
قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 27 فلسطينياً، أمس الثلاثاء، من طالبي المساعدات في غزة في مجزرة هي الثالثة من نوعها في رفح جنوبي القطاع بعد مجزرتين سابقتين، أودتا بحياة العشرات وإصابة المئات. وعمد جنود الاحتلال إلى استهداف طالبي المساعدات في غزة الذين ينتظرون في المنطقة المخصصة لتوزيعها في منطقة العلم بمحافظة رفح فجر أمس الثلاثاء، بعد فتح النار عليهم بشكل مباشر، ما أوقع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى.
وزعم بيان جيش الاحتلال أنه "في وقت سابق من اليوم (أمس الثلاثاء)، وأثناء توجه الجماهير الفلسطينية على الطرقات المرتبة في طريقهم إلى مجمعات توزيع المساعدات الإنسانية على بعد نصف كيلومتر عن المجمّع، رصدت قوات الجيش عدداً من المشتبه فيهم الذين تحركوا نحو القوات متجاوزين الطرقات المعروفة، حيث نفذت القوات عملية إطلاق نار بغية الإبعاد، وعندما لم يبتعدوا، نفذت عملية إطلاق نار أخرى بالقرب من عدد من المشتبه فيهم، الذين واصلوا التقدم نحو القوات. وردت تقارير عن وقوع إصابات، وتفاصيل الحادث قيد الفحص".
إسماعيل الثوابتة: تحوّلت مراكز المساعدات إلى مصائد موت جماعي
وتعتبر هذه المجزرة الثالثة على التوالي التي يرتكبها الاحتلال في منطقة العلم برفح جنوبي القطاع، في مراكز التوزيع التابعة إلى "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية، التي جاءت بديلا عن مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى. وقبل هذه المجزرة وثقت وزارة الصحة في غزة استشهاد 75 فلسطينياً وإصابة 400 آخرين بجراح جراء مجازر ارتكبتها قوات الاحتلال ضد طالبي المساعدات في غزة في منطقتي رفح وجسر وادي غزة. وللمرة الثالثة على التوالي يعمد الاحتلال لفتح النار على طالبي المساعدات في رفح الذين يقطعون مسافات طويلة، حيث إن بعضهم يأتي من مدينة غزة ووسط القطاع، بذرائع أمنية وهو ما تنفيه إفادات الفلسطينيين الموجودين في محيط المركز.
ولا توجد أي عملية تنظيم حقيقية تشهدها عملية توزيع المساعدات في مراكز التوزيع، حيث تتم بشكل عشوائي من خلال تدافع الناس والحصول على المساعدات بشكل فردي، وعدد كبير منهم يعود دون الحصول على شيء. ويبدو الاحتلال الإسرائيلي معنياً بهذه الخطة، والحفاظ على مراكز التوزيع، مع إبقاء حالة الفوضى شائعة لتنفيذ أهداف سياسية وأمنية واجتماعية في صفوف السكان في ظل حالة التجويع التي تعصف بالقطاع منذ مارس/آذار الماضي. ولا يسمح الاحتلال للمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو برنامج الغذاء العالمي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بإدخال أي مساعدات، باستثناء عدد محدود من الشاحنات، وصل إلى القطاع بعد تسليم الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر في 12 مايو/أيار الماضي.
جريمة حرب مكتملة الأركان
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة إنّ المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب ما يُسمى بمركز "المساعدات الأميركي - الإسرائيلي" في محافظة رفح، والتي أسفرت عن استشهاد 27 مدنياً مُجوَّعاً وإصابة أكثر من 90 آخرين، تمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، وتُضاف إلى سجل الإبادة الجماعية المتواصلة بحق الفلسطينيين في غزة.
102 شهيد من طالبي المساعدات في غزة
أحمد الطناني: دفع السكان إلى الاقتتال خيار إسرائيلي في حال استمرار الفشل في إيجاد بديل للنظام القائم
وشدد الثوابتة على أن زعم الاحتلال بوجود "مخاطر أمنية" وراء إطلاق النار على المدنيين المُجوَّعين في مراكز توزيع ما يُسمى بالمساعدات، تضليل فجّ ومبرر واهٍ يهدف للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية الموثّقة بالصوت والصورة، والتي تُرتكب على الهواء مباشرة بحق آلاف المدنيين. وأوضح أن هذه المراكز تُقام في مناطق مكشوفة وخاضعة بالكامل لسيطرة الاحتلال العسكرية، وتُدار أمنياً من قِبل جيش الاحتلال وشركة أمنية أميركية، ما يعني أن كل التحركات فيها مرصودة مسبقاً وتخضع للضبط الكامل، وبالتالي فإن مزاعم "التهديد الأمني" لا تصمد أمام الحقيقة الميدانية. ولفت إلى أن كل الضحايا هم من المدنيين المُجوَّعين وليسوا مسلحين، وهؤلاء هرعوا إلى هذه النقاط أملاً في الحصول على فتات الغذاء، ما يدحض بالكامل رواية "التهديد الأمني"، ويُثبت أن ما جرى هو استهداف متعمّد ومباشر للمدنيين العزل، في انتهاك صارخ لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.
من ناحيته، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أحمد الطناني إنه لا يمكن اعتبار المجازر المستمرة قرب مراكز توزيع المساعدات الأميركية تعبيراً عن قرار إسرائيلي بإفشال الآلية الجديدة. وأضاف الطناني، لـ"العربي الجديد" أن قادة الاحتلال، وخاصة أعضاء الحكومة، لطالما اعتبروا ملف المساعدات أحد الملفات الجوهرية ضمن مساعيهم لهندسة المجتمع في قطاع غزة، وتفكيك منظومة الحكم القائمة، بل والمنظومة الوطنية برمتها في القطاع.
وبحسب مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية فإن الخطة الأميركية رغم كونها لا تتطابق تماماً مع ما كانت تطرحه دوائر صنع القرار في إسرائيل، والتي كانت تقوم على تحويل رفح إلى سجن كبير، واستغلال مراكز التوزيع كأداة لجذب السكان الجائعين إلى محيطها لتسهيل عملية الإفراغ والتهجير، إلا أن ما يُطبق حالياً على الأرض، والذي لا ينسجم كلياً مع هذه الخطة، لا يُعبر عن خلاف فعلي في الأهداف، بل عن قصور في التجهيزات والموارد اللازمة لتنفيذها، وتحويل هذا النموذج الأمني المغلف بغطاء إنساني إلى واقع فعّال ومجدي.
وأكد الطناني أن المجازر المستمرة في محيط مراكز التوزيع تُجسد بشكل مكثف الطبيعة العدوانية للجيش الإسرائيلي، الذي لا يتردد في استخدام القوة المميتة ضد أي فلسطيني يتحرك، بغض النظر عن السياق أو المكان، بما في ذلك محيط أماكن توزيع المساعدات المصممة أصلاً لتكون أداة للابتزاز الإنساني وتحقيق أهداف أمنية خبيثة. وأشار إلى أنه في سيناريو موازٍ، قد يرى الاحتلال في خيار "الصوملة"، أو دفع السكان إلى الاقتتال الداخلي والفوضى الشاملة من أجل لقمة الطعام والمساعدات، أحد البدائل الممكنة في حال استمرار الفشل في إيجاد بديل للنظام القائم، وغياب نموذج محلي متعاون يُشكل نواة لـ"اليوم التالي" المُصمم إسرائيلياً. وبين أن الاحتلال قد يعوّل على أن شلال الدماء اليومي قرب مراكز التوزيع سيتحول تدريجياً إلى عبء نفسي على المؤسسات الأهلية الفلسطينية والمنظمات الدولية التي ترفض التعاون مع الآلية الأميركية الجديدة، بما يدفعها إلى إعادة النظر في مواقفها، من بوابة "الحرص على حقن الدماء" والتدخل لإنقاذ حياة المستفيدين من آلية قاصرة ومشوهة لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية في غزة.
