
لن يمرّ عيد الأضحى في قطاع غزة هذا العام، الذي يشهد تفاقماً للمأساة الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث تغيب كل مظاهر الفرح من ذبح الأضاحي وارتداء ملابس جديدة وتبادل الزيارات وغيرها
تغيب مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى عن قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، ويُخيّم الصمت على أزقة القطاع وشوارعه المدمّرة. لا هدايا وزّعت ولا أضاحي ذبحت ولا أطفال ارتدوا ثياباً جديدة. كل ما تبقى هو الدمار والخوف الذي يُسيطر على العائلات الفلسطينية، التي عانت جميعها الجوع والنزوح والتشرد، في ظل استمرار العمليات العسكرية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة.
تحوّل العيد إلى مناسبة لتذكّر الأوجاع والشهداء بدلاً من تبادل التهاني والزيارات، خصوصاً مع استمرار الحصار الإسرائيلي المُطبق على القطاع. ويعيش سكان غزة ظروفاً إنسانية كارثية، وسط نقص حاد في المياه والكهرباء والأدوية والغذاء، في وقت تحذر فيه منظمات إنسانية من تفاقم الأوضاع مع استمرار التصعيد، وتدعو إلى فتح ممرات إنسانية فورية.
يعيش جهاد عبد العزيز أبو رواع (53 عاماً) داخل خيمة مع أسرته النازحة من مخيم جباليا شمالي القطاع، في أحد مراكز النزوح غربي مدينة غزة، وسط ظروف حياتية صعبة. يقول: "في ظل استمرار الحرب، دمّر بيتنا وغابت عنا كل أجواء العيد من تناول الحلوى واستقبال الأقارب وغيرها من الطقوس الجميلة التي اعتدنا عليها". يضيف لـ "العربي الجديد": "الاحتلال دمّر بيوتنا وأحلامنا، وأصبح حلمنا في قطاع غزة الحصول على قارورة مياه أو طعام من تكيّة خيرية نسد بها رمق العائلة. منذ أكثر من شهرين ونحن نتضور جوعاً، وكأننا صيام ولا نتلقى سوى وجبة واحدة في اليوم، إما العدس أو المعكرونة".
يتابع: "غزة هي المنطقة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تعيش عيد الأضحى، فلا لحوم ولا حلويات، عدا عن النزوح الذي يرافقنا طوال الحرب. أطفالنا لا يرتدون ملابس جديدة على غرار أطفال آخرين. نناشد العالم وقف حمام الدم. نريد أن نعيش بكرامة كبقية الشعوب".
يمر عيد الأضحى هذا العام قاسياً على أسماء عزام حجازي، بعدما استشهد زوجها إبراهيم عزام حجازي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ودمر منزلها واضطرت إلى النزوح قسراً إلى إحدى مدارس الإيواء غرب مدينة غزة. تقول: "كان زوجي يشتري الملابس الجديدة لأطفالي الثلاثة في كل عيد ويُحضر الحلوى، لكن تبدّلت أوضاعنا هذا العيد وغابت الفرحة". تضيف لـ "العربي الجديد": "في ظل غياب زوجي، أحاول تعويض أولادي بأي شيء حتى لا يشعروا بالنقص، وأوفر لهم كل ما يطلبونه. العيد صعب في ظل غياب الزوج. أشعر كأنني فقدت عمري".
من جهتها، تعيش أم هيثم أحمد واقعاً مريراً في مدرسة حمامة في حي الشيخ رضوان شمال غربي غزة، التي نزحت إليها منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، في ظل المجاعة التي تزداد حدتها يوماً بعد آخر. كما تعيش قلقاً مستمراً جراء اشتداد وتيرة القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة من القطاع. تقول لـ "العربي الجديد": "العيد فرحة للأطفال والنساء وكبار السن، لكن هذا العيد يأتي في ظروف مختلفة؛ فالأطفال يعانون آثاراً نفسية صعبة، وقد أنهك الجوع أجسادهم وأجساد الكبار. لم أستطع شراء ملابس جديدة لأطفالي على غير العادة. وأصبح الهم الأكبر الحصول على مياه الشرب والطعام".
وتوضح أنّها نزحت مرّات عدة منذ بداية الحرب، ولم ينتهِ مسلسل النزوح بعد، مضيفةً: "بيتنا مُدمر بشكل كامل وليس لدينا مأوى، فكيف سنحتفل بالعيد ونحن خارج منزلنا؟ لن نستقبل الأقارب ولن نوزع الحلوى هذا العيد. نتمنى أن تمر هذه الأزمة على خير ونفرح بقدوم العيد كما كنا قبل الحرب".
أما الشاب مؤمن جبر، فقد خسر طفلته الوحيدة سيلا التي لم تتجاوز العام ونصف العام من العمر في ديسمبر/ كانون الأول 2024. ومنذ ذلك اليوم، لم يشعر بأي فرحة. يحكي بحزن: "من بعد سيلا، لم أشعر بأي عيد. مات الفرح في قلبي". وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، دمر الاحتلال المنزل حيث كان يسكن وعائلته الصغيرة. ويسأل في حديثه لـ "العربي الجديد": "كيف يدخل الفرح قلبي في العيد بعدما فقدت طفلتي ومنزلي؟ ما زلت أعيش حالة من الخوف والقلق جراء القصف المستمر والنزوح من منطقة إلى أخرى".
ويغيب عن هذا العيد ذبح الأضاحي، وهو أحد أبرز الطقوس الدينية في الأضحى، الذي يحرص عليه المسلمون حول العالم. ويقول صاحب مزرعة ومسلخ للماشية في غزة، أحمد سعيد العبسي: "في الأيام الأخيرة التي تسبق عيد الأضحى، كنا نُجهز الأضاحي ونوزعها على أصحابها، كما نجهز المسلخ الخاص بالذبح". يضيف لـ "العربي الجديد": "أجواء الذبح صبيحة العيد رائعة جداً. يتجمع الناس في المسلخ بمن فيهم الأطفال والسعادة ترتسم على وجوههم. لكن تغيب هذه المظاهر اليوم بعدما دمرت المزارع. لم يعد الخروف موجوداً ولا اللمة ولا الفرحة. نقضي أيامنا في طوابير المياه والطعام، بدلاً من ذبح الأضاحي".
يتابع حديثه بحسرة: "حتى المسلخ الذي نذبح فيه الأضاحي تضرر ولم يعد صالحاً كما قبل الحرب. اختفت كل ملامح الفرح، والأطفال لم يرتدوا الملابس الجديدة التي غابت أصلاً عن القطاع بسبب منع إدخالها بفعل إغلاق المعابر. نتمنى أن تنتهي هذه الحرب ونعود للأيام الجميلة التي كانت قبلها".
حاله حال غالبية أهالي قطاع غزة، حرم الشاب خالد الرفاعي، للسنة الثانية على التوالي، من ذبح الأضحية. يقول لـ "العربي الجديد": "ذبح الأضحية يعد من أجمل اللحظات التي نعيشها في العيد. لكن هذا العام لا توجد أضاح، ولا نملك المال لشراء الأضحية. كيف نضحي؟ العيد يُقلّب علينا المواجع والذكريات الجميلة". أما الشاب أحمد أبو عيطة الذي يعمل في مجال الحلاقة، فيقول: "خلال الأسبوع الذي يسبق العيد، يكون المحل مليئاً بالشبان والأطفال الذين يستعدون لاستقبال العيد من خلال قص الشعر للظهور بأبهى حلة. أذكر أنني كنت أبقى في المحل حتى الظهر خلال اليوم الأول من العيد".
يضيف أبو عيطة لـ "العربي الجديد": "في هذا العيد، لم أعد أملك صالون حلاقة، وأمارس عملي في خيمة. ولا يأتي الناس للحلاقة، خصوصاً أنهم يعيشون حالة من البؤس، بعدما شهدوا مرارة الحرب التي سرقت الفرحة من عقولنا وقلوبنا. لا أكاد أوفر متطلبات أطفالي من غذاء وملابس وغيرها".
أما فاطمة محمد عايش، فتقول لـ "العربي الجديد": "حلّ العيد في ظل مجاعة وعدم توفر أدنى مقومات الحياة في قطاع غزة. غابت الفرحة عن جميع العائلات بمن فيهم عائلتي وأطفالي. لم نستطع إعداد الحلوى والكعك كما اعتدنا في كل عيد قبل الحرب. صار العيد مجرد ذكرى موجعة". تضيف لـ "العربي الجديد": "أصبحنا ننام ونستيقظ على أصوات القصف. مشاهد الدمار في شوارع القطاع تدمي القلوب، وتبعث حالة من اليأس في قلوبنا. حتى زيارة الأقارب أصبحت صعبة في العيد، فالخوف يسيطر علينا بسبب كثرة القصف الذي يطاول كل المناطق. بعض الأقارب موجودون في شمال القطاع والآخرون في جنوبه".
أما الطفلة راما محمد صالح (13 عاماً)، فتتذكر أيام العيد قبل الحرب بشوقٍ قائلة: "كنا نؤدي صلاة العيد ونرتدي ملابس جديدة. ولا ننسى تناول الحلويات. أما في الوقت الحالي، فلا يوجد شيء. دمر الإسرائيليون كل الأماكن. العيد صار عبارة عن دمار وحزن. أتمنى أن تنتهي الحرب ونعود كما كنا".
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وكان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ينس لاركه، قد أكد أنّ "غزة هي المكان الأكثر جوعاً في العالم"، حيث 100% من السكان معرّضون لخطر المجاعة. وقال إنها "المنطقة المحددة الوحيدة، البلد أو القطاع المحدد الوحيد داخل بلد، حيث كل السكان معرّضون لخطر المجاعة. 100% من السكان معرّضون لخطر المجاعة".

أخبار ذات صلة.
