اتفاقية المعادن بين كييف وواشنطن: تغييرات في سياسة ترامب
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

بعد أسابيع من المفاوضات الشاقة وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا على اتفاقية المعادن في واشنطن، الأربعاء الماضي. وفيما طوت الاتفاقية حقبة من التوتر في العلاقات بين البلدين، جسد السجال العلني غير المسبوق بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأميركي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، في 28 فبراير/ شباط الماضي، أبرز معالمها، أرسلت الاتفاقية إشارة واضحة للكرملين حول تغيرات في الخطاب الأميركي بشأن الحرب في أوكرانيا، يمكن أن تفتح على مقاربات جديدة للتسوية. ورغم أن اتفاقية المعادن لا ترقى إلى مطالب ترامب السابقة بشأن استعادة كل الأموال التي قدمتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن لأوكرانيا منذ بداية الحرب، روّج الرئيس الأميركي للاتفاقية على أنها نصر جديد له في المائة يوم الأولى لحكمه، وقال مساء الأربعاء الماضي، إن بلاده "ستسترد نظرياً أكثر بكثير" من المليارات التي قدمها سلفه لأوكرانيا. في المقابل، تظهر بعض بنود اتفاقية المعادن أن أوكرانيا لم تقدم تنازلات في ما يخص سيادتها وتوجهاتها نحو التكامل الأوروبي، إلا أنها لا تشكل حماية كاملة له. ورغم أن الاتفاقية لم تتضمن بنداً واضحاً أصر عليه زيلينسكي بشأن الضمانات الأمنية، يستطيع الرئيس الأوكراني تسويق الاتفاقية على أنها تغير جذري في سياسات ترامب، ومكسب كبير لبلاده جنّب الأجيال المقبلة دفع فواتير الحرب الباهظة، فضلاً عن إعادة المياه إلى مجاريها مع واشنطن، بما يعنيه ذلك من عودة المساعدات العسكرية، وكسر انحياز إدارة ترامب للمطالب الروسية.


 تفتح الاتفاقية الجديدة على عودة المساعدات العسكرية الأميركية إلى جدول الأعمال

تغيّر اللهجة الأميركية في اتفاقية المعادن

أظهر نص اتفاقية المعادن إضافة إلى التصريحات والتعليقات الرسمية الأميركية تغيراً واضحاً في اللهجة نحو روسيا. ويناقض النص المنشور على موقع الحكومة الأوكرانية التصريحات السابقة لترامب وكبار مساعديه، وحسب النص "تُعزز هذه الاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين من أجل إعادة إعمار أوكرانيا وتحديثها على المدى الطويل، رداً على الدمار الواسع النطاق الذي سبّبه الغزو الروسي الشامل لها، وسعياً إلى أوكرانيا سلمية وذات سيادة ومرنة". وسابقاً رفض مسؤولو البيت الأبيض أكثر من مرة وصف روسيا على أنها معتدية، ووجّه ترامب مرات عدة أصابع الاتهام لأوكرانيا بالتسبب في إشعال الحرب. وذكر البيان الصحافي المنشور على موقع وزارة الخزانة الأميركية أن الاتفاقية أُبرمت "تقديراً للمساعدات المالية والمادية الكبيرة التي قدّمها الشعب الأميركي لأوكرانيا دفاعاً عن نفسها ضد غزو روسي شامل". وشدد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على أن "هذه الاتفاقية تُرسل إشارة واضحة إلى روسيا بأن إدارة ترامب ملتزمة بعملية سلام تبدأ بأوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة".

وفيما عانت أوكرانيا في الأشهر الأخيرة من نقص المساعدات العسكرية الأميركية، وعدم إقرار إدارة ترامب أي حزمة مساعدات جديدة، وتعليق تسليم مساعدات مقرة في عهد بايدن، تفتح الاتفاقية الجديدة على عودة المساعدات العسكرية الأميركية إلى جدول الأعمال. وحسب اتفاقية المعادن المنشورة، فإن الولايات المتحدة يمكنها تقديم مساهمات لصندوق الاستثمار، بما في ذلك في شكل إمدادات أسلحة، وحسب النص "إذا قدّمت حكومة الولايات المتحدة، بعد تاريخ السريان، مساعدة عسكرية جديدة إلى حكومة أوكرانيا بأي شكل من الأشكال (بما في ذلك التبرع بأنظمة الأسلحة أو الذخيرة أو التكنولوجيا أو التدريب)، فإن المساهمة الرأسمالية للشريك الأميركي ستُعتبر زيادة بالقيمة المقدرة لهذه المساعدة العسكرية"، وفقاً لاتفاقية الشراكة.

وقالت يوليا سفيريدينكو نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، قبيل توجهها إلى واشنطن لتوقيع الاتفاقية، إن الولايات المتحدة قد تقدم لكييف مساعدات عسكرية في المستقبل، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي. ومن المؤكد أن استئناف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، سيُمثل ذلك تغييراً جذرياً في استراتيجية ترامب، الذي انتقد بايدن مراراً وتكراراً لتخصيصه أموالاً لأوكرانيا في الماضي. ولم يُخصص ترامب مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، وعلّق لفترة قصيرة التعاون الاستخباري بعد سجال البيت الأبيض الشهير مع زيلينسكي ما تسبّب في نكسة كبيرة للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية، وجبهات دونباس. وبعد توقيع الاتفاقية نقلت صحيفة كييف بوست الأوكرانية عن مصادرها أن إدارة ترامب رفعت الحظر عن مبيعات الأسلحة التجارية إلى أوكرانيا. ووفقاَ لمصادر الصحيفة، أبلغ البيت الأبيض الكونغرس بنيّته السماح بصادرات دفاعية إلى أوكرانيا بقيمة 50 مليون دولار أو أكثر في إطار برنامج الخدمات التجارية المباشرة. ومعلوم أن هذا البرنامج سارٍ من قبل، رغم أن جزءاً كبيراً من الأسلحة نُقل مجاناً. من عام 2015 إلى عام 2023، دفعت أوكرانيا حوالي 1.6 مليار دولار مقابل معدات عسكرية مُسلّمة بموجب هذا البرنامج.

اتفاقية المعادن تضمن سيادة أوكرانيا على مواردها

إشارة سلبية لموسكو

وفي حال صحت تسريبات الصحيفة الأوكرانية، يبعث استئناف التعاون العسكري بين كييف وواشنطن إشارة سلبية لموسكو، والأرجح أن يؤثر في مسار المفاوضات الروسية الأميركية لإنهاء الحرب والوصول إلى تسوية سياسية تتوافق مع طموحات الكرملين لإنهاء الحرب مع تحقيق معظم أهدافه. وتعقّد إمدادات الأسلحة الأميركية مهمة الجيش الروسي في مواصلة تقدمه الميداني في دونباس (يضمّ إقليمي دونيتسك ولوغانسك) لفرض وقائع على الأرض لاستخدامها على طاولة المفاوضات. وتعطل الإمدادات العسكرية الأميركية إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة تشدد موسكو على أنها يجب أن تترافق مع عدم حصول أوكرانيا على أي أسلحة تمنح أوكرانيا إمكانية لإعادة تنظيم صفوفها وتقوية موقفها. وبالإضافة إلى وصف الحرب على أنها غزو روسي، استطاع المفاوضون الأوكرانيون فصل اتفاقية المعادن عن مطالب ترامب لكييف بدفع مواردها الطبيعية لواشنطن مقابل المساعدات التي قدمتها لها خلال ثلاث سنوات من الحرب. ومعروف أن ترامب تحدث عن ضرورة سداد أوكرانيا نحو 350 مليار دولار، التي رفضت هذه الشروط. ولم تتطرق اتفاقية المعادن إلى قضية الديون، ونصت على أن الصندوق الاستثماري المشترك يتشكل من الودائع والمشروعات الجديدة.

وحسب النص المنشور، فإن اتفاقية المعادن تضمن سيادة أوكرانيا على مواردها، بالإضافة إلى أن جميع رواسب المعادن الطبيعية الموجودة في أوكرانيا، ومرافق البنية التحتية القائمة، لن تكون جزءاً من هذا الصندوق، ما يؤكد سيادة أوكرانيا على أراضيها، ولا تعطل مسيرتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا تتطلب تعديلات دستورية. ومن الواضح أن نص اتفاقية المعادن المتوازن جاء نتيجة فهم المفاوضين الأوكرانيين تكتيكات الجانب الأميركي، المنطلقة أساساً من ممارسة ضغوط قصوى ومن ثم الانتقال إلى إيجاد حل وسط في حال استحالة التوصل إلى نتيجة سريعة، ومن جهة أخرى استغل الأوكرانيون استعجال إدارة ترامب لتسجيل انتصار دبلوماسي خارجي في المائة يوم الأولى لحكم ترامب. ويأمل الأوكرانيون في أن تفتح اتفاقية المعادن على تغيرات في نهج الإدارة الأميركية بشأن جهود الحرب، وأنهم قادرون على تغيير رؤية ترامب واقتراحاته لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية عادلة بالاستفادة من تجربة التعديلات الكبيرة في اتفاقية المعادن عبر المفاوضات في الشهرين الماضيين.

والأرجح أن المكاسب الأوكرانية السابقة لن تحدث تغيراً كبيراً إذا لم تترافق مع ممارسة إدارة ترامب ضغوطاً على روسيا، واستئناف شحنات الأسلحة خصوصاً في مجال الدفاع الجوي والصواريخ والقذائف الصاروخية. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب تنوي تقديم مساعدة عسكرية كبيرة لأوكرانيا. ومن المؤكد أن الاتفاقية لن تنهي الحرب في أوكرانيا، لكنها قد تُصبح عاملاً مؤثراً نظراً لطريقة تفكير ترامب وطروحاته، فالمصلحة الاقتصادية الناجمة عن عمل الصندوق قد تشجع ترامب على مواصلة محادثات السلام وتمنعه من التخلي عن أوكرانيا ببساطة، لأن خسارة أوكرانيا تعني خسارة الفوائد الاقتصادية المحتملة من الصندوق. وعلى خلفية تلويح المسؤولين الأميركيين منذ منتصف الشهر الماضي بالانسحاب من جهود الوساطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تبرز أسئلة حول إمكانية انتقال ترامب من مرحلة الترغيب والاقناع إلى مرحلة الإكراه في التعامل مع روسيا. وفي هذا الإطار منح المشرعون الأميركيون ترامب أوراقاً إضافية للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأعد السيناتور ليندسي غراهام مسودة عقوبات جديدة ضد روسيا، ستؤثر على الدول التي تتعامل تجارياً معها. ومن أهم بنود مشروع القانون فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على واردات السلع من الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم والموارد الروسية الأخرى. وقال غراهام، الأربعاء الماضي، إنه حصل على دعم 72 عضواً من زملائه لمشروع قانون يفرض عقوبات جديدة "ساحقة" على روسيا، في حال لم يبدأ بوتين مفاوضات جادة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. كما تشمل العقوبات حظراً على المواطنين الأميركيين يمنعهم من شراء الديون السيادية الروسية. وأوضح غراهام أن "الهدف هو دعم الرئيس ( ترامب)".


ترامب: الوجود الأميركي على الأرض سيمنع تسلل الأطراف السيئة إلى أوكرانيا

روسيا ترفض خطة سلام ترامب

ومن المؤكد أن تصريحات غراهام، تمنح ترامب أوراق ضغط إضافية على بوتين في حال قرر الانتقال إلى ممارسة ضغوط رداً على تصريحات كشف فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو، في 28 إبريل/نيسان الماضي أن موسكو ترفض جزءاً كبيراً من نقاط خطة السلام التي طرحتها إدارة ترامب. في المقابل، من الواضح أن ترامب لا يملك أوراق ضغط اقتصادية كبيرة على روسيا، بعد حزم العقوبات المتتالية، والتبادل التجاري الضعيف بين البلدين، وحاجة الولايات المتحدة للخامات الروسية مثل اليورانيوم والتيتانيوم في صناعاتها، إضافة إلى أن العقوبات على النفط الروسي ترفع الأسعار ما يناقض خطط ترامب لخفض أسعار النفط وكبح التضخم في بلاده. وتناقض أي مشاركة أميركية مباشرة في الصراع استراتيجية الإدارات السابقة بعدم الانجرار إلى صراع مباشر مع روسيا، والأهم أن مشاركة واشنطن المباشرة تتعارض مع تصريحاته ووعوده بعدم إشعال أي حروب، والعمل على إنهاء الصراعات سلمياً.

ويرى ترامب أن انخراط الشركات الأميركية بمشروعات في أوكرانيا يمكن أن يسرّع في عقد اتفاق سلام ومنع روسيا من مواصلة الحرب على أوكرانيا، وفي جلسة لمجلس الوزراء بالبيت الأبيض بتاريخ 30 إبريل الماضي، قال ترامب: "عقدنا صفقة تضمن أموالنا وتجعلنا قادرين على البدء بالحفر والقيام بما يجب علينا فعله". وأضاف: "هذا أيضاً جيد لهم، لأن الوجود الأميركي على الأرض سيمنع تسلل الأطراف السيئة إلى البلاد، خصوصاً إلى المناطق التي نعمل فيها على استخراج الموارد". وكان زيلينسكي قد طالب بالحصول على ضمانات أمنية رسمية من الولايات المتحدة، لكن المسؤولين الأميركيين قالوا إن ربط أوكرانيا بالولايات المتحدة من خلال العلاقات الاقتصادية سيشكّل درعاً أمنية فعلية.

وفيما أحجمت موسكو حتى الآن عن التعليق مباشرة على الاتفاقية وانعكاساتها على الحرب، فإن خطر عودة إمدادات السلاح الأميركية تجعلها أمام خيارات صعبة، تحديداً العمل بأسرع وقت ممكن على استكمال احتلال الأراضي التي ضمتها في خريف 2022 وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون بأي ثمن، وهي عملية مكلفة بشرياً وربما لا يستطيع الجيش الروسي تنفيذها. ومن شأن ذلك أن يبرز روسيا على أنها المعطّل للتسوية. كذلك، أمام الروس خيار إعلان هدنة من جانب واحد للمحافظة على زخم العلاقات مع ترامب في القضايا الأخرى، مثل العلاقات الثنائية وقضايا التوازن الاستراتيجي، والقبول بوجود أميركي دائم في أوكرانيا من البوابة الاقتصادية، والسماح لترامب باحتكار مشروعات إعادة إعمار أوكرانيا. وبالتالي الهيمنة على أوكرانيا لعقود، كما حصل بعد إطلاق مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، مع فارقين جوهريين هو حرمان روسيا من السيطرة على أوكرانيا عسكرياً أو سياسياً، وهيمنة واشنطن على "كييف روس" من دون دفع أي مبالغ من الخزينة الأميركية أو إرسال قوات.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية