
توسع السجال حول تورّط المهاجرين أكثر من غيرهم في ارتكاب مخالفات قانونية عقب فوز الداعين إلى تشديد قوانين الإقامة في ألمانيا في الانتخابات التي أجريت في فبراير/ شباط الماضي، سواء الحزب الديمقراطي المسيحي أو حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني، والهدف تعبيد الطريق أمام تطبيق المستشار فريدريش ميرز، وعوده الخاصة بفرض سياسات هجرة متشددة.
يبدو المجتمع الألماني منقسماً في شأن أولوية التعامل مع قضايا مختلفة، إذ يهتم كثيرون بإجراءات التقشف، في حين يطالب البعض بترحيل المهاجرين غير المندمجين، علماً أن سياسيين من اليسار وأحزاب سياسية أخرى يحاولون تخفيف وطأة شعارات الحملات الانتخابية.
وفي سياق اتهامهم المستشارية السابقة بالتراخي مع المغتصبين، يستعيد مسؤولو جمعيات نسوية حادث الاغتصاب الجماعي لمراهقة في الخامسة عشرة من عمرها في مدينة هامبورغ، في عام 2023، باعتباره نموذجاً للإفلات من العقاب. واتهم عشرة أشخاص بالتورط في الواقعة، وأدين تسعة منهم بالاغتصاب في سبتمبر/ أيلول 2023، وحصل ثمانية من المدانين على حكم مع وقف التنفيذ، وواحد، وهو مهاجر إيراني، على حكم غير مشروط بالسجن لمدة عامين.
وكان المستشار ميرز من بين من ربطوا جرائم الاغتصاب بأولوية تشديد سياسات الهجرة، واتخذ من اغتصاب المراهقة في هامبورغ عنواناً لتأكيد ضرورة إصلاح القضاء لمكافحة الظاهرة التي تقلق نساء البلاد في ظل تكرار حوادث مماثلة. وخلال الفترة الأخيرة، انشغل مسؤولون في جمعيات نسوية وصحافيون في تدقيق مزاعم ميرز، وسياسيين في المعسكر الذي يدعو إلى تشديد قوانين الهجرة، حصول جرائم اغتصاب يومية مرتبطة بطالبي اللجوء.
في فبراير الماضي، نشرت مجلة "دير شبيغل" أرقاماً صادمة، من بينها أن عام 2023 شهد نحو 761 اغتصاباً جماعياً، 47.5% من مرتكبيها المفترضين لا يحملون الجنسية الألمانية. ونظراً إلى أن ذوي الأصول الأجنبية لا يشكلون أكثر من 15% من سكان ألمانيا، تعد نسبة المتهمين من هذه الفئة بارتكاب جرائم اغتصاب كبيرة. ووجدت المجلة أن المتهمين من أصول مهاجرة أو لاجئين باتوا مسؤولين عن واحدة من كل جريمتي اغتصاب جماعي.
وكتبت صحيفة "فرانكفوتر ألغماينه" أن "المشبوهين الأجانب في قضايا الاغتصاب الجماعي هم أفغان وأترك وعراقيون وسوريون، و80% من الضحايا مواطنات ألمانيات".
يقيم أحمد خطاب في هامبورغ منذ عام 2014، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تحميل كل الأجانب أو اللاجئين مسؤولية هذه الأفعال المشينة التي تتعارض مع القيم والأخلاق. يبدو أن تعميم جرائم الاغتصاب على اللاجئين هي طريقة لتشويه سمعة مجتمعات الهجرة واللجوء".
وخلال الفترة الأخيرة، شهدت ألمانيا أحداث عنف تشمل الطعن والدهس العشوائي، نُسبت إلى طالبي لجوء جرى رفض إقاماتهم، أو تقرر ترحيلهم من دون تنفيذ ذلك منذ عام 2021. ويعتبر خبراء ألمان تحدثوا إلى وسائل إعلام محلية، من بينها "دي تسايت"، أن "غالبية المتهمين شبان من طالبي اللجوء يعيشون في ظروف خطرة، وغير مندمجين جيداً".
من هامبورغ أيضاً، يقول الألماني الناشط في مواجهة الخطاب العنصري هانز سبان لـ"العربي الجديد": "لا يمكن نفي هذه الأرقام، لكن تصوير آلاف الحالات على أنها تمثل الملايين من أصول مهاجرة ولاجئة مرفوض. هذا الخطاب التعميمي يحرض على مجتمعات بكاملها تضم عشرات آلاف الأسر اللاجئة التي ترفض هذه الأفعال، سواء الهجمات بالسكاكين أو عمليات الاغتصاب أو أي خرق للقوانين".
في المقابل، تقول عضو حزب "البديل من أجل ألمانيا" في ولاية سلايسفيغ هولشتاين، بيترا ستورم لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تجاهل حالات الاغتصاب شبه اليومية، وحصول نحو 131 جريمة يومياً خلال السنة الماضية وحدها، فضلاً عن عمليات الطعن. التحدث عن هذا الأمر ليس عنصرية، بل محاولة لحماية مجتمعنا. غالبية المشبوهين في تنفيذ هذه الاعتداءات من أوساط طالبي اللجوء، وهم يتحملون مسؤولية 48% من جرائم الاغتصاب الجماعي. المحاكم الألمانية تحتاج إلى أن تكون أكثر تشدداً، خصوصاً مع الفئات التي تجرى إدانتها، أو تقيم بصفة غير قانونية في البلد، ويجب تجميع هؤلاء في أماكن محددة تخضع لرقابة الشرطة حتى ترحيلهم".
من جانبه، يقول محامي الهجرة دانييل ثييم لشبكة "إيه آر دي" الإخبارية: "يستخدم حزب البديل من أجل ألمانيا مشكلات الهجرة واللجوء لإثارة الكراهية ضد الأجانب، ونشر نظريات المؤامرة، ما يعرض ألمانيا وأمنها للخطر، والمستشار ميرز يمشي على حبل مشدود، ويجب أن يتخذ خطواته السياسية بعيداً عن اليمين الشعبوي وخططه غير القابلة للتنفيذ، إذ لا يمكن احتجاز الأشخاص لأجل غير مسمى، أو إلغاء حق اللجوء، أو إغلاق الحدود، وغيرها من مطالب الفاشيين".
ورغم أن أحزاباً عدة تعهدت بعدم التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا، لكن الواضح أن الخطوط العامة لسياسات الهجرة التي ينوي الحزب الديمقراطي المسيحي تطبيقها ليست بعيدة عن مطالب الحزب اليميني المتشدد الذي ينتقد وجود مهاجرين على الأراضي الألمانية.
ومن بين الأفكار التي تنوي المستشارية الجديدة تطبيقها على طالبي اللجوء، منع منحهم مساعدات مالية، والاكتفاء ببطاقة لشراء الطعام لا يمكن استخدامها لسحب نقود أو لشراء أشياء أخرى، وذلك حتى البت في ترحيل من تشملهم "الإقامة المتسامحة"، وأيضاً وقف استقبال لاجئين على الحدود، ما يتوافق تقريباً مع مطالب اليمين المتشدد في خطابه حول "صفر لجوء".
وبحسب السجلات الرسمية، جرى خلال السنوات الست الماضية تسجيل نحو 140 ألف مهاجر ولاجئ في نظام مكافحة الجرائم العنيفة، وتصل الأرقام إلى نحو 64 جريمة يومياً. وكشفت الأرقام أنه في السنوات بين 2019 و2022، أصبح بين المتهمين أوكرانيين.
ووفقاً لبيانات جهاز الشرطة الاتحادية، سجل خلال عام 2023 نحو 9 آلاف اعتداء عنيف، ونحو 5 آلاف عملية سطو بسكاكين، وبلغ متوسط عدد المشبوهين 38 شخصاً يومياً، ونسبة الأجانب من بينهم بين 35 و55%، واللافت أن الإحصاءات لم تشر إلى مئات من عمليات الطعن.

أخبار ذات صلة.
