
(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن قطاع العدالة الليبي المتشرذم يقمع الحريات الأساسية ويعرقل المساءلة عن الانتهاكات. ينبغي للسلطات الليبية أن تسعى على وجه السرعة إلى إجراء إصلاح قضائي شامل، وإصلاح التشريعات القمعية، واعتقال وتسليم المشتبه بهم على أراضيها المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
2 يونيو/حزيران 2025 ظُلم مُتأصّليوثق التقرير الصادر في 35 صفحة، بعنوان"ظلم مُتأصل: ضرورة الإصلاح الشامل للعدالة في ليبيا"، مدى الحاجة الملحة إلى إصلاح التشريعات البالية والقمعية، وانعدام حقوق المحاكمة العادلة، وتفشي انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة. كما أن الظروف غير الآمنة للموظفين القضائيين، والمحاكمات العسكرية التعسفية بحق المدنيين، والظروف اللاإنسانية في السجون تفاقم الانتهاكات وترسخ الإفلات من العقاب.
قالت حنان صلاح، المديرة المشاركة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بتقاعسها عن معالجة الاحتياجات المزمنة في الإصلاح القضائي، تدير السلطات الليبية ظهرها للعدالة وتسمح للإفلات من العقاب بأن يسود. يجب أن تكون الاشتباكات الدامية الأخيرة بين الميليشيات في العاصمة طرابلس وغياب آليات العدالة الملائمة للتصدي للانتهاكات والتجاوزات إنذارا بضرورة إجراء إصلاحات عاجلة".
ما يزال الانتقال السياسي المتأزم في ليبيا متعثرا في ظل تنافس طرفين متنازعين على الأراضي والموارد وسط تصاعد القمع والمواجهات المسلحة. تسيطر "حكومة الوحدة الوطنية" التي تتخذ من طرابلس مقرا لها مع الجماعات المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة لها على معظم غرب ليبيا، بينما تسيطر "القوات المسلحة العربية الليبية" والأجهزة الأمنية التابعة لها ،بالإضافة إلى هيئة إدارية، على شرق ليبيا وجنوبها. ويتخذ "المجلس الرئاسي" من طرابلس مقرا له ويحظى بدعم الجماعات المسلحة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن وقوع الأعمال العنف الأخيرة واكتشاف مقبرة جماعية جديدة يؤكدان الحاجة إلى المساءلة القضائية. وأسفر القتال العنيف بين الجماعات المسلحة والقوات شبه الحكومية في العاصمة الليبية بين 12 و14 مايو/أيار 2025 عن سقوط ضحايا مدنيين وتدمير منازل وسيارات. بعد الاشتباكات، قالت سلطات حكومة الوحدة الوطنية إنها اكتشفت 53 جثة مجهولة في مشرحة مستشفى ومقبرة عشوائية لم تكن معروفة تحوي ما لا يقل عن تسع جثث مجهولة لرجال ونساء.
وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن قطاع العدالة في ليبيا يتسم بالانقسام والاستقطاب السياسي الحاد. فالسلطة القضائية غير راغبة في إجراء تحقيقات جادة في الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية وغير قادرة على ذلك.
كما أن ثمة نزاع عميق بين المؤسسات القضائية الرئيسية، وتشمل وزارة العدل و"المجلس الأعلى للقضاء" والمحكمة العليا والنيابة العامة. وقد تتنافس "المحكمة الدستورية العليا" التي أنشئت حديثا في بنغازي مع المحكمة العليا في طرابلس، ما يهدد بحدوث أزمة دستورية وأحكام متضاربة.
كما أن قانون العقوباتوالتشريعات الليبية ذات الصلة بالية ولا تتصدى للجرائم الدولية، وتتطلب إصلاحا شاملا لجعلها تتماشى مع التزاماتها الحقوقية الدولية. وتتضمن التشريعات المحلية نصوصا قمعية وتعسفية من عهد الزعيم السابق معمر القذافي، منها القوانين التي تنص على عقوبة الإعدام والجلد وبتر الأطراف. وتقيّد العديد من القوانين الصادرة منذ 2011 الحريات وتتعارض مع القانون الدولي.
كما لا يتم احترام حقوق المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة في ليبيا. إذ تواصل المحاكم العسكرية في الشرق والغرب محاكمة المدنيين تحت عنوان الجرائم المتعلقة بـ"الإرهاب". ويواجه المحامون عوائق في الالتقاء بموكليهم، وغياب الإشعارات بشأن مواعيد الجلسات، وعدم الحصول على وثائق المحكمة. وتنتشر جلسات الاستماع عبر الفيديو بشكل متزايد، وهي تقوض حقوق المحتجزين عند اللجوء إليها دون غيرها.
يُحتجز الليبيين وغير الليبيين بشكل اعتيادي تعسفا ولفترات طويلة. وتسيطر الجماعات المسلحة والقوات شبه الحكومية على مراكز الاحتجاز المعروفة بظروفها اللاإنسانية للمهاجرين، وطالبي اللجوء، والمواطنين الليبيين على حد سواء. وهي لا تمتثل دائما لأوامر الإفراج عن المحتجزين واستدعائهم من قبل المحكمة. كما يتفشى التعذيب وسوء المعاملة والاكتظاظ، وهي حالات موثّقة جيدا.
ويتعرض العاملون في القانون والمتهمون والشهود في ليبيا للاعتداءات والترهيب والمضايقات، حيث لا توفر لهم السلطات الحماية الجسدية الكافية.
أحال "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" الوضع في ليبيا إلى المدعي العام لـ"المحكمة الجنائية الدولية" في 2011، وفتح مكتب المدعي العام تحقيقا في الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. وما يزال ثمانية أشخاص صدرت بحقهم أوامر اعتقال علنية من المحكمة الجنائية الدولية طلقاء.
ينبغي للسلطات الليبية أن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بسبل تشمل المسارعة إلى اعتقال كافة الأشخاص الموجودين على الأراضي الليبية الخاضعين لمذكرات توقيف صادرة عن المحكمة وتسليمهم إليها، مثل سيف الإسلام القذافي وأسامة المصري نجيم، وكلاهما مطلوبان بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن مكتبه يعتزم "استكمال أنشطة التحقيق" في الوضع في ليبيا بحلول نهاية 2025. في 12 مايو/أيار 2025، قدمت الحكومة الليبية إعلانا إلى المحكمة بقبول اختصاصها في الجرائم المزعوم ارتكابها في ليبيا منذ 2011 وحتى نهاية 2027. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية أن يعيد تقييم الإطار الزمني لإنجاز المهمة لضمان تنفيذ ولايته على النحو الملائم، والعمل مع السلطات الليبية لتعزيز نظام العدالة الجنائية المحلي من خلال معالجة أوجه القصور الهيكلية.
ويلزم القانون الدولي الدول بتوفير جلسة استماع عادلة أمام هيئة قضائية مشكّلة قانونا ومختصة ومستقلة ومحايدة، ومحاكمة دون تأخير غير مبرَّر، والحق في الاستئناف أمام هيئة قضائية أعلى. كما يجب أن يُمنح المتهمون الحق الكامل في الاستعانة بمحامٍ، والوقت الكافي لإعداد دفاعهم، والقدرة على الطعن في الأدلة والحجج المقدمة ضدهم.
الاحتجاز يجب أن يكون خاضعا لإجراءات قانونية صارمة والسلطات ملزمة بالمسارعة إلى توجيه الاتهام إلى الشخص أو الإفراج عنه، وعرضه فورا أمام قاضٍ للبت في شرعية احتجازه، وإتاحة فرص منتظمة للطعن في شرعية الاحتجاز. تتعارض محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية مع الحق في المحاكمة العادلة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ينبغي للسلطات الليبية إلغاء جميع القوانين التي تنتهك القانون الدولي و"الإعلان الدستوري" الليبي. وينبغي لها أن تؤسس لإصلاح تشريعي شامل بالتشاور مع فقهاء القانون والمنظمات المدنية المحلية والدولية، وتعديل قانون العقوبات لتجريم الجرائم الدولية الخطيرة، وضمان معايير المحاكمة العادلة والحق في المحاكمة العادلة، وفرض رقابة حقيقية على جميع مراكز الاحتجاز، وضمان المعاملة الإنسانية للمحتجزين، والإفراج عن جميع المحتجزين تعسفا، وإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين.
قالت صلاح: "الانتهاكات التي نوثقها في ليبيا بحجمها واستمراريتها لا تحدث في فراغ، بل تعكس أوجه القصور المزمن في المؤسسات القضائية الليبية. وبالتالي، فإن معالجة الخلل المؤسسي الهيكلي، بما في ذلك داخل السلطة القضائية، شرط أساسي للتغلب على الإفلات من العقاب".