أزمة إعفاء الحريديم: هل اقتربت نهاية حكومة نتنياهو؟
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

أصبح من الواضح أن مطلب الأحزاب الحريدية ـ الدينية المتشددة بسنّ قانون ينظّم إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، إلى جانب تنظيم الميزانيات المخصصة لهذه المعاهد، بعد أن أوقف تنفيذها قرار المحكمة العليا في مارس/آذار 2024، يُشكّل تهديداً جدياً لاستمرارية تماسك تحالف حكومة بنيامين نتنياهو. ويمكن القول، بدون مبالغة، إن هذه الأزمة ليست عابرة، وإن حكومة نتنياهو قد لا تتمكن من الصمود حتى نهاية دورة الكنيست المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2026، حتى وإن تأجل تفككها لبعض الوقت. وعلى الرغم من أن أزمة إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية ليست بالأمر الجديد، إلا أن مجموعة من العوامل المستجدة، وفي مقدمتها حرب الإبادة في غزة، ومساعي حكومة نتنياهو تقييد صلاحيات السلطة القضائية ومنع تدخّلها في العملية التشريعية، إلى جانب التحوّلات العميقة التي شهدها المجتمع الإسرائيلي خلال العام الأخير، وتراجع ثقة الأحزاب الحريدية بوعود حكومة نتنياهو قد حوّلت هذه الأزمة إلى معضلة بنيوية، يصعب تفكيكها أو التوصل إلى تسوية مقبولة بشأنها في المدى المنظور.


حكومة نتنياهو قد لا تتمكن من الصمود حتى نهاية دورة الكنيست في أكتوبر 2026

طلاب المعاهد الدينية تاريخياً

رافق سؤال إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية دولة إسرائيل منذ تأسيسها. في عام 1948، منح رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون إعفاءً من الخدمة العسكرية لنحو 400 طالب في المعاهد الدينية. غير أن هذا العدد شهد ارتفاعاً كبيراً عام 1977، حين ألغت حكومة "الليكود" الأولى برئاسة مناحيم بيغن القيود على عدد الطلاب المستفيدين من الإعفاء. في عام 1998 بدأ هذا الواقع يتغير، حين قضت المحكمة العليا الإسرائيلية أن وزير الأمن لا يملك الصلاحية القانونية لمنح إعفاء جماعي لطلاب المعاهد الدينية، وطالبت بسنّ قانون مناسب. ونتيجة لذلك، أُقرّ ما عُرف بـ"قانون طال"، الذي أتاح تأجيل الخدمة العسكرية لطلاب المعاهد الدينية، لكنه أثبت عدم نجاعته، وأُبطل لاحقاً بقرار من المحكمة العليا عام 2012. في عام 2014، تم تعديل قانون خدمة الأمن، ونصّ التعديل على تحديد أهداف سنوية متزايدة لتجنيد طلاب المعاهد الدينية في الجيش.

ومع ذلك، تراجعت حكومة نتنياهو عام 2015، التي شملت في تشكيلتها الأحزاب الحريدية، عن هذه الأهداف من خلال تعديل إضافي أقرّ إلغاء العقوبات المقررة على من لا يلتزم بالتجنيد، وسمح باستمرار الإعفاء حتى من دون تحقيق الأهداف المحددة. وفي عام 2017، قضت المحكمة العليا بأن القانون المعدّل للإعفاء يمسّ الحقوق الدستورية للمواطنين الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، وقررت وجوب إبطاله. ومنذ ذلك الحين، لجأت الحكومة الإسرائيلية مراراً إلى المحكمة لطلب تمديد المهلة القانونية بغية سنّ قانون جديد يُنظّم هذه المسألة، إلا أن المهلة انتهت فعلياً في صيف عام 2023 من دون التوصل إلى تسوية تشريعية دائمة. في مطلع يونيو/حزيران 2023، وبدلاً من سنّ قانون جديد، اختارت الحكومة تنظيم المسألة عبر ما يُعرف بـ"أمر الساعة"، وهو إجراء مؤقت يُمدّد سنوياً. وفي 28 مارس 2024، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمراً مؤقتاً يقضي بتجميد الميزانيات المخصصة للمدارس الحريدية التي لا يلتزم طلابها بأداء الخدمة العسكرية، حتى البتّ في الالتماس المقدم بشأن قانون الخدمة العسكرية خلال الأشهر القريبة. وأوضحت المحكمة أنها لن تقبل بأي تشريع لا يضمن مبدأ المساواة في تحمّل الأعباء بين المواطنين، ويشمل تقليصاً ملموساً في الإعفاءات من الخدمة العسكرية إلى الحد الأدنى الممكن.


أي صيغة ترضي الأحزاب الحريدية لتجاوز الأزمة قد تُقابل بالرفض من قبل المحكمة العليا

محاولات حكومة نتنياهو

محاولة حكومة نتنياهو تقديم قانون جديد باءت بالفشل، نتيجة التناقضات والخلافات داخل الائتلاف الحاكم، بالإضافة إلى موقف المستشارة القضائية للحكومة التي تشترط سنّ قانون يضمن المساواة في تحمّل الأعباء ويُقلّص الإعفاءات الممنوحة. وقد تعزز هذا الإخفاق برفض رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، شروط الأحزاب الحريدية، وإصراره على أن يتضمن القانون بنوداً تفرض عقوبات جنائية على المتهربين من أداء الخدمة العسكرية. في محاولة لتفادي أزمة مع الأحزاب الحريدية، لجأ نتنياهو إلى اعتماد استراتيجية تقوم على التأجيل والمماطلة، وزيادة الميزانيات المخصصة للمجتمع الحريدي في وسيلة تهدئة مؤقتة أو شكل من أشكال "الرشوة السياسية" لتأجيل الانفجار. بينما تمسكت الأحزاب الحريدية بمطلبها الأساسي، والمتمثل في سنّ قانون يضمن ترتيب الإعفاء ويعيد الميزانيات إلى المعاهد الدينية.

بدأ الجيش الاسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، بإرسال أوامر تجنيد للشبان الحريديم، وأصبح آلاف من طلاب المعاهد الدينية يُعتبرون فارين من الخدمة ويواجهون خطر الاعتقال. على أثر ذلك طالبت الأحزاب الحريدية مرة أخرى نتنياهو، قبل نحو أسبوعين، بإقرار قانون ينظم إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية. وأعلنت تلك الأحزاب أنها ستنتظر فقط إلى ما بعد الأعياد اليهودية مطلع يونيو الحالي لعرض القانون، وفي حال عدم تقديم اقتراح القانون ستكون ملزمة بالانسحاب من التحالف الحكومي أو دعم قانون لحل الكنيست. مرّ الموعد من دون أن يتمكن الائتلاف الحكومي من سنّ قانون، وبدون أن يحاول نتنياهو أصلاً طرح اقتراح قانون. وهكذا تفجرت الأزمة الائتلافية الحالية. قد تكون الأزمة السياسية داخل التحالف الحكومي حول قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، هي الأبرز التي لازمت حكومة نتنياهو منذ تشكيلها عام 2022.

هذه أزمة متعددة المحاور واللاعبين وأثرها يطاول المجتمع الإسرائيلي في جوانب عدة، منها الأمنية والاقتصادية ومكانة الدين بالدولة، ومكانة الأحزاب الحريدية وتأثيرها في المشهد السياسي. تخلق هذه الأزمة معضلة لنتنياهو مع حلفائه الطبيعيين من الأحزاب الحريدية، وأزمة داخل حزب الليكود نفسه، ولو كانت أقل حدة ويمكن التعامل معها، وكذلك تنتج إشكالية مع غالبية المجتمع الإسرائيلي الذي يدعم إلغاء الإعفاء من الخدمة للشبان المتشدّدين دينياً، من ضمنهم قسم من مصوتي حزب الليكود نفسه. وفقاً لاستطلاعات الرأي العام كافة، يدعم إلغاء الإعفاء نحو 70% من المجتمع اليهودي.

يبدو، في ظل المعطيات السياسية الحالية، أن التوصل إلى صيغة قانون تحظى بموافقة جميع الأطراف أمرٌ بالغ الصعوبة، بل إن أي صيغة ترضي الأحزاب الحريدية لتجاوز الأزمة قد تُقابل بالرفض من قبل المحكمة العليا. علاوة على ذلك، هدد عدد من أعضاء الكنيست المنتمين إلى حزب الليكود الحاكم بأنهم سيعارضون أي قانون لا يؤدي إلى تجنيد فعلي وواسع النطاق. وقد يزداد موقفهم تصلباً إذا شعروا بأن حكومة نتنياهو تقترب من نهايتها، وأن الانتخابات أصبحت واقعاً لا مفر منه. مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى تآكل مكانة نتنياهو داخل "الليكود"، ويقوّض قدرته على فرض الانضباط الحزبي ومنع التصرفات الفردية التي تتعارض مع أهدافه ومصالحه السياسية. كما لا يمكن استبعاد أن يتّخذ وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، موقفاً متشدداً تجاه أي قانون إعفاء يُبقي على الوضع القائم، وذلك في ضوء الضغوط المتزايدة من قبل مؤيدي الحزب، الذين يطالبون بفرض الخدمة العسكرية على الشباب الحريدي، خصوصاً في ظل استمرار الحرب على غزة. وبالنظر إلى نتائج آخر استطلاعات الرأي التي نُشرت الأربعاء الماضي، والتي تُظهر أن سموتريتش بالكاد يتجاوز نسبة الحسم، فقد يسعى إلى استغلال هذه الأزمة لتعزيز مكانته السياسية والانتخابية، خصوصاً إذا ما توصّل إلى قناعة بأن تقديم موعد الانتخابات بات خياراً لا مفر منه.

زاد نتنياهو الميزانيات المخصصة للمجتمع الحريدي وسيلةً لتهدئة مؤقتة

نتنياهو والسعي لكسب الوقت

في ظل الظروف الراهنة، يبدو أن كسب الوقت وتأجيل التنفيذ هو الخيار الأساسي المتاح أمام نتنياهو. قد يسعى نتنياهو إلى اقتراح صيغة جديدة لقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، حتى وإن كان مدركاً أن هذه الصيغة لن تجتاز اختبار المحكمة العليا. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة قد تمكّنه من تأجيل الأزمة مؤقتاً، كما أنها تمنحه فرصة سياسية للانتقال إلى حملة انتخابية ترتكز على مهاجمة المحكمة العليا، واتهامها بإسقاط حكم اليمين ومنع تنفيذ إرادة الناخبين. بإمكان نتنياهو أيضاً أن يُقدم على إقالة يولي إدلشتاين من منصبه رئيساً للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، في محاولة لإزالة أحد العوائق أمام تمرير قانون الإعفاء. إلا أن مثل هذه الخطوة، في ظل غياب صيغة متوافق عليها داخل الائتلاف، قد تؤدي في أفضل الأحوال إلى تأجيل الأزمة لبضعة أشهر، من دون تقديم حل جوهري. علاوة على ذلك، فإن هذه الخطوة قد تُلحق ضرراً بصورة نتنياهو، وتُعمّق التصدعات داخل الائتلاف الحكومي، وربما تفتح الباب أمام تمرد داخلي في حزب الليكود نفسه.

كذلك، قد يلجأ نتنياهو إلى تبنّي خيارات أمنية تقليدية في وسيلة لتوحيد الصف الداخلي وصرف الأنظار عن الأزمة السياسية المتفاقمة، بما في ذلك تصعيد محتمل في ما يتعلّق بالمشروع النووي الإيراني. وقد لا يتردد في ذلك حتى لو أدى إلى توتر أو صدام مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بالنسبة لنتنياهو، فإن الحفاظ على تماسك التحالف الحكومي ومنع الذهاب إلى انتخابات مبكرة يرتبط بإعفاء طلاب المعاهد الدينية، وهو سيناريو قد يضعفه سياسياً، وقد يبرر، في نظره، هذه المخاطرة الأمنية والدبلوماسية. إلا أن السيناريو الأرجح هو أن يتمكن نتنياهو من تأجيل الأزمة لبعض الوقت من خلال مناورة وتسويات جديدة ومؤقتة مع الأحزاب الحريدية، ومع الجهات المطالبة بسنّ قانون يُلزم أكبر عدد ممكن من طلاب المعاهد الدينية بالخدمة العسكرية. من شأن هذا السيناريو أن يمنح نتنياهو مهلة إضافية لإعادة ترتيب الأوراق والحسابات، فيسعى إلى الحفاظ على السيطرة على توقيت الانتخابات المقبلة وعلى العناوين التي ستدور حولها. من الواضح أنّ تبكير موعد الانتخابات بات أمراً شبه محسوم. فحتى إذا نجح نتنياهو في تأجيل هذه الأزمة لأسابيع أو أشهر، سيكون من الصعب على التحالف الحالي تمرير ميزانية جديدة لعام 2026 تُرضي جميع مركّبات الائتلاف، التي تدرك تماماً أنها تواجه عاماً انتخابياً. هذا الواقع سيؤدي إلى تفكك تدريجي لـ"الغراء" الذي يربط مكوّنات الائتلاف الحكومي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية