
طرحت علامة بالنسياغا للأزياء (Balenciaga)، أخيراً، خُفّاً (بالعامية شحّاطة أو زنّوبة) يبلغ ثمنه نحو 450 دولاراً. هذا الخُفّ غريب الشكل، تصفه العلامة بأنه "كتلة واحدة"، ومن ينتعله "يشعر وكأنه يمشي حافياً". لا جديد في ما يخص "بالنسياغا" وتصاميمها المبالغ بها. لكن اللافت هو هجمة علامات الأزياء على الخفوف، الشكل الأرخص والأكثر ابتذالاً مما يمكن لأحدهم أن ينتعله. لكن، حتى الخفّ... لم ينْجُ.
تحول الخفّ إلى علامة طبقية وجمالية، لا سيما ذلك الخاص بـ"أديداس"، وأصبح أشبه بموقف ثقافي من عالم الأزياء. هو جزء من "زيّ" يتبناه أبناء الأحياء الفقيرة، وانتقل لاحقاً إلى النجوم والمشاهير، بوصفه احتجاجاً على نمط الأزياء القائم. الخف الذي يتراوح ثمنه بين عشرة دولارات (لنسخته المقلدة) و25 دولاراً (للأصلية)، أصبح علامة لا يمكن تجاهلها، بل موقفاً جمالياً بحد ذاته. وهذا ما حدث مثلاً في مهرجان كان السينمائي لهذا العام، حين ظهرت عارضة الأزياء الروسية أرينا شاياك بخف لا يتجاوز ثمنه 80 دولاراً. ليس سعره باهظاً مثل الذي أنتجته "بالنسياغا"، لكنه ليس رخيصاً.
الظهور بخُفّ على السجادة الحمراء هو نوع من التحدي لمفهوم مهرجان كان، المرتبط بالعلامات الفاخرة واستعراض الأزياء ورسم مستقبل الموضة طوال العام. أن يأتي هذا "التحدي" من عارضة أزياء قد يبدو مغامرة، أو رسالة ضد الفخامة، لكنه في الحقيقة عكس ذلك تماماً. مثل هذا "التحدي" يطلق موجة من خفوف باهظة الثمن، باعتبارها جزءاً من موضة المشاهير. وهنا تكمن المفارقة: ما يُرتدى بهدف الاحتجاج أو التمرد، يتحوّل إلى سلعة فاخرة. وهذه بالضبط هي أزمة سوق الأزياء.
الخفّ، بوصفه تعبيراً عن ديمقراطية ما، ومُتاحاً للجميع، يفضح هشاشة محاولات تصميم نسخ باهظة الثمن منه. التحديق في خفّ يتجاوز ثمنه 300 دولار، يكشف أنه لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي لا يتجاوز ثمنه عشرة دولارات. ربما يمكن تمييز خفّ "بالنسياغا" بسبب شكله، لكن معظم العلامات الأخرى تتشابه، ونادراً ما نجد خُفّاً له هوية تجارية لا لبس فيها. والمفارقة، أن الأكثر تميزاً وشهرةً هو الأرخص، ونقصد مرة أخرى خُفّ "أديداس" المخصص للشاطئ.
يمنح الخفّ من ينتعله إحساساً بالتخفّف من الجدية، لا سيما أنه لا يصلح للركض، وأحياناً يُصدر صوتاً عند المشي. لا يمنح صاحبه خفة الحركة ولا الرزانة، لكنه يحمل نوعاً من اللعب، كونه شائعاً في الشواطئ والمسابح، ويوحي بأن منتعله مستعد لأي نشاط جسدي. ويبلغ هذا التخفف حدّ استخدام الخفّ أداةً للإهانة: ألم يُطلق على جيش نظام الأسد اسم "جيش أبو شحاطة"، في إشارة إلى عجزه عن الحركة المتقنة وافتقاره للعتاد والتدريب المتطور؟
يعكس الخفّ نوعاً من الاستهتار، والتخفف من الرسميات، ورسالة مفادها أن الإنفاق لا يهم، ولا العلامة التجارية، بل الراحة والحرية في المشي. ومع ذلك، يصل ثمن بعضها إلى 900 دولار من دون سبب واضح؛ إذ وصفت "ذا نيويورك تايمز" الخفّ باهظ الثمن من إنتاج علامة The Row بأنه "يفتقر لأي علامة مميزة في التصميم، عدا الشعار الصغير في أسفله".
لا يمكن تجاهل أن الخفّ، مهما غلا ثمنه أو رخص، قد يتسبب بأضرار طبية للقدمين والظهر، رغم ما يقترحه من حرية وخفة وأريحية. فالمشي به على أسفلت المدينة وأرصفتها المكشوفة للأوساخ يفتح الباب لاحتمالات لامتناهية من الأذى والمرض، إضافة إلى سرعة فقدانه، وهو خوف تحوّل إلى هاجس يطارد أحلامنا. حتى بات لفقدان الخفّ تأويلات في عالم الأحلام.
وبغض النظر عن التأويل، يبقى سعر الخف المنخفض هو الحل الوحيد لمقاومة هذا الكابوس. ففقدان خفّ ثمنه أكثر من ألف دولار هو كابوس يطارد من لا يملكون القدرة على شراء واحد آخر.

أخبار ذات صلة.
