساحة صغيرة إلى محادثة عالمية، وهذا كان قوياً جداً، لكنه جلب تحديات لم نتوقعها.

مع انتقالنا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، هل تعتقد أن المطورين يدركون إلى أين قد يقودنا؟
لا أحد يعرف على وجه التحديد. الذكاء الاصطناعي الآن يُستخدم بالطريقة نفسها التي استخدمنا فيها "تويتر" في بداياته: نطبّق نماذج قديمة على وسيط جديد. في "تويتر"، استغرقنا وقتاً لاكتشاف ميزات مثل الهاشتاغ والريتويت. مع الذكاء الاصطناعي، ما زلنا في مرحلة مبكرة، نستخدمه لتحسين الفيديوهات أو كتابة النصوص، لكننا لم نكتشف بعد الطريقة "الطبيعية" لاستخدامه. عندما نفعل، سنشهد تحولاً عميقاً في المجتمع.

ما مدى أهمية الجانب الإنساني في التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي؟
الجانب الإنساني هو جوهر كل شيء. وسائل التواصل الاجتماعي تُبنى لربط الناس، لتلبية احتياجاتهم العاطفية والاجتماعية. أما الذكاء الاصطناعي، فهو انعكاس لما أنتجه البشر، بكل جماله وقبحه. إنه ليس شيئاً غريباً، بل مرآة لنا. المشكلة تحدث عندما تتحول هذه الأدوات إلى تجربة استهلاكية سلبية تخدم الإعلانات بدلاً من تعزيز التواصل الحقيقي.

يقول البعض إن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من عزلة الناس، ومع ظهور "الرفاق الرقميين"، أصبح البعض يشاركهم أسرارهم بدلاً من أصدقائهم. كيف ترى هذا التحول؟
في البداية، كانت وسائل التواصل تعتمد على التفاعل النشط وبناء علاقات حقيقية، لكنها تحولت إلى منصات إعلامية تخدم الإعلانات. هذا جعل التجربة سلبية. أعمل الآن على إعادة النموذج النشط، حيث يملك المستخدمون سيطرة على هويتهم الرقمية، الخوارزميات، الخصوصية. بالنسبة للذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون أداة إبداعية إذا استُخدم شريكاً للتفكير، لا مجرد مزوّد محتوى جاهز. النماذج مفتوحة المصدر هي المفتاح لضمان أن يتحكم الناس في هذه الأدوات، لا الشركات.

هناك أزمة ثقة في المنصات الرقمية بسبب الحسابات الوهمية ونموذج الإعلانات. هل تعتقد أن الشركات تفعل ما يكفي لمعالجة ذلك؟
المشكلة تكمن في نموذج الإعلانات نفسه. هذا النموذج يعتمد على زيادة التفاعل والأرقام باستمرار، حتى لو كان ذلك على حساب جودة التجربة أو أمان المستخدمين. الحلول مثل "الكابتشا" ليست كافية، لأن الشركات تحتاج إلى نمو مستمر لإرضاء المستثمرين، مما يجعلها متساهلة مع الحسابات الوهمية.

إذاً ما هو النموذج الأخلاقي لمنصة اجتماعية؟
النموذج الأخلاقي يعتمد على تمويل الجمهور نفسه، مثل منصات Substack أو Medium، حيث يدفع المستخدمون اشتراكات شهرية مقابل محتوى عالي الجودة. هذا يركز على التواصل الحقيقي بدلاً من الكمية. المنصات التي تعتمد على الإعلانات تضحي بالجودة من أجل الأرباح.

هل ترى أن المستقبل يتجه نحو المجتمعات المصغّرة؟ وهل هناك تناقض بين الأنسنة والعولمة؟
أنا أؤمن بالعالم المنفتح، لكنني أرى أن كل مجتمع له قيمه وعاداته. العولمة التي تسعى لتوحيد الجميع على منصة واحدة، كما حاول جاك دورسي أو مارك زوكربيرغ، تفقد السياقات المحلية التي تجعل المجتمعات فريدة. منصة اجتماعية صحية يجب أن تتيح لكل مجتمع وضع قواعده الخاصة، مع الحفاظ على بروتوكولات مفتوحة تسمح بالتفاعل العالمي.

كنت جزءاً من تأسيس "بلوسكاي". هل تعتقد أنها تحقق هذه الرؤية؟
"بلوسكاي" خطوة في الاتجاه الصحيح. عملت مع جاي غريبر وبول فرايزي وجاك دورسي لتأسيسها، وأرى أنها تحاول بناء منظومة مفتوحة. لكنها تواجه تحديات السوق والمستثمرين. لهذا، أعمل على "وثيقة حقوق مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي" التي تطالب بحقوق مثل امتلاك الهوية الرقمية، والتحكم في الخوارزميات، والخصوصية. الهدف ليس "بلوسكاي" بوصفها شركة، بل البروتوكول الذي يتيح للجميع بناء منصاتهم الخاصة.

في المنطقة العربية، هناك محاولات لبناء منصات محلية، لكن الكثير منها فشل. ما نصيحتك لمن يحاول بناء منصة للمنطقة؟
نصيحتي هي عدم بناء شيء منفصل كلياً. استفيدوا من البروتوكولات المفتوحة مثل AT Protocol الذي تستخدمه "بلوسكاي". يمكنكم بناء منصة تناسب ثقافتكم وقيمكم، مع أنظمة إشراف محلية، لكنها متصلة بالمنظومة العالمية. هذا يضمن التوافق مع السياق المحلي من دون إعادة اختراع العجلة. على سبيل المثال، منصة بلاكسكاي التي أسسها رودي فوستر للأميركيين الأفارقة تستخدم البروتوكول نفسه، لكن بخوارزميات وإشراف يناسبان مجتمعهم.

أخيراً، أخبرني عن تجربتك مع المجتمعات المصغّرة. هل ترى أنها الحل؟
تماماً. المجتمعات المصغّرة هي المستقبل. أتذكر قصة "تويتر": بنيناه في يوم واحد لأنه كان يلبي حاجة حقيقية. أخيراً، أطلقت تطبيقاً تجريبياً يُدعى Chorus.Community، يركز على تمكين المجتمعات المحلية من خلال محافظ رقمية لتمويل جماعي. هناك أيضاً مشاريع مثل New Public التي تعمل على شبكات محلية تركز على القيم المجتمعية بدلاً من الأرباح. هذه هي الطريقة: بناء منصات مع الناس، وليس فقط لهم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية