تامر الساحوري: أن تقود فرقةً موسيقية
عربي
منذ يوم
مشاركة

"أهم ما يجب أن يفعله الموسيقي هو أن يعبّر عن الواقع الذي يعيشه. لا يمكننا أن نُنتج فناً منفصلاً عن الحياة، ولا أن نقدّم أعمالاً خيالية لا تعكس ما نمرّ به فعلياً. عندما يستمع الناس إلى الموسيقى؛ فإنهم يدركون ما إذا كانت صادقة أو لا. لذلك، أؤمن بأن على الفنان أن يقدّم شيئاً حقيقياً، نابعاً من التجربة والمحيط والسياق. وهذا بالضبط ما أحاول أن أفعله من خلال موسيقاي".
بهذه الكلمات، يلخّص الموسيقي وعازف العود الفلسطيني، تامر الساحوري رؤيته الفنية. يشغل الساحوري اليوم منصب المدير الأكاديمي لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في جميع فروعه داخل فلسطين. منذ عام 1999، بدأ رحلته في تعلّم الموسيقى في المعهد نفسه، وهو يحمل هذا الالتزام العميق تجاه موسيقى تعبّر عن الأرض والناس واللحظة.
لا يكتفي الساحوري بتقديم الموسيقى بوصفها أداءً فنياً، بل يتعامل معها أداة للتوثيق والمقاومة والربط بين الأجيال. بالنسبة له، ليست الموسيقى ترفاً، بل وسيلة لفهم الذات والواقع، وتثبيت الرواية الفلسطينية بكل ما تحمله من تفاصيل معيشة وتحديات.
من خلال مسيرته الأكاديمية والفنية، يحرص تامر الساحوري على تكريس فضاء يُتيح للأصوات الجديدة أن تنمو، ويوفر للفنانين الشباب بنية تعليمية ومهنية تمكّنهم من التعبير عن أنفسهم بأدوات حقيقية. بين إدارة المعهد والمشاريع الموسيقية التي يشارك بها أو يشرف عليها، يبقى هدفه ثابتاً: أن تكون الموسيقى امتداداً للحياة اليومية، ومرآة للهمّ الفلسطيني، وليست هروباً منه.
من خلال مقطوعاته، يستحضر الساحوري التجربة الفلسطينية بكل أبعادها، يروي تفاصيلها السياسية والإنسانية، ويمزج بين الفن والهوية، ليجعل من التأليف وسيلة للمقاومة، ومن الموسيقى لغة عالمية تروي حكاية الأرض، وتوقظ الذاكرة الجمعية في وجه النسيان.
بدأت الحكاية في بيت لحم عام 1999، فكان طفلاً متأثّراً بأغاني الانتفاضة الأولى، ولفتته أعمال مارسيل خليفة، فلاحظ والداه أن ما يشعر به لم يكن مجرد إعجاب، بل استدعاء داخلي لطريق فني سيحدّد مستقبله، فشجّعاه وسهّلا له الانخراط في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى.
يصف تامر الساحوري تلك المرحلة بالتأسيسية، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن المنحة الأكاديمية التي حصل عليها من المعهد خفّفت العبء عن عائلته، وسمحت له بمواصلة مشواره الموسيقي، ليختار آلة العود. تتلمذ على يد كبار العازفين، مثل سيمون شاهين، وشربل روحانا، وخالد محمد علي، وأحمد الخطيب، وكرّس نفسه لتطوير عزفه، وجعل من نغمه تعبيراً عن واقعٍ شخصي وجماعي.
رغم انشغاله بالعزف والتأليف، خاض الساحوري تجارب قيادية مهمّة، أبرزها قيادته جوقة معهد إدوارد سعيد في عرض "غزة... الشعب الصامد" في الأردن، بمشاركة الفنان اللبناني، أحمد قعبور، وأكثر من 60 موسيقياً. تجربة وصفها بالساحرة، استمرت لاحقاً في عروض بمدينتي رام الله وبيت لحم ضمن "مهرجان الياسمين". يعتقد أن الفن الجماعي يمتلك قدرة فريدة على خلق الأمل وتحريك المشاعر: "قيادة هذه العروض كانت قناعة بأن العمل الجماعي الفني يحمل طاقة تحفيز وأملاً رغم القهر".
يصف تجربته في قيادة الفرق الموسيقية بأنها فن وانضباط في آن: "أن تقود فرقة يعني أن تخلق انسجاماً لحظياً بين عشرات الموسيقيين"، وهذا ما تحقق في عروضه مع الفنان أحمد قعبور، التي استُقبلت بحماس كبير، وأقيمت على مدار ثلاث ليالٍ متتالية.

يرى الساحوري أن الأغنية الوطنية حاضرة منذ بدايات الاحتلال، وليست خياراً بل ضرورة، وأداة بقاء، ووسيلة للبوح والصمود في وجه الحصار والقمع، ويعتبرها "صوت الحقيقة" الذي يرافق الشعب الفلسطيني في لحظاته الكبرى.
خلال العدوان المستمر على غزة، ورغم تدمير مقر معهد إدوارد سعيد هناك، لم يتوقف الساحوري وفريقه، بل أطلقوا أنشطة موسيقية للأطفال في خيام النزوح ومدارس "أونروا". استمرت المبادرات، بإنتاج أعمال موسيقية موجهة للواقع الفلسطيني، من بينها عمل مهدى للشهيدة شيرين أبو عاقلة، وآخر للأسرى مثل أحمد العارضة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية